ابن احمد..بلدة صغيرة تحتضن مشروعا عملاقا

مصنع اسمنت مجموعة "الضحى" كلف 2.5 مليار درهم وينتج 1.6 مليون طن سنويا من الاسمنت كان كل بناء قائم. وفي قلب الأراضي الشاسعة لبلدة ابن احمد، قام مشروع عملاق لإنتاج الإسمنت. 500 هكتار هي مساحة وحدة صناعية لإنتاج مادة حيوية لقطاع العقار الذي صار ينمو بوتيرة سريعة جدا. المسلك المؤدي إلى مقر المصنع ضيق، بالكاد يسع عربة واحدة في كل اتجاه، واجتاحته الكثير من الحفر. السيارة التي كانت تنقلنا إلى هناك لا تتوقف عن الاهتزاز من كثرة الحفر. في الأفق يطل برجان ضخمان من الاسمنت، توسطا المصنع الذي صار عمره اليوم عاما وسبعة أشهر، وإلى جانبهما أنابيب عملاقة من الألومينيوم تنتصب بشكل عمودي وتتداخل مع بعضها.ورود وأزهارعند مدخل المصنع يقف عنصر أمن بقميصه الأبيض ذو الاكمام القصيرة. الرجل ينظم حركة سير الزوار والضيوف الوافدين والمغادرين للمصنع ويتحقق من الهويات. على جنبات الطريق المعبد المؤدي إلى داخل المصنع تنتشر حقول خضراء بها أعشاب وأزهار ذات ألوان زاهية. لا يتوقف أنبوب أسود عن مد الحقول الخضراء بمنبع الحياة.عشرات الشاحنات العملاقة متوقفة عند منطقة الشحن تنتظر دورها للتزود بأكياس الإسمنت. المصنع الذي أشرف الثلاثاء الماضي كل من رئيسه أنس الصفريوي، امبراطور العقار بالمملكة وصاحب مجموعة الضحى أكبر مجموعة تشتغل في مجال العقار، وأحمد الشامي، وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، على تدشينه سيمكن من انتاج 1.6 مليون طن من الإسمنت كل سنة. «CIMAT»، وهي التسمية التي أُطلقت على المصنع، وهي اختصار لاسمه «إسمنت الأطلس»، يقع ترابيا، بالضبط، وسط الجماعة الحضرية «لحلاف مزاب» دائرة ابن احمد، وقد اختار أصحابه إرساء أسسه في وسط منطقة غنية بالكلس. والاختيار أو دوافعه ليس اعتباطيين، فمادة الكلس تشكل 80 في المائة من العناصر الأولية التي تدخل في صناعة الإسمنت.آلات الكسر مساحة المصنع الشاسعة تضم كذلك مرافق أكثر شساعة. فالمحجر الذي يُستخرج منه الكلس يبدو وكأنه قرية مترامية الأطراف تحفها كتل صخرية وترابية ألوانها تتراوح بين الأبيض والأصفر. أما الفضاء الخاص بالسحق، أو «المكسِّر» Concasseur)) فإنه ضخم وعملاق له جوف لا يتوقف عن ابتلاع الصخور الكلسية التي تُسحق حتى تصير حصى تنقل إلى الفرن بعد أن يتم خلطه بمجموعة من المركبات الكيماوية التي تدخل بدورها في صناعة الإسمنت. «المكسِّر» يبتلع 1200 طن من صخور الكلس في الساعة..ولا يشبع. الفرن الذي يقوم بتذويب العناصر الأساسية التي تدخل في تركيبة المادة الإسمنتية يعمل بحرارة تثير الرهبة والقشعريرة في النفوس. 1400 درجة هي الحرارة التي يعمل بها الفرن حتى يستطيع تذويب الكلس والعناصر الكيماوية الأخرى. الفرن يعمل بأحد مستخرجات البترول وتسمى Coque de pétrole التي يتم استيرادها من الولايات المتحدة الأمريكية أو فنزويلا. المسحوق المحصل عليه ينقل إلى مخزن لا يقل ضخامة عن المرافق الأخرى سعته خمسون ألف طن، حيث يتم تبريد المسحوق وإخضاعه لمجموعة من العمليات الفيزيائية لتخليصه من الغازات التي علقت به. توسع وطني ودوليصاحب المشروع أكد في رده على أسئلة الوفد الإعلامي الذي حضر التدشين أن مصنع ابن احمد ما هو إلا الجزء الأول من وحدتين صناعيتين لتصنيع الإسمنت، إذ أن الثانية سيكون مقرها بمدينة بني ملال، حيث سيتم افتتاحها في أواسط دجنبر المقبل والتي كلفت بدورها 2.5 مليار درهم. الصفريوي لم يكتف بذلك، بل أكد أنه كرئيس للمصنع ينوي الانفتاح على الخارج، خاصة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.وفعلا فقد تم إبرام اتفاقية مع السلطات الإيفوارية لفتح فرع تابع للمجموعة بأبيدجان، كما أن لائحة توسيع أنشطة المصنع تضم كذلك خمسة بلدان إفريقية أخرى. الصفريوي أبرز كذلك أن المصنع أبرم اتفاقيات مع المكتب الوطني للسكك الحديدية لتسهيل عملية نقل المنتج الإسمنتي النهائي إلى أهم مراكز استهلاكه خاصة بين محوري البيضاء والرباط، ذلك أن الدار البيضاء لوحدها تستهلك حوالي 15 في المائة من الانتاج الوطني من مادة الإسمنت.الوزير الشامي رأى في هذه المبادرة فرصة للرفع من الطاقة الإنتاجية للمملكة من مادة الاسمنت، إذ قال «نحن كحكومة نشجع دخول الصفريوي لهذا القطاع واهتمامه به خاصة في منطقة ابن احمد»، واعتبر كذلك، في مداخلته أمام ممثلي وسائل الإعلام خلال الزيارة التي نُظمت الثلاثاء الماضي، أن هذا المصنع «سيمكن من خلق الثروات بالمنطقة». الشامي تعهد كذلك «بمواصلة دعم الحكومة لظهور وحدات جديدة حتى ينعكس ذلك على الأسعار التي سيقتني بها المستهلك في نهاية المطاف مادة الإسمنت»، وتندرج الخطوة في سياق إعطاء دفعة للشركات الوطنية للاستثمار في هذا القطاع، بعدما ظلت تحتكره شركات دولية. وقال الشامي إن «الحكومة ترحب بظهور منافس جديد لهذه الشركات ونشجع على مثل هذه الاستثمارات». وزير الصناعة والتجارة أكد كذلك أن الوزارة تدرس مشاريع أخرى في قطاع الإسمنت، موضحا أن الغاية تبقى هي العمل على تخفيض أسعار الاسمنت في السوق الوطنية إلى أقصى حد ممكن. هواجس بيئيةمن يرى هذا المشروع العملاق وكمية إنتاجه والمواد المستعملة في تحويل المادة الأولية، لابد وأن يتبادر إلى ذهنه السؤال حول الاحتياطات التي تم اتخاذها لحماية البيئة؟ محمد الناصري، مدير الاستغلال بالمصنع الجديد أكد، في الشروحات التي قدمها للوفد الإعلامي والوفد الرسمي، أن «إسمنت أطلس» التزمت منذ مرحلة دراسة الآثار البيئية لوحدتيها الصناعيتين باحترام المعايير الأكثر صرامة على مستوى حماية البيئة عبر مختلف مكوناتها (الهواء، الماء، التربة، الموارد الطبيعية والمنظر العام).فالبنسبة لحماية الهواء يعتمد المصنع تجهيزات تكنولوجية متطورة لتحصين البيئة. فالمداخن التي تم تثبيتها في مصنعي الانتاج بابن احمد وبني ملال تم تجهيزها بمصاف ذات كفاءة عالية لتقليص الانبعاثات الغازية. وحصر المصنع معدل هذه الانبعاثات في 20 ميليغرام في كل متر مكعب، وهو معدل أقل بكثير عن المعدل المنصوص عليه في القانون المغربي والذي حدده في 50 مليغرام.كما يقوم المشرفون على المصنع بمراقبة دقيقة وصارمة للمواد التي تدخل في صناعة الإسمنت وكذلك الوقود المستعمل يخضع لمراقبة دقيقة، وعلاوة على كل ذلك فإن مداخن أفران المصنعين تم تجهيزها بوسائل تعمل باستمرار على قياس الانبعاثات الغازية.أما جهود «إسمنت المغرب» لحماية الماء فتتصدرها تقنية تصفية الغبار بمصفاة واحدة، إذ ستمكن هذه التقنية من الاستغناء كليا عن استعمال الماء في تبريد غازات الفرن، كما أن المياه المستعملة في أي محطة من الانتاج يعاد استخدامها من جديد عن طريق عملية إعادة التدوير، وهو ما ينعكس إيجابا على كمية المياه المستهلكة بحيث تنخفض إلى حوالي 31 لترا لكل طن من الإسمنت.عيون أصحاب المصنع هي كذلك على الموارد المائية الجوفية، إذ وضعوا نظاما لتوجيه تدفق مياه الأمطار خارج المصنع وكذلك صرف المياه السطحية داخل المصنع للحيلولة دون أي تلوث محتمل يطول المياه سواء السطحية أو الجوفية عن طريق الجسيمات أو بقع الزيت.أما كل ما من شأنه أن يعرض تربة ابن احمد الخصبة والمعطاء إلى أضرار وأخطار فإن «إسمنت اطلس» وضعت نظاما داخليا لتدبير النفايات، فضلا عن مطرح يخضع لمراقبة متواصلة داخل مصنعي الإنتاج. وهذه التقنية تمكن من تحديد كل النفايات الصادرة من الموقع والوجهة التي ستؤول إليها، وهي إما التدوير أو التخزين المراقب أو الحرق في الفرن. كما قام المشرفون على المصنع بتبليط أرضيته لتجنب تسرب المواد التي من شأنها الإضرار بالتربة.محمد أرحمني (موفد الصباح إلى ابن احمد)

ابن احمد..بلدة صغيرة تحتضن مشروعا عملاقا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أدوية "عادية" تتحول إلى سم قاتل

المجلس الانتقالي بليبيا يعترف بنظيره السوري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات