عين الذئاب..حين تتحرش الفتيات بالرجال

سلاحهن الجمال والأناقة وقليل من الجرأة وكثير من الثقة في النفس أشعة الشمس توارت إلى خلف سحب المساء الداكنة اللون، ولم يتبق منها إلا لون الشفق المتراوح بين الأحمر القاني والبرتقالي. أمواج شاطئ عين الذئاب تنفث سحبا كثيفة من الضباب البارد. حركة السيارات بشارع الكورنيش قليلة هذا المساء (مساء يوم الأربعاء الماضي) لكنها لا تتوقف. المارة والمتجولون أعدادهم قليلة أيضا... شاب وشابة يجلسان على مقعد من المقاعد الإسمنتية المنتشرة بكثرة على طول شارع الكورنيش. يتطلعان إلى أمواج الأطلنتي، التي لم يعد يظهر منها سوى زبدها الأبيض ويصل إلى مسامع المارة خريرها الصاخب. بين الحين والآخر يضمها إليها يخطف من خدها قبلة ثم يواصلان حديثهما الضاحك. تسترعي حركة الشاب انتباه امرأتين كانتا مارتين بجوارهما تهرولان بزيهما الرياضي، تلتفت المرأتان بعينين محملقتين..ثم تواصلان هرولتهما. رتابة شارع الكورنيشجنبات مطعم الوجبات السريعة العالمي «ماكدونالدز» تبدو، على خلاف باقي فضاءات شارع الكورنيش هذا المساء، غاصة بالزبائن، أغلبهم أطفال برفقة أهاليهم، وبعض الفتيات وقليل من الشباب...يدلفون إلى داخل المطعم يتناولون وجباتهم ثم يغادرونه إلى جنبات الشوارع ..ولكل غايته.موسيقى «الركادة» الصاخبة تنبعث من أحد الملاهي التي لا يفصلها عن الشاطئ إلا شارع الكورنيش الذي مازالت حركة سيارته قليلة. ينتصب أمام باب الملهى أو العلبة الليلية «فيدوران» (أو حارسان) غليظان مفتولا العضلات وطويلا القامة يرصدان بعينيهما كل شاردة وواردة...تمر فتاتان بسروالي جينز ملتحمين بسيقانهما الطويلة وقطعتي قماش تحيطان بالجزء العلوي من جسديهما وتبرزان أثداءهما. الكعبان العاليان اللذان تنتعلان يزيدان قوامهما رشاقة.. تطلقان ضحكة عالية، بعد أن همست إحداهما في أذن الثانية، يتابع «الفيدوران» الفتاتين الضاحكتين بنظريهما حتى تبتعدان من أمام الملهى.شارع الكورنيش، وهو من أكثر شوارع عين الذئاب أناقة وأقلها ضجيجا ونادرا ما تحدث به ازدحامات مرورية، بدأت تدب فيه الحركة عندما دنت عقارب الساعة من الثامنة ليلا. درجات نارية فاخرة، سيارات فارهة...وحتى بعض الفتيات اللائي غزون هذا المجال المليء بالفضاءات الترفيهية. الفتيات أغلبهن اكتسين حللا تدغدغ كثيرا غرائز وأحاسيس الكثيرين الذين بدورهم جاؤوا إلى هنا لإشباع عطش جنسي ربما يعود إلى أسابيع خلت. ثلاثة شباب يطاردون فتاتين لم تعيراهم اهتماما...المغازلات والكلمات الرقيقة تتحول بفعل الصد إلى كلام جارح وحاط من القيمة...كراسي وطاولات الكثير من المقاهي والمطاعم والملاهي والحانات مازالت شاغرة. نشاط هذه الأماكن لا يرتفع إلا في أيام نهاية الأسبوع أو في العطل، أما غالبية أيام الأسبوع فتمر كئيبة كما هو حال أيام هذه الفترة من فصل الخريف.لا ترميهما بالباطلعلى الكراسي الخارجية لأحد المطاعم تجلس فتاتان في ربيعهما العشرين على أقصى تقدير. مظهر الفتاتين جميل أنيق وجذاب. ماكياج خفيف. شفاه مصبوغة بأحمر خفيف اللون. حواجب مشذبة الأطراف، رموش منمقة. شعر مصفوف بعناية كبيرة جدا. لون بشرتيهما مختلف. واحدة بشرتها بيضاء تشع من قوة ضوء أحد مصابيح المطعم، الثانية بشرتها مائلة إلى السمرة، كتلك التي لبعض اللاتينيات...الفتاتان منهمكتان في دردشة خفيفة لا تُسمع إلا أنصاف بعض كلماتها. بين الفينة والأخرى ابتسامات تزيدانهما جمالا وجاذبية. تصرفاتهما وطريقة جلستهما ونظراتهما ومظهرهما الأنيق لا يدع مجالا لخيال المرء ليجنح ويرميهما بباطل «تعاطي بيع الهوى». فوق الطاولة التي جلستا إليها كأس عصير برتقال أمام الفتاة ذات البشرة السمراء، مازال ممتلئا إلى حدود النصف، وفنجان قهوة ترشف منه الحسناء ذات البشرة الناصعة البياض برشاقة تزيدها حلاوة ورقة.أحد نادلي المطعم يرميهما، في طريق عودته من خدمة أحد الزبائن، بابتسامة خاطفة ويسألهما إن كانتا بحاجة إلى أي شيء، تجيبانه بالنفي وعلى ثغريهما ابتسامتان فاتنتان، ثم يتركهما ويواصل طريقه إلى داخل مبنى المطعم...زبائن المطعم قليلون جدا، بالكاد يشغلون أربع أو خمس موائد. رجل وزوجته وطفلهما على مائدة بأحد الأركان القصية. رجل يبدو في الثلاثينات من عمره يتناول طعام عشائه فوق مائدة غير بعيد عن الزوجين وطفليهما، وآخر رفقة صديقه فرغا لتوهما من تناول عشائهما ودفعا للنادل وهَمَّا بالمغادرة...الرجل الأنيقتتطلع صاحبة البشرة البيضاء الناصعة إلى ساعة مذهبة الأطراف تحيط بمعصمها الأيسر. عقارب الساعة الآن تشير إلى العاشرة والدقيقة الثالثة والعشرين. تتوقف أمام المطعم سيارة رباعية الدفع فخمة من طراز «بي. إم. دوبلفي» التي أطلق عليها مصنعوها الألمان اسم «تْوارِكْ» نسبة إلى قبائل الطوارق بمالي، ذات لون أسود. يترجل منها رجل في حوالي الأربعين من عمره.الرجل أناقته لا تخطئها العين. بذلة سوداء، تحتها قميص أبيض، تحيط بياقته ربطة عنق حمراء اللون. حذاؤه الأسود يلمع بشدة. يتخذ له مجلسا بإحدى الطاولات غير بعيد عن الفتاتين. يتناول الورقة التي عليها قائمة ما يقدمه المطعم من مأكولات ...يتمعن فيها قليلا ثم يشير إلى نادلة تتقدم صوبه على عجل، تنحني قليلا، والابتسامة لا تفارق وجهها الجميل، تصغي إلى طلب الرجل ثم تتوجه إلى داخل المطعم لتقدم طلبيته... يلقي نظرة متأنية على ما حوله. ملامح وجهه صارمة توحي بثقة كبيرة في النفس. ينهمك الرجل في تصفح هاتفه المسطح الذي يشتغل بتقنية اللمس. ربما لم ينتبه إلى أن تصرفات فتاتين تجلسان بمائدة غير بعيدة عنه تغيرت منذ حلوله، وأن نظراتهما أصبحت مسلطة عليه بشكل كبير. الفتاتان لا ترسلان النظرات لوحدها بل تشفعانها بابتسامات حلوة فيها الكثير من الإغراء والدلال.يرفع الرجل الأنيق عينيه عن شاشة هاتفه المحمول فتصادفان نظرات الفتاة ذات البشرة البيضاء الناصعة، ترميه بابتسامة يتردد قليلا ثم يبادلها إياها. الرجل يبتسم باستحياء والخجل باد على محياه، لكن الجرأة الطارئة على الفتاة لم تترك له مجالا للخجل، إذ صارت ترسل صوبه أكثر من ابتسامة... تعود النادلة فتقطع على ذات البشرة البيضاء ابتساماتها المرسلة. يشرع الرجل في تناول طبق السلطة الذي أحضرته النادلة، وبين الحين والآخر يرفع نظره صوب الفتاة التي مازالت تقذفه بنظراتها وابتساماتها. بعد حوالي خمس دقائق تعود النادلة لتسحب طبق السلطة وتضع مكانه طبقا عليه شريحة لحم مازال بخارها متصاعدا..يغادر.. فتتبعهبيضاء البشرة انشغلت عن صاحبتها بالشخص الجالس على بعد أربعة أو خمسة أمتار. عيناها لا تفارقه والابتسامة لا تفارق ثغرها الجميل. صارت ترفق ابتساماتها بحركة إيجاب من رأسها، كأنها تقول نعم لشيء لا تدركه إلا هي وربما الشخص إياه...يَفرَغ الرجل من طبق شريحة اللحم، ثم يتناول منديلا ورقيا يمسح به يديه وفمه. يشير على النادلة. يسحب حافظة نقوده يستل منها ورقة من فئة مائتي درهم يمدها للنادلة. تتوجه إلى الداخل وتعود لتسلمه الباقي. يلقي عليه نظرة ثم يمد لها يده وبها بعض القطع النقدية. يبادل الفتاة بيضاء البشرة الابتسامة ويحرك هو أيضا رأسه إيجابا وكأنه التقط رسالتها...يغادر المطعم. تلتفت الفتاة إلى صاحبتها ذات البشرة السمراء ترميها بقبلتين على خديها وتتناول حقيبتها اليدوية وتتوجه صوب السيارة السوداء رباعية الدفع. تنطلق السيارة. تغادر وتترك خلفها الكثير من الأسئلة التي لا تصعب الإجابة عنها...أشير على النادل لأدفع له مقابل الوجبة التي طلبت، واستطلعه إن كان يعرف الفتاتين. يصمت ثم يبتسم. عندما أكرر السؤال يقول بصوت خفيض إنهما «صارتا مشهورتين في المطعم الذي أشتغل به، إذ تلجآن للطريقة نفسها في كل مرة للإيقاع بأشخاص معينين...وغالبا ما تنجحان أو على الأقل إحداهما». محمد أرحمني

عين الذئاب..حين تتحرش الفتيات بالرجال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مضيفة "ماساج" في أوقات الفراغ

الاستقلالية...ضوابط متغيرة بين الفتيات

مقالات ذات صلة