مكتب القطارات ..على سككنا تعيشون كل المتاعب

تأخيرات قياسية وخدمات رديئة وعربات لم تتم صيانتها منذ دخلت الخدمة "مغليين لي بيي وزايدنها بالتعطال والزحام والصهد"، يعلق يوسف وهو واقف في فضاء ضيق يفصل بين عربيتين من عربات أحد قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية، ممسكا بقضيب حديدي مثبت عند مدخل العربة ويحمل في يده اليسرى حقيبة حاسوبه السوداء التي لا تفارقه طيلة الساعات والأيام التي يقطعها على متن قطارات مكتب السكك. يوسف واحد من آلاف المسافرين الذين يقطعون المسافة الفاصلة بين الرباط المدينة والبيضاء الميناء مرتين في اليوم وخمسة أيام في الأسبوع. "أستيقظ في السادسة والنصف صباحا لألحق قطار السابعة"، يضيف يوسف في دردشة مع "الصباح" خلال واحدة من الرحلات التي صارت بمثابة كوابيس للكثيرين والكثيرات.يوسف شاب في الثامنة والعشرين من عمره، يشتغل مهندسا معلوماتيا بإحدى شركات القطاع الخاص الموجودة بشارع الزرقطوني، الذي يصنف على أنه من شوارع الميتروبول الأكثر فخامة ونظاما.تأخرات متكررةلا يبدأ دوام عمله إلا في التاسعة صباحا، ومع ذلك فهو "مضطر" إلى اللحاق بقطار الساعة السابعة. "أحرم نفسي من ساعة نوم هانئ لأصل إلى العمل مبكرا، حتى قبل زملائي الذي يقيمون في الدار البيضاء، تحسبا لأي طارئ" يشرح يوسف وفي نبرة صوته بحة من استيقظ لتوه من نوم عميق لم يكتمل. يحول حقيبة حاسوبه السوداء إلى اليد اليمنى ويمسك بشماله في القضيب، الذي يستخدم في تيسير هبوط أو صعود المسافرين، والذي صار شديد الاهتزاز وبحاجة إلى تثبيت براغيه. الطوارئ التي يتحدث عنها يوسف كثيرة الحدوث على خطوط قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية. "ليس أولها ولا آخرها التأخيرات المتكررة"، يضيف المهندس الشاب وهو يزم شفتيه تبرما وحسرة. يروي يوسف أنه صار يضحي بساعة من النوم ليصل قبل الكثير من زملائه إلى مقر العمل بسبب "العقدة" التي خلقها عنده تأخر القطارات. "تلقيت لحد الساعة إنذارين لأن قطارات المكتب الوطني تأبى إلا أن تتشبث بخلاف التوقيت المعلن عنه في موقع المكتب على الإنترنت وفي المنشورات التي توزع على مستعمليه بمناسبة ومن غيرها"، يقول يوسف الذي مازالت علامات التبرم بادية علي محياه من شدة الاكتظاظ الذي صار عليه الفضاء الضيق بعد توقفه بمحطة تمارة قبل مواصلة المشوار صوب المحمدية وباقي محطتي الدار البيضاء."انتباه. القطار القادم من القنيطرة والمتوجه إلى تمارة المحمدية ...سيتأخر عن موعده بنصف ساعة..." هذا كل ما يكلف القائمون على شؤون المكتب أنفسهم عناء تبليغه "لزبناء قطارات المكتب الكرام"، في حال حدوث أي تأخر، عبر مكبرات صوت مبثوثة في أرجاء كل محطة. الكلمات إياها تأتي على أجنحة صوت أنثوي رقيق وعذب "هو ربما أجمل خدمة يقدمها المكتب"، يعلق يوسف. وليس الأمر بالبعيد، ففي الأسبوع الأخير من شهر غشت الماضي تأخر قطار رابط بين مدينة القنيطرة والدار البيضاء، في الفترة الصباحية، لما يزيد عن الثلاث ساعات.الكثيرون يومها تأخروا عن عملهم، ولم يكن من موظفي المكتب إلا أن أشاروا على الذين تأخروا بالتوجه إلى أحد شبابيك المحطات التي سيترجلون بها وطلب "تبرير تأخير". قطعة ورق "تحمل المكتب مسؤولية التأخر"، لكنها ربما لم تنفع عددا من الذين تخلفوا عن الحضور إلى مقرات عملهم في الوقت المناسب في تجنب "الإنذارات" و"التوبيخات" و"الاستفسارات" ...وربما حتى خصم الساعات التي تأخروا فيها عن عملهم.إدارة المكتب الوطني بررت يومها هذا التأخر بـ"سرقة أسلاك كهربائية على الخط الرابط بين القنيطرة وسيدي الطيبي". "ولماذا لا يعتمدون إجراءات للطوارئ ما دامت مثل هذه الحوادث واردة؟"، يتساءل يوسف. "لماذا لا يضعون حافلات للتدخل في حال وقوع حالات طوارئ"، يقترح، "وقبل كل ذلك لماذا لا يتم تعويض ضحايا هذه التاخيرات المتكررة" يقول متسائلا بنبرة مستنكرة. وفي هذه الفترة من كل سنة، والتي تتزامن مع نهاية العطلة الصيفية وبداية الدخول المدرسي والجامعي، يشتد الضغط على كل وسائل النقل تقريبا، لكن الضغط والفوضى اللذين تعيشهما محطات قطارات المكتب يكونان أشد وطأة. معاناة لابد منهافخطوط القطارات السريعة التي استحدثت لأجل استيعاب عدد الموظفين الذي يداومون على استعمال القطارات الرابطة بين القنيطرة شمالا والدار البيضاء جنوبا، أصبحت جنباتها تكتظ بحقائب السفر من مختلف الأحجام. "تقريبا النصف يسافر واقفا" يقول يوسف، في مشهد يذكر بحافلات الدار البيضاء التي تمتلئ حتى تطل الرؤوس من النوافذ ومنافذ الإغاثة ...ويكسر زجاج النوافذ لحصول على أنفاس من الأوكسجين. أشكال المعاناة، إذا جردها يوسف، فإنها لن تتوقف عند التأخير في مواعيد الوصول أو الانطلاق، بل إنها ستشمل كذلك تعطل أجهزة التكييف. فمع ربطة العنق والبذلة الداكنة اللون يُخيل إلى يوسف أنه يسافر في "حمام" تقليدي لا ينقص فيه سوى "الكيس والصابون وباقي لوازم الاستحمام"، يضيف ساخرا. وإذا لم تكن أجهزة التكييف داخل عربات القطار متعطلة فإنها تُشغّل في درجاتها القصوى، وإن طلب أحدهم من أحد مراقبي التذاكر ضبطها في مستوى معتدل فإنه "يخيرك" بين تركها على حالها، رغم الجو الشديد البرودة الذي تبثه في أرجاء العربات، او إيقافها تماما...أي سيبيريا أو الحمام التقليدي ولـ"الزبون الكريم" أن يختار...حالة المقاعد بدورها يرثى لها. فيبدو أنه ومنذ دخلت "القطارات السريعة" الخدمة على السكك المغربية لم تغيَّر. فبعضها وبمجرد ما يجلس المرء فوقها حتى تبدأ في الصرير وكأنها قطع صفيح تحتاج للتشحيم. أما لوحات "فن الكرافيتي" على الكراسي فإنها حافلة بأرقام الهواتف وعبارات السباب والقذف بعبارات نابية جدا تتناول أحيانا ما تحت الحزام...وشعارات بعض المتعصبين من مشجعي عدد من فرق كرة القدم... وإن حالف المرء حظ يسير وعثر على مقعد بأحد طابقي "القطار السريع" الذي غالبا ما يتأخر عن مواعده، فإنه قد يجلس إلى جوار مراهق منتش بهاتفه أو حاسوبه المحمول يشغل فيه مقاطع غنائية من "ريبيرتوار" المليودي أو الحاج مغيث... أو بعض آيات الذكر الحكيم للاستفتاح بها في الصباح. أما زجاج النوافذ فمظهره ينبئ بأنه لم تصب عليه قطرة ماء، غير زخات الأمطار، منذ أن دخلت القطارات "السريعة" الخدمة، فأغلبها ملطخ ببقع من الغبار التصق بها من جراء مياه الأمطار التي تسقط عليها في المواسم المطيرة. أما النوافذ فعدد كبير منها لم يعد بالإمكان إغلاقه، إذ تعطلت ولم تتم صيانتها أو استبدالها. أما ستائرها الرمادية، المصنوعة من أردأ أنواع الأقمشة فقد تمزقت وإن جذبها الراكب إلى أسفل فإنه لن يتمكن من إعادتها إلى مكانها، عندما يصير في غنى عن خدماتها.غلاء التعريفةكل هذا لا يوازي، قيد أنملة، التعريفات التي يعتمدها المشرفون على المكتب الوطني للسكك الحديدية، إذ أن أسعار التذاكر تصل إلى مستويات خيالية، وحتى بطاقة الاشتراك "La navette" فإن الزيادات المتكررة التي عرفتها أفقدتها الغاية التي وجدت من أجلها، فقد كان المفروض أن تكون بأسعار تراعي أجور الغالبية الساحقة من مستعملي "القطارات السريعة"، والتي لا تتجاوز بالنسبة لكثيرين الحد الأدنى من الأجور...يقتسمونها، عند أول كل شهر، مع المكتب الوطني للسكك... محمد أرحمني

مكتب القطارات ..على سككنا تعيشون كل المتاعب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فرق مجلس مدينة البيضاء توافق على الدورة الاستثنائية

1780 مترا من السياج حول ملعب محمد الخامس

مقالات ذات صلة