الربيع المغربي والتغييرات الديمقراطية

20 فبراير حركة شبابية سلمية تنادي بملكية برلمانية بدل تغيير النظام اتسم التاريخ السياسي الحديث للمغرب حتى التسعينات بجهود الملك الراحل الحسن الثاني لتعزيز الاستقرار والنظام الملكي والحوار مع زعماء المعارضة، مكافئا أولئك الذين يمكن التوافق معهم، وقامعا الذين يتشبثون بالمعارضة. وصف السياسيون والمؤرخون المغاربة والملاحظون الأجانب عهده الذي دام 39 عاما ب"سنوات الرصاص"، إذ عانى الآلاف من حالات التعذيب وسوء المعاملة. وورث الملك محمد السادس العرش في عام 1999 مع وعد بإجراء تغييرات و"فتح صفحة جديدة"، بعيدا عن الاستبداد والقهر اللذين سادا في الماضي.ومنذ فبراير 2011، شهد المغرب وما يزال حراكا اجتماعيا وسياسيا منقطع النظير تنادي من خلاله حركة 20 فبراير، المؤلفة من ناشطين حقوقيين ونقابيين وإسلاميين ، وخريجي الجامعات العاطلين والنشطاء الأمازيغ، إلى العدالة الاجتماعية والديمقراطية ومكافحة الفساد. وتأثرت الحركة بالإستراتيجيات والتكتيكات المستعملة من طرف الشباب العرب المتظاهرين والمحتجين في مصر وتونس بشكل خاص. وقد استغلت وسائل الإعلام الاجتماعية، بما في ذلك الفيسبوك وتويتر ويوتوب، والعديد من مصادر المعلومات على الانترنت للاتصال بالناشطين الشباب في مختلف أنحاء البلاد. ومنذ فبراير استطاعت الحركة حشد أكثر من 110 ألف متظاهر عبر المغرب.واستجابة لمطالبهم، دعا الخطاب الملكي في 9 مارس الماضي ، إلى الفصل بين السلط، بما في ذلك نظام قضائي مستقل، واللامركزية والجهوية المتقدمة والحكم الرشيد، وسلسلة من الإصلاحات التي يمكن أن تعزز الحريات الفردية، وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. كما دعا الملك إلى الاعتراف باللغة الأمازيغية في الدستور لتصبح لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية لأول مرة في تاريخ المغرب.وتعتبر حركة 20 فبراير حركة شبابية سلمية تنادي بملكية برلمانية، بدلا من تغيير النظام لأسباب متعددة، منها أولا أن النظام الملكي متجذر في التاريخ الثقافي للمغرب، ويتمتع بالشرعية التاريخية والشعبية المعروفة، حيث أن المغرب لم يعرف أي نظام سياسي آخر منذ زمن سحيق. وحتى في عهد الحماية الفرنسية، تشبث الشعب المغربي والراحل محمد الخامس بالعرش الملكي، وبعد فترة وجيزة من المنفى عاد السلطان محمد الخامس بوصفه محررا للبلاد.واليوم تتشبث الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي بتأسيس النظام الملكي الدستوري الذي من شأنه ضمان تحقيق التنمية والسلام والعدالة الاجتماعية والكرامة والوحدة.والسبب الثاني لاعتدال وسلمية الربيع المغربي، هو أن الملك محمد السادس (48 عاما)، ظل فى السلطة لمدة 12 سنة، وهي نسبة أقل بالمقارنة مع الطغاة الذين حكموا الدول العربية الأخرى بيد من حديد لمدة طويلة جدا كما في تونس ومصر وليبيا واليمن.ولكن السبب الأكثر أهمية هو أنه منذ تولي الملك محمد السادس السلطة، وهو يقوم بالعديد من الإصلاحات الملموسة على نحو فعال، نذكر منها إصلاح قانون الأسرة، الذي أنصف المرأة وحافظ على كرامة الرجل وتضامن الأسرة. كما أنشأ هيأة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 لتوثيق الحالات الخطيرة من حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي خلال سنوات الرصاص وتسديد تعويضات هامة لكل الضحايا وعائلاتهم. كما يقوم برعاية وتنظيم عدة مشاريع اجتماعية ضخمة اكتسبت شهرة وشعبية كبرى منها على وجه الخصوص المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.وفي الوقت الذي قمعت الثورات بالقوة والدمار في العديد من البلدان العربية، فإن المغرب اتخذ مقاربة حضارية ترتكز على الحوار والتواصل مع الاحتجاجات الشبابية. وبعد أشهر من المحادثات بين الناشطين المغاربة من مختلف الاتجاهات في المجتمع المدني والأحزاب السياسية، تمت الموافقة على الدستور الجديد في 1 يوليو من قبل غالبية الشعب المغربي، هذا الدستور الذي يطمح أن يرتقي بالنظام السياسي المغربي إلى ملكية دستورية برلمانية. وهكذا، فإن الثورة لا يجب أن تكون بالضرورة عنيفة لإحداث التغيير.ومن السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح إصلاح المجال السياسي المغربي، ولكن هذه الإصلاحات حقا خطوة في المسار المعقد والطويل للعملية الديمقراطية. وتشكل هذه الإصلاحات الاجتماعية والسياسية «تقدما كبيرا نحو تحقيق حكومة تمثيلية فعالة»، كما ورد في برقية تهنئة من الكونغرس الأمريكى إلى جلالة الملك المؤرخة في 4 غشت 2011. وحسب الدستور الجديد، فإن الملك يعين رئيس الحكومة من حزب الأغلبية والذي بدوره يقترح أعضاء الحكومة على الملك مع ضمان تمثيل المواطنين على جميع المستويات، خصوصا أن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان. كما يضمن الدستور الحريات الفردية والعامة والمساواة بين الجنسين وحقوق الطفل وحقوق الأقليات والمعوقين. ويعتبر الملاحظون أن هذه التغييرات في تركيبة الحكم خطوة مهمة لمعالجة التطلعات السياسية والاجتماعية للشعب المغربي.ويعتقد المعارضون داخل حركة 20 فبراير أن هذه الإصلاحات محدودة ، لكن وفقا لكثير من المثقفين والأحزاب بما فيها حزب العدالة والتنمية المعارض، فإن الدستور الجديد ستكون لها نتائج إيجابية، باعتبار أن استقلالية القضاء ستساهم في محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين الحكوميين ومساءلتهم إن اتخذوا إجراءات أو قرارات تخالف القانون. ومن المهم أيضا أن الدستور الجديد يضمن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وحرية التعبير.ولتحقيق ذلك، ينبغي لهذه الإصلاحات أن تنفذ على ارض الواقع على وجه السرعة، وأن تحفز الشباب على المشاركة السياسية والمساهمة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ولكن على الأحزاب السياسية أن تفتح الأبواب للشباب لتجديد نخبها لتصبح أكثر مصداقية وأكثر تنظيما. وإضافة إلى ذلك، فإن التحدي الخطير في المستقبل هو النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للحد من البطالة ومكافحة الفقر والفساد، وتغيير عقليات الحاكمين والمحكومين، وإعادة النظر في الخدمات الاجتماعيات، سيما التعليم والصحة.وإذا تم تطبيق الدستور الجديد تطبيقا سليما، فسيمكن للمغرب أن يصبح في المدى الطويل نموذجا يقتدى به للتغيير الإيجابي، على عكس النماذج الديكتاتورية الموجودة على الساحة العربية. موحى الناجي

الربيع المغربي والتغييرات الديمقراطية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرهانات الإستراتيجية للحراك العربي

البيضاء... إلدورادو الأفارقة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات