المذاهب الفقهية لا تمثل مدارس فكرية

نقد الفكر الفقهي(1) يعتبر أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية والفقيه القانوني، من بين المفكرين الذي جمعوا ما بين نظريات القانون الوضعي ومبادئه وأصول الفقه الشرعي، له سلسلة من وجهات النظر التي تناول فيها عددا من القضايا المعاصرة المطروحة على الفكر الفقهي. ويطرح المفكر المخضرم العديد من الأسئلة، المحرجة في بعض الأحيان، حول أسباب جمود الفقهي وتعليق الاجتهاد، ويتساءل في بعض وجهات نظره لماذا يشتغل الآلاف بدراسة أصول الفقه ولا ينتجون فقها، ولماذا لا يهتم دارسو الفقه الإسلامي والباحثون فيه بوقائع الحياة كما يعيشها الناس ويساهمون في تحليل عناصرها واقتراح الحلول الملائمة لها؟ تحاول "الصباح" في حوار مع المفكر أحمد الخمليشي، سينشر عبر حلقات، تقديم أهم ما جاء في نقده للفكر الفقهي. أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي اختلافها ليس نتاج تباين في الأفكار < هل للفقه الإسلامي مدارس متعددة، وماهي هذه المدارس؟ < وجود ما نسميه المذاهب الفقهية لا يعبر، في رأيي الشخصي، عن مدارس مختلفة، لأن المدرسة معناها وجود مبادئ ولغة متميزة لصاحب المدرسة تفصله عن آراء الآخرين وعن المبادئ التي تقوم عليها أفكارهم. ونستند في ذلك، أولا، إلى أن مصطلح "المذهب" نشأ في وقت متأخر عن وفاة من تنسب إليهم هذه المذاهب، وهي في مضمونها ليست قائمة على مبادئ متباينة حتى يمكن أن نطلق عليها مصطلح المدارس الفكرية مثل الذي نجدها في مدارس الفقه المدني أو الفقه الجنائي الحديثين. وثانيا، من تنسب إليهم هذه المذاهب لم يكونوا في كتاباتهم وفتاواهم ينطلق كل واحد منهم من تأسيس رؤية خاصة به في تفسير نصوص الشريعة، بل إن المبادئ العامة لهذا التفسير مشتركة بينهم جميعا، إضافة إلى أنهم كانوا في فتاواهم وآرائهم يركزون على الرواية عمن سبقهم، أي إنهم بدورهم قلدوا من سبقوهم ولم يكونوا مؤسسين لكل الآراء التي قالوا بها. وهكذا، فإن وجود مبادئ مشتركة بينهم في تفسير النصوص واعتمادهم في كثير من الحالات على رواية الآراء السابقة يؤكدان أن ما أفتى به كل صاحب مذهب، لم يكن مدرسة بالمفهوم الاصطلاحي لهذه الكلمة. < لكن ألم يكن لكل مؤسس مذهب قواعد خاصة به لتحديد مفهوم النصوص الجزئية التي تحمل أكثر من دلالة؟ < هذه المسألة تمثل، أيضا، وجها من الأوجه التي تؤكد على أن المذاهب الفقهية لا تمثل مدارس فكرية بالمفهوم الاصطلاحي لكلمة مدرسة، إذ أن ما وردت به نصوص جزئية تحتمل أكثر من دلالة في الكتاب أو السنة لم يلتزم كل واحد من هؤلاء المؤسسين للمذاهب بالدلالة نفسها في كل النصوص، مثل دلالة صيغة الأمر، فلم يلتزم أحد منهم بأن الأمر للوجوب دائما أو أنه للندب وهذا واقع لا يحتاج إلى استدلال، وهناك عدد من الأمثلة التي تجعل موقف مؤسسي المذهب من المصطلح نفسه يختلف بين واقعة وأخرى، مثل التقييد بالصفة أو بأدوات الحصر، إذ أحيانا يتمسك بها المجتهد أو مؤسس المذهب ولا يعمل بها في أحيان أخرى، فالأمر مرتبط بالجزئيات وما يحيط بالقضية من ملابسات وليس بموقف صارم ومبدئي من أدوات التفسير والاستدلال. < ما سبب الاختلاف في الوقائع التي لم ترد فيها نصوص جزئية واستنبطت أحكامها من نصوص عامة؟ < هذا من ضمن الأوجه، أيضا، التي تسند القول إن المذاهب ليست مدارس فقهية، فبالنسبة إلى الوقائع التي لم ترد فيها نصوص جزئية، واستنبطت أحكامها من النصوص العامة وقيمها، مثل العدل والمساواة إلى غير ذلك من المبادئ العليا، كان سبب الاختلاف بشأنها راجعا إلى التفاوت في تقدير مفهوم المصلحة، مثلا، أو العدل أو الظلم أو التيسير أو ما إلى ذلك من المبادئ، ولم يكن هناك تفسير محدد للعدل لدى أحد الأئمة في جميع الجزئيات التي طبق فيها هذا المبدأ، وبعبارة أخرى الوصول إلى الحكم المستند فيه إلى المبادئ العامة للشريعة، لم يكن تابعا للمفهوم الخاص للمبدأ لدى صاحب المذهب. لكن مع القول ـ في نظري ـ بصعوبة وصف المذاهب الفقهية بالمدارس التي تتميز كل واحدة منها بمبادئها الفكرية الخاصة بها ـ فإنه لا أحد ينكر وجود الاختلاف بين المذاهب الفقهية في كثير من الأحكام. وهذا الاختلاف يمكن إرجاعه إلى سببين اثنين. الأول يتعلق بالاختلاف الطبيعي بين الأشخاص في تقدير وقائع الحياة والسلوك. والثاني يتمثل في المحيط الاجتماعي والثقافي الذي عاش فيه من تنسب إليهم المذاهب الفقهية.

المذاهب الفقهية لا تمثل مدارس فكرية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قنوات مغربية خاصة تبث من الخارج

لا تضعوا ملابس السباحة في آلة الغسيل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات