دموع ما بعد إغلاق “سامير”

توقيف نشاط المصفاة تسبب في اكتظاظ في المدارس والمستشفيات العمومية وحرم المحمدية من 100 مليار من كان يعتقد أن مصفاة «سامير» الوحيدة، التي أطلقها مغاربة وإيطاليون في 1959، ستوصد أبوابها في وجه عمالها، وتدشن أولى حلقات مسلسل طويل في ردهات المحاكم، بعد إخضاع الشركة لمسطرة التصفية. أزيد من 3500 عامل في شركات المناولة المتعاقدة مع المصفاة، وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في عطالة إجبارية، فيما دخل 880 أجيرا مباشرا في نفق مظلم يتحسسون طريقهم إلى الخروج منه منذ أزيد من سنة ونصف السنة. لطالما كانت المحمدية أو «فضالة»، كما يسميها أهل الشاوية القدامى، مدينة تعيش على فيض سواحلها. لا يتعلق الأمر هنا بثروة سمكية استثنائية، وإنما بمنصة تكرير ضخمة، كانت وراء ولادة أحياء «سامرية»، نسبة إلى شركة «سامير»، ومحرك حياة في أحياء ومرافق حيوية بالمدينة المتاخمة للبيضاء. انهيار «سامير» لجم الإنفاق والاستهلاك في المدينة، التي كانت تستفيد من رواج تجاري تناهز قيمته مليار درهم (100 مليار سنتيم) سنويا، في شكل أجور وخدمات، فيما كشفت مؤشرات الوكالة الوطنية للموانئ، عن تراجع كبير في نشاط ميناء المحمدية، الذي كان يستقبل آلاف الأطنان من المواد البترولية الخام، ويعرف حركة لا تهدأ للناقلات البحرية والبواخر. إشارات قاتمة بدأت تظهر شهورا بعد إغلاق المصفاة في غشت من السنة ما قبل الماضية، وفتحت كتاب معاناة خط سطوره حوالي 900 أجير مباشر في الشركة، و3500 عامل مناولة. مآسي «السامريين» أحياء 3 مارس و9 يوليوز، مشاريع سكنية اجتماعية، أهم مكاسب عمال مصفاة «سامير» خلال فترة ازدهارها، يتكدس فيها الأجراء وأسرهم اليوم، مترقبين المستقبل بخوف، «لا أستطيع طلب قرض من البنك، أو التخطيط لأي مشروع حاليا، بسبب وضعية الشركة»، يؤكد سعيد، موظف في المصفاة، مشددا على غياب رؤية واضحة للمستقبل بالنسبة إلى الأجراء، الذين فقدوا حوالي نصف أجورهم، منذ توقف نشاط التكرير في نهاية غشت من السنة ما قبل الماضية، بعد خصم التعويضات المختلفة، ناهيك عن تجميد التغطية الصحية، ما أضر بمصالح 1500 متقاعد. «مآسي السامريين» لا تنتهي، إذ تنضح دروب المحمدية وأحيائها بقصص البؤس. محمد، تقني كهرباء، لدى شركة من بين 200 شركة مناولة، يرتبط نشاطها بالمصفاة، اضطر إلى الانتقال للإقامة وزوجته وأبناؤه لدى والديه، بعد أن عجز عن أداء السومة الكرائية الشهرية للمنزل الذي كان يقطنه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصاريف التمدرس الخاصة بابنته الكبرى، التي أجبر على نقلها من التعليم الخصوصي إلى مدرسة عمومية، وهو الأمر الذي اعتبره الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، العضو في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عاديا، بالنظر إلى التداعيات السلبية لتوقف نشاط المصفاة، موضحا أنه سجل اكتظاظ في المدارس العمومية، إذ بلغ عدد التلاميذ في القسم الواحد 72 تلميذا. ويتحدث اليماني عن تأثر الخدمات الصحية في مولاي عبد الله، المستشفى الإقليمي الوحيد، بتوقيف نشاط المصفاة، إذ شهد اكتظاظا كبيرا، بسبب تزايد الإقبال عليه من قبل عمال «سامير» وعائلاتهم، الذين فقدوا القدرات المالية والتأمين الصحي، اللذين يخولان لهم الاستفادة من التطبيب الخاص، كما هو الحال بالنسبة إلى سعيد، أجير لدى المصفاة، وجد نفسه وأسرته بدون تغطية صحية، وأصبح يعاني من أجل تأمين العلاج والدواء لابنه المصاب بمرض الربو. تداعيات اقتصادية يتحدث الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، بحرقة، عن التداعيات الاقتصادية الخطيرة لتوقف مصفاة التكرير «سامير» الوحيدة بالمملكة، خصوصا على مستوى تزويد السوق المحلي بالمحروقات، ذلك أن الاستيراد أصبح مصدر إجمالي المحروقات والمشتقات النفطية المستهلكة، البالغ حجمها ثمانية ملايين طن سنويا، مشددا على أن المصفاة كانت تتوفر على طاقة تخزين تصل إلى مليوني طن، أي ما يغطي 90 يوما من استهلاك من المحروقات ومشتقاتها، فيما يخزن الموزعون طنا، ما يمثل حوالي 25 % من إجمالي الاستهلاك، منبها إلى امتلاك مصفاة المحمدية طاقة تكرير تناهز 10 ملايين طن. هذه الأرقام تكشف حسب عبد الرزاق الكوني، مستشار مالي في بورصة البيضاء، حجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد الوطني، من خلال استنزاف احتياطي عملة صعبة ضخم، لغاية تمويل عمليات الاستيراد من الخارج، إلى جانب تراجع القدرة التفاوضية للمستوردين والموزعين خلال عمليات السمسرة في السوق الدولي (Trading. وباستثناء الخصاص البنيوي في مادة «الغازوال»، التي تستحوذ على 80 % من إجمالي الاستهلاك، فالمصفاة قادرة على توفير الحاجيات الوطنية مع فائض للتصدير، يؤكد النقابي المنخرط في الجبهة المحلية لمتابعة أزمة «سامير»، موضحا أن توقف العمل بالمصفاة ترك المستهلك تحت رحمة الموزعين، ما يظهر من خلال الزيادات المتواصلة في أسعار المحروقات، بالتزامن مع تحرير السوق. "نوستالجيا" الأزمة البحث في أسباب أزمة «سامير» يفرض بالضرورة العودة إلى سجلات الشركة، التي تؤرخ لمحطات مهمة من حياتها، بداية من التأسيس في 1959 بشراكة مع الإيطاليين، قبل طرحها للخوصصة في 1997، وسيطرة مجموعة «كورال» السعودية على الحصة الكبرى من رأسمالها. ولعل هذه المحطة المصيرية، تفسر جزءا مما يجري اليوم من أحداث ووقائع، إذ شاب تفويت الشركة التي تحولت إلى مقاولة عمومية منذ 1973، مجموعة من الاختلالات، المرتبطة بشروط التفويت ومراقبة الالتزام بدفتر تحملات الخوصصة، لكن قبل كل شيء هل كان ضروريا خوصصة المصفاة حينها؟. سؤال يجيب عنه عبد القادر برادة، خبير في المالية العمومية، بالنفي، موضحا أن الشركة لم تكن تحتل موقع الأولوية ضمن لائحة المقاولات العمومية المشمولة بعملية الخوصصة، مؤكدا أنه تم تفويتها للمجموعة السعودية «كورال» بسعر أقل بثلاث أو أربع مرات من سعرها الحقيقي، لاعتبارات سياسية وإستراتيجية. وثقت بعض المقالات الصحافية التي نشرت في أعقاب إنهاء عملية الخوصصة بسنوات قليلة، تداعيات العملية السلبية على أنشطة المصفاة، وسوق المحروقات المحلي، ونبشت كذلك في ظروف وملابسات تفويت المنشأة الإستراتيجية، يتعلق الأمر بتفاصيل تضمنها حوار مع أبراهام السرفاتي، الناشط السياسي والمهندس الخبير في شؤون الطاقة، الذي فضح «عورات» الخوصصة، التي اعتبرها قرارا حكوميا «ساذجا»، متوجها بسهام الانتقاد إلى عبد الرحمن السعيدي، الوزير الذي أشرف على عملية خوصصة الشركة خلال تلك الفترة، وشغل بعد ذلك منصب مديرها العام، إذ أشار إلى إخلال الوزير بواجباته في حماية المصلحة الوطنية، من خلال ملاءمة شروط طلب العروض على مقاس مجموعة «كورال». بدر الدين عتيقي

دموع ما بعد إغلاق “سامير”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مخطط خارجي لضرب استقرار المملكة

خمس سنوات لتلميذ عذب زميلته

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات