الغلوسي: الفسـاد تجـاوز كـل الحـدود

الغلوسي قال لـ"الصباح" إن شعار "عفا الله عما سلف" رفعه "بيجيدي" للدعاية الانتخابية قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن تنظيم مسيرة وطنية ضد الفساد يوم 29 يناير الجاري، يأتي لاستحضار خطورته على التنمية، إذ وصلت الأوضاع، حسبه، إلى حد لا يمكن السكوت عنه، مضيفا أن غياب إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد والرشوة واقتصاد الريع ونهب وهدر الثروات الوطنية، هو الشعور الطاغي عند الجميع، رغم محاولات الدولة فهم أن الكلفة السياسية والاقتصادية للفساد تبقى باهظة، لتلجأ بذلك إلى تأسيس مؤسسات الحكامة. تفاصيل أخرى في الحوار التالي: دعوتم إلى مسيرة وطنية لمواجهة الفساد، ألا تلاحظون أنكم أخطأتم التوقيت، خاصة أن الحكومة التي يفترض أن تسمع أصواتكم لم تتشكل بعد؟ الجمعية المغربية لحماية المال العام تضع على عاتقها وبكل تجرد وموضوعية ودون أي مزايدة إلى جانب كل القوى الحية مهمة التحسيس بخطورة الفساد والرشوة ونهب المال العام على الأوضاع العامة وعلى كل القطاعات الحيوية (التعليم، الصحة، التشغيل...)، فخصومتنا الوحيدة هي ضد الفساد ونهب المال العام والإفلات من العقاب وليس ضد أشخاص بعينهم كما يحاول البعض أن يجرنا إليه. والحكومة المنتهية ولايتها، خاصة حزب العدالة والتنمية الذي يترأس أمينه العام الحكومة جعل من محاربة الفساد شعاره المركزي، إلا أنه ومع مرور الوقت اتضح للجميع أن هذا الشعار قد تبخر واستعمل دعاية سياسية وانتخابية وحل محله بعد ذلك شعار "عفا الله عما سلف". والمضحك في الموضوع أن رئيس الحكومة المنتهية ولايتها تحول إلى معارض داخل قبة البرلمان وبدأ في إشهار ورقة الفساد في وجه البعض مع أن المنطق الدستوري والسياسي يفرض عليه عوض ذلك اتخاذ إجراءات وتدابير شجاعة لتطويق الفساد والرشوة واقتصاد الريع والإفلات من العقاب، وهو ما لم يستطع القيام به. ونحن نعتبر أن معضلة الفساد ونهب المال العام والإفلات من العقاب تهم كافة المؤسسات الدستورية، خاصة ذات الصلة بالحكامة، كما أنها تهم كل الفاعلين في المجتمع وفي مقدمة هؤلاء الأحزاب السياسية والمسيرة الشعبية ضد الفساد التي ستنظمها الجمعية الأحد 29 يناير الجاري، هي فقط وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، وهي بمثابة نقطة نظام لنقول كفى من الفساد والرشوة واقتصاد الريع ونهب المال العام والإفلات من العقاب. لماذا الاقتصار في حشد الداعمين للوقفة على أحزاب معينة؟ نعتبر أن التصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام ليس من مهام الجمعية وحدها، فهو أمر يتجاوز إمكانياتها وصلاحياتها، لأن الفساد والرشوة أصبحا منظومة قائمة الذات وتشكلا عبر مسار سياسي وتاريخي طويل في إطار المحاولات المتعددة الرامية إلى مقاومة الدولة الوطنية الديمقراطية، فالفساد له عمق سياسي واقتصادي، لذا لابد من انخراط كل القوى المجتمعية الحية في معركة تخليق الحياة العامة وتوفير مناخ سياسي يسمح بالتأسيس لدولة الحق والقانون، وهكذا سعينا في الجمعية إلى توسيع دائرة النقاش مع مجموعة من التنظيمات السياسية والحقوقية والنقابية لجعل الموضوع شأنا مجتمعيا تنخرط فيه كل شرائح المجتمع لا أن يبقى شأنا نخبويا. وفي اعتقادنا فإن هذه المعركة لا يمكن أن يخوضها إلا من يجعل من مناهضة الفساد والرشوة والإفلات من العقاب موضوعا لبرنامجه وضمن أهدافه والتي يجب أن تنسجم مع سلوكه وممارسته. وهكذا فإننا لم نلتق مع بعض الأحزاب والتي نحترمها، إما لأنها كانت تدبر الشأن العام بشكل من الأشكال ولم تقم بما يفرض عليها قانونيا وسياسيا ودستوريا من أجل مكافحة كل الظواهر الماسة بأخلاقيات المرفق العمومي وجودة الخدمات العمومية، وكل ما من شأنه أن يساهم في تخليق الحياة العامة. وهناك أحزاب أخرى تورط بعض أعضائها في قضايا فساد مالي ولم تتخذ ضدهم أي إجراءات من شأنها أن تعزز مصداقية العمل السياسي، مع العلم أننا نراهن على دور الأحزاب السياسية الديمقراطية في تخليق الحياة السياسية والحزبية لتكون قوة حقيقية في المجتمع وتساهم في صناعة نخب قوية قادرة على التأشير في السياسات العمومية. تقدمت جمعيتكم بأزيد من 100 شكاية تتعلق بقضايا الفساد ونهب وهدر المال العام ما مآل هذه الشكايات؟ تقدمنا بعدة شكايات إلى جهات قضائية مختلفة وإلى وزير العدل والحريات باعتباره رئيسا للنيابة العام وتم تحريك الأبحاث، والمتابعات القضائية في مجملها، وهو الشيء الذي نعتبره إيجابيا ومهما، لكنه يبقى محدودا ولا يرقى إلى مستوى ما تحدث عنه دستور يوليوز 2011 من مبادئ تتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. ذلك أن تلك الأبحاث تتسم بالكلاسيكية وتشبه الأبحاث التمهيدية التي تجرى بخصوص القضايا العادية، مع العلم أن الجرائم المالية لها خصوصيتها، وطبيعتها التقنية والعلمية تتطلب وجود شرطة قضائية متخصصة. كما أن المتابعات المسطرة في هذه القضايا معظمها يكون في حالة سراح في غياب إجراءات ونصوص تسمح باسترجاع الأموال المنهوبة والمبددة رغم مصادقة المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تتضمن مثل هذه التدابير والإجراءات، كما أنه لا توجد نصوص قانونية تؤسس لشعار "من أين لك هذا". أما بخصوص الأحكام القضائية الصادرة في هذه القضايا، فإنها تبقى دون تطلعات المجتمع في وقف نزيف الفساد. تبدي الدولة في كثير من المناسبات عزمها ونيتها في محاربة الفساد دون أن تنجح في ذلك، أين يكمن الخلل ؟ كما سبق أن قلت، إن الفساد كان ومازال ممنهجا في التدبير العمومي، والخطير في الأمر أن الرشوة بمختلف أشكالها أصبحت ثقافة متداولة بشكل عاد وطبيعي ولا تصنف اجتماعيا ضمن السلوكات المشينة. واستعمل الفساد في الماضي وجها آخر للاستبداد لتطويع المعارضة التقدمية والديمقراطية ولضمان عدم حدوث أي تحول في بنية السلطة وتوسيع شبكة الأعيان والانتفاعيين والانتهازيين، وهو ما أدى إلى حصول انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعجز كبير، بل وتخلف على مستوى التنمية والبنيات التحتية. تبقى المشكلة الأساسية في موضوع محاربة الفساد، هو غياب إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد والرشوة واقتصاد الريع ونهب وهدر الثروات الوطنية. ألا تواجهون بعض المضايقات بسبب نضالكم ضد الفساد ونهب المال العام من قبل بعض الأشخاص أو الجهات ؟ نحن واعون تماما بأن هناك من ليست له مصلحة في تخليق الحياة العامة وأن تكون قواعد التباري شفافة وواضحة، لذلك فإن هذا البعض الذي قد يكون داخل الدولة أو خارجها لن يقبل بسهولة وجود آليات أو مؤسسات لمحاربة الفساد وهدر المال العام، ولهذا فلا غرابة إذا وجدنا أشخاصا وجهات تقاوم إصدار تقارير من مؤسسات رسمية مختلفة ترصد تجاوزات واختلالات مالية وإدارية في التدبير العمومي. حاول البعض أن يجرب حظه معنا فكانت البداية بالمساومات والإغراءات ولما لم ينفع ذلك انتقلوا إلى حملة للتشهير والدعاية ضدنا عبر توزيع بعض المنشورات وجرائد صفراء تكيل لنا كل الاتهامات والنعوت من أجل ثنينا عن مواصلة النضال ضد الفساد ونهب المال العام، بل إن الأمر وصل إلى الاعتداء علينا بالسلاسل والهراوات أثناء تنظيمنا وقفة احتجاجية سليمة من قبل عناصر غريبة والملف اليوم بين يدي القضاء. أجرت الحوار: ضحى زين الدين

الغلوسي: الفسـاد تجـاوز كـل الحـدود

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عبد الرحمن راشد: عدو ترامب الأول

الهمة يبلغ بنكيران رسالة من الملك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات