السرطـان …الكلـفـة البـاهظـة

الكلفة الاجتماعية لمرض السرطان أكبر بكثير من كلفته المالية. خلاصة يمكن استخلاصها من تجارب مواطنين يعانون هذا المرض أو ظهرت عليهم لفترة أعراض المرض قبل أن تفند ذلك التحاليل الطبية. قصة عائشة وجارتها خديجة تعطي صورة دقيقة عن هذه الكلفة، فإن كانت عائشة اصطلت بنار الخوف من الإصابة بسرطان الثدي، بعد إصابتها بالتهاب حاد، اعتقدت في البداية أنه سرطان، كما تجهمت وجوه كل الأطباء المتخصصين الذين زارتهم في البداية، دون أن يستطيع أحدهم الجزم بإصابتها بهذا الداء أو العكس، وربطوا جميعا الجواب بما ستحمله نتائج التحاليل الطبية، فإن خديجة أجرت عملية جراحية لاستئصال الثدي وعاشت سنتين أخريين معتقدة أن الكابوس انتهى قبل أن يأتيها الموت متنكرا ويخطفها بسرعة لم تنافسها سرعة العلاج الكيميائي، لتخلف وراءها طفلا وزوجا متنقلا بحكم عمله من مدينة إلى أخرى، قبل أن يتنقل الطفل بين بيت عمته وجارة والدته وأسر أخرى، كل من يهتم في البداية بتربيته، سرعان ما يتخلى عنه. "كنت دائما أرتعب من مجرد ذكر هذا المرض، خاصة بعد وفاة جارتي المفاجئة، وهي التي أعطتني أملا بعد شفائها لمدة سنتين، ثم انهارت في بضعة أيام، لكن رغم ذلك لم يستبد بي رعب أكثر من ذلك الذي شعرت به حين أصبت بالتهاب في الثدي كانت درجته خطيرة، إلى الحد الذي اعتقد فيه ثلاثة أطباء زرتهم أن هناك احتمالا كبيرا بإصابتي بهذا الداء"، تسجل عائشة، قبل أن تضيف أن حياة الأسرة انقلبت رأسا على عقب، "قبل أن تظهر نتائج التحاليل الطبية، حسمت أمري واستجمعت قواي رغم أني انهرت تماما، لأوصي أبنائي بضرورة العيش مع خالتهم وليس مع زوجة الأب المستقبلية بعد وفاتي، كما كنت أوصي الأكبر منهم بالعناية بإخوته الصغار، فيما كان باقي أفراد العائلة يفكرون أيضا في ما بعد الوفاة وتشتت أسرتي". كلها هواجس ومخاوف خطفت النوم من عيني عائشة ليل نهار، إذ لم تكن تقضي لحظة دون أن تفكر في أسرتها، "حتى التفاصيل التي كنت لا أنظر إليها طويلا في بيتي، أصبحت مهمة بالنسبة إلي، أصغر الأشياء والأمتعة والجدران، تغيرت نظرتي إلى كل شيء، الحياة أصبحت ذات معنى ولون آخر". لم تتحمل عائشة وحدها الكلفة النفسية لصدمة احتمال إصابتها بالسرطان، خاصة أنها رأت في عيون أطبائها نسبة شبه مؤكدة بالإصابة، "لاحظت رد الفعل نفسه على وجوههم وهم يشخصون حالتي، وتزداد وجوههم تجهما حين يعلمون أني أم لثلاثة أطفال، وأن إحداهن تحتاج إلى عناية خاصة مني نتيجة إصابتها بمرض مزمن"، تقول عائشة، التي لم تتبدد سحابة الخوف عن سماء حياتها إلا بظهور النتائج، "حين نظر طبيبي الأول إلى نتائج التحاليل علت وجهه ابتسامة عريضة، وقال "على سلامتك"، ورغم أني شعرت بفرح كبير إلى درجة البكاء، فإني حملت النتائج إلى طبيبي الثاني لأزداد تأكدا، إذ كان خوفي الشديد هو ما جعلني أزور ثلاثة أطباء متخصصين".الخوف الذي غير حياة عائشة وجعلها تعيد ترتيب أوليات حياتها من جديد، اختفى من حياة خديجة بعد أن أجرت عملية جراحية لاستئصال الثدي، فعاشت سنتين دون أن تشعر بأعراض المرض من جديد، وأكبر أخطاء خديجة التي آمنت بحتمية البتر، ونجاح العملية الجراحية، هي عدم مواظبتها على زيارة الطبيب المشرف على حالتها بعد شفائها، بل استسلمت للطمأنينة، واعتقدت أن شبح المرض غادر دائرتها، "كانت كلما زارت طبيب الحي يؤكد أن الألم الذي باغتها فجأة في ذراعها عاد، وأن عليها تناول بضعة فيتامينات، فلو عادت إلى زيارة طبيبها الأول لما تطورت حالتها لتصبح قاتلة". انشغلت خديجة بحياة الأمومة، واطمأنت إلى تشخيص طبيب عام في الحي، إلى أن أقعدها المرض، "نقلت إلى عيادة طبيبة في الدار البيضاء، وما أن شخصت حالتها، حتى أمرت بنقلها على الفور إلى المستشفى حيث لم يعد لها إلا أمل ضعيف جدا، ولم تمر إلا أيام قليلة حتى أسلمت الروح تاركة وراءها طفلها الصغير، الذي عاش متنقلا بين البيوت، خاصة أن طبيعة عمل والده لم تكن تسمح بالاستقرار تحت سقف واحد" تقول عائشة جارة خديجة.طبقا لمنظمة الصحة العالمية يصاب ما بين 30 و 45 ألف شخص سنويا في المغرب بمرض السرطان، 36 في المائة منهم نساء يصبن بسرطان الثدي. وإن كان مرض السرطان الناتج عن التدخين يمثل السبب الأول للوفيات، إذ يشكل نسبة 30 في المائة من نسبة الوفيات فإن عدة أسباب الأخرى للإصابة بالداء بعض السلوكات المرتبطة بالتغذية والبيئة والتي تمثل أيضا 30 في المائة من نسبة الإصابات، إلى جانب أسباب هرمونية وجينية .وأكد أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي تبلغ 36 في المائة، وعنق الرحم 13 في المائة عند الإناث، وسرطان الرئة 26 في المائة، والبروستات 8 في المائة عند الذكور، وحسب المتخصصين فإن 40 في المائة من مجموع الإصابات يمكن تفاديها فقط بتغيير السلوك. ضحى زين الدين

السرطـان …الكلـفـة البـاهظـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الدولة ترمي مرضى القصور الكلوي إلى الخواص

أزيد من 80 ألف مغربي مصابون بالزهايمر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات