الفن والأدب يفضحان حقيقة الهوية الجنسية

الكاتب والروائي المغربي المقيم في فرنسا وعضو أكاديميتها والحاصل على الجائزة المرموقة «كونكور» للرواية كان، ربما، أول من تناول أدبيا ظاهرة تنم عن انفصام وشرخ حادين في الشخصية لدى بعض المغاربة وهي ظاهرة إخفاء الهوية الجنسية للأبناء. ففي روايته التي تحمل عنوان «طفل الرمال»، التي تدور أحداثها خلال مرحلة ما بعد الاستعمار في المغرب، يحكي بن جلون عن الازدواجية على مختلف الأصعدة، ابتداء من بناء الهوية الفردية إلى المحيط العام وما يحمله من تقاليد وأعراف، وعالم الذكورة الذي تعيش المرأة في ظله.وضمن هذا الزخم "الحكواتي" تتجسد قصة محمد الذي ولد بنتا لكنه تربى وترعرع في كنف والده، التاجر الثري الحاج أحمد سليمان الذي أنجب سبع بنات، على أنه بنت. كبرياء الأب وأنفته دفعاه إلى أن يُقسم على أن يكون الوليد الثامن صبيا، مهما كانت النتيجة ليحفظ ماء وجهه.تقول الرواية، الصادرة في سنة 1985، إن التاجر أحمد سليمان أخفى سر إنجاب زوجته لمولود ثامن أنثى، وأعلن أمام الجميع أنه رزق بصبي، أسماه محمد، وأقام على شرف ميلاده حفلات باذخة.تبوأ محمد ، انطلاقا من هويته الذكورية مكانة فضلى بين أخواته الإناث، وكان ينتشي، في البداية، بهذا الدور والهوية الذكوريين اللذين يمدانه بالقوة والهيبة والوجاهة، وهو ما يشعره بالتميز والتفوق والسلطة التي يتميز بها الذكور، فيتعالى على أخواته ووالدته في مجتمع تقليدي ومحافظ يراعي المظاهر ويصون الشكليات ويُقَدَّس فيه الرجال. وليُكمل الأب الوهم الذي خلقه لنفسه أقدم على تزويج ابنه / ابنته من ابنة عمه/ها فاطمة. لكن سرعان ما يتلاشى الوهم مع بروز تلك الرغبة الفطرية في الإنجاب التي توقظه/ها من غفلته/ ها فيتحول أحمد إلى زهرة التي واصل الطاهر بن جلون سرد حكايتها في رواية «الليلة المقدسة» الصادرة سنة 1987، وفي هذا الجزء الثاني تعثر زهرة على هويتها الحقيقية و تقع في غرام رجل ضرير يدعى القنصل. وتذهب بعض الكتابات النقدية إلى أن الأعمال الأدبية للطاهر بن جلون تسعى دائما إلى الغوص في عالم التقاليد المغربية، حيث غالبا ما يركز على الحالات التي تتعرض فيها المرأة للعنف على يد الرجل الذي ارتوى بمفاهيم الذكورة البالية التي ما زالت تقاوم صراع الزمن وتمضي في تحدي الدين في أوساط المجتمع المغربي الذي يرسخها بنفاق.وتعكس رواية بن جلون بشكل أو بآخر الجانب القسري في ظاهرة اختلاط الهوية الجنسية، التي يقول أخصائيو الطب النفسي إن المصابين بها يعتقدون أنهم ولدوا في جسم زائف أو خاطئ، وهو اعتقاد يؤدي إلى شعور بالضيق والكرب يلازمان المصاب بشكل يومي، كما تتولد لديهم رغبة مستمرة في تبديل جنسهم وهويتهم الجنسية، مع العلم بأن نمط حياة هؤلاء المرضى يكون متردياً اجتماعياً وصحياً ونفسياً، مقارنة بالأشخاص الطبيعيين، إذ أثبتت الإحصاءات الجراحية لهؤلاء المرضى بعد مرور فترة من الزمن على تغير جنسهم بتحسن نوعية نمط الحياة لديهم، وخاصة صحتهم الجسدية وصحتهم النفسية بصورة خاصة، مع تحسن ملحوظ في علاقتهم الاجتماعية .السينما المغربية بدورها حاولت تعرية واقع إخفاء الهوية الجنسية، من خلال أول عمل سينمائي طويل للمخرج محمد مفتكر. الفيلم الذي يحمل عنوان «البراق»، الذي يروي حكاية تتقارب بعض عناصرها مع ما رواه الطاهر بن جلون، إذ يحكي الشريط عن أب متسلط لم يرزق أطفالا ذكورا مما دفعه إلى أن يبرز ابنته الوحيدة (ريحانة) على أنها ذكر أطلق عليه من الأسماء (المهدي)، كما عمل على إخفاء ملامحها الأنثوية، وقام بتعليمها فنون ركوب الخيل والفروسية، ورفض بشدة أن تتوجه إلى المدرسة لطلب العلم، ذلك أنه كان يرى في توجهها للمدرسة فتحا لنافذة سيأتيه منها الكثير من الوجع، في مقدمته أن ابنته التي اتخذ منها ذكرا ستثور على الدور الذي لم تختر تقمصه.الحالة المرضية للأب لم تقتصر على إجبار ابنته على العيش في جلباب ولد، تلبية لرغبة مريضة دفعت الأب إلى معاندة القدر، بل شملت كذلك اقتراف جريمة نكراء تمثلت في إقدامه على اغتصاب ابنته وهو ما نجم عنه زنا محارم... محمد أرحمني

الفن والأدب يفضحان حقيقة الهوية الجنسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

هيرمافروديت... أسطورة خنثى

علوي: كل رجل تسكنهُ امرأة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات