الفصائل تتبادل أدوار بطولة الدم

في التسعينات اغتيل أوملي وآيت الجيد وقبل سنتين قتل الحسناوي والمعارك متواصلة يرتبط العنف الجاثم بالجامعة المغربية منذ ميلادها، بصراعات سياسية قوية تبادلت فيها الفصائل الإسلامية واليسارية دوري الضحية والجاني منذ سبعينات القرن الماضي، قبل أن يستأسد القاعديون بمواقع جامعية يحكمونها وفق قانونهم الخاص، دون أن تنجح الدولة في اجتثاثهم رغم محاولاتها المتكررة.موتى وضحايا في صفوف الفصائل المتناحرة للظفر ب"كعكة" النفوذ والهيمنة السياسية بين جدران وجدت لطلب العلم وليس استعراض العضلات في حرب مفتوحة على كل الاحتمالات ما لم يتم التدخل لحقن الدماء وتغليب كفة الحوار والإيمان بالحق في الاختلاف.إسلاميو الأمس لعبوا دور البطولة في أحداث عنف ما زالت تداعياتها متواصلة، ويقفون اليوم موقف الضحية من عنف مضاد يمارسه قاعديون سقط منهم جرحى وموتى في تسعينات القرن الماضي. إعداد: حميد الأبيض (فاس) – تصوير: أحمد العلوي المراني شهدت مواقع جامعية بينها فاس بقلعتيها سيما بظهر المهراز، محاكمات جماهيرية لطلبة أو غرباء، تنفيذا لأعراف تواصلت كما لو أن الجامعة دولة داخل الدولة، دون أن تصدح الحناجر بشعارات الرفض، إلا بعد حادث شيماء.تعنيف المحكومين لفظيا وماديا، سمة مميزة لمثل هذه المحاكمات التي عششت في الجامعة، ومن آخر ضحاياها قبل شيماء الأوفر حظا في البروز الإعلامي، طالبة تاوناتية حوكمت بالحي الجامعي ظهر المهراز وطردت منه دون وجه حق، بعدما رسمت "قاعديات" لوحات بانورامية على جسدها، بريشة "العض". وقبلها عاشت زميلتها من بني وليد، كوابيس وساعات في الجحيم، بعدما وجدت نفسها محاطة بعشرات الطالبات والطلبة، يفتون في أمرها بعد انتهاء خصامها مع زميلتها ابنة ميسور، برسم خارطة طريق على وجهها، بواسطة مشرط، على غرار "محاكمات" انضبطت لأغلبية المتدخلين في تحديد مصير المحكوم.وتقام مثل هذه "الأعراف" الغريبة مجتمعيا، لتأديب من يثبت تخابره مع جهة معينة أو ارتكابه سلوكا منبوذا، بل لم يسلم منها مناضلون بالفصيل نفسه، كما محاكمة 3 طلبة قاعديين في 1999 لمشاركتهم في رحلة نظمتها إدارة الحي الجامعي، بمبرر مقاطعة مثل هذه الأنشطة الرسمية "المشبوهة". محاكمات تاريخيةمن أشهر المحاكمات التي شهدتها جامعة فاس، تلك التي طالت دركيا ملحقا بالسفارة المغربية بالإمارات، دخل الحرم الجامعي بسيارته رباعية الدفع لغرض معين، قبل أن يحاصره الطلبة ويحاكموه كما غرباء آخرين ضبطوا في زمن ولى بصدد التحرش الجنسي بطالبات، عكس ما عليه الأمر راهنا. ويتذكر طالب مجاز تلك المحاكمة ومقترحات بعض العناصر الغريبة، التي التمست عقابه بأشد العقاب من قبيل بتر يديه أو قتله، كما شاب ضبط متلبسا بالسرقة والنصب، قبل عقد ونصف، اقترح محاكموه قطع يده، قبل استقرار رأيهم على ربطه في عمود كهربائي أمام النادي الجامعي. على ضوء ما تسفر عنه المناقشة، يرتب الطلبة جزاءات وعقوبات أضحت أكثر تشديدا عكس ما كان عليه الأمر سابقا من اقتصارها على عقوبات مخففة تروم الردع من قبيل الحرمان من الاستفادة من المقصف أو المطعم أو الإقامة بالحي الجامعي لمدة معينة، لكنها راهنا تطورت لتشمل الطرد حتى من الجامعة.ولا يخلو ذلك من انتقام وتصفية حسابات سياسية كما اتضح في محاكمات طالت قياديين في فصائل منافسة، كما حال أحدهم من فصيل "رفاق الشهداء"، وصفه طلبة البرنامج المرحلي ب"عنصر مشبوه" واتهموه بالتخابر، وكان مهددا بعقوبات قاسية أثناء محاكمته، لولا تدخل رفاقه لإقناع الجميع ببراءته. تطاحنات رفاقية توالت المواجهات بضراوة أكبر لاحقا بين التيارات الإسلامية والقاعديين ورفاق الشهداء، قبل أن تتطور إلى عنف بين التيارات القاعدية ذاتها، سيما بين القاعديين التقدميين (الممانعين) ودعاة البرنامج المرحلي الذي عرف بدوره تطاحنات دامية بين تياراته في اللاحق من الأشهر سيما في 1998.وبلغ العنف ضراوته بين تياري "التحاق الشجعان" ومجموعة أسمت نفسها "الماويين"، رغم انتمائهما إلى فصيل البرنامج المرحلي، قبل أن يمتد إلى مواجهات ضارية بين مناضليه وزملائهم في حزب الطليعة المؤازرين بالقاعديين التقدميين، منذ محاولة إجهاض ونسف أسبوع ثقافي دعيا لتنظيمه بموقع سايس. تلك المواجهات الدامية التي انسحب منها "قاعديو الكراس" بعد تبنيها بداية، خلفت جرحى من الطرفين، قبل أن تتلاحق أحداث العنف منذ 2000 لتمتد إلى عنف متبادل بين الأمن والطلبة القاعديين، بلغ ذروته في السنوات الأخيرة، وراكم عددا هائلا من المعتقلين ما زالوا يحاكمون أمام محاكم فاس.وقبل ذلك تبادل اليساريون والإسلاميون الأدوار، إذ انتقل القاعديون من ضحايا عنف خلف وفاة أوملي وآيت الجيد، إلى مشتبه في وقوفهم وراء مقتل عبد الرحيم الحسناوي طالب منظمة التجديد الطلابي، في مواجهات يوم 24 أبريل 2014، انتهت بمحاكمة عدة طلبة اثنان منهم محالان على جنايات فاس. "فتوحات" بزغ العنف بالجامعة بشكل لافت للانتباه منذ ثمانينات القرن الماضي، سيما بين الفصائل التقدمية التاريخية بالجامعة، والتيارات الإسلامية الراغبة في تحرير الجامعات من "الزندقة" و"الملحدين" في إطار سعيها لمحاربة ما تسميه "الاتحاد الوثني لملاحدة المغرب" في إشارة إلى "أوطم". حينئذ كان الاشتباك بالأيدي والتنابز بالكلمات والاتهامات، سمته المميزة إلى بداية التسعينات لما سخرت عناصر غريبة عن الجامعة في تنفيذ إنزالات على شكل "فتوحات" بلون ديني، بلغت ذروتها في 1992، بتنفيذ هجوم على مركب ظهر المهراز الجامعي، فجرا وباستعمال مكبر الصوت وأسلحة فتاكة.كانت الحصيلة ثقيلة بإصابة واعتقال عشرات الطلبة، بينهم القيادي اليساري نور الدين جرير الذي تم رميه إلى سطح المطعم الجامعي، ما تسبب له في جروح بالغة وكسور في فكه ورجله، قبل أن يسقط المعطي أوملي صريعا بموقع وجدة، بعد الاعتداء عليه من قبل طلبة إسلاميين حركتهم الرغبة في بسط الهيمنة. ولم تمر إلا أشهر معدودة حتى توفي الطالب اليساري محمد بنعيسى آيت الجيد بعدما هاجمه طلبة إسلاميون في 1993، قبل وفاته. اقتتال لفظي لم يقتصر العنف بجامعة محمد بن عبد الله بفاس على ذاك الجسدي المخلف إصابات وقتلى، ليس فقط بين طلبة يساريين كانوا أو إسلاميين، بل بينهم وبين عناصر الأمن سيما بعد مقتل الطالب محمد الفيزازي ابن طهر السوق، في تدخل أمني لفك اعتصام احتجاجي على عدم إسكان طلبة بالحي الجامعي سايس. وتحول التراشق بالاتهامات إلى سلاح جديد تتبناه الفصائل في صراعها التاريخي لإثبات الذات والكيان، علما أن كل واحد منها، يقدم نفسه بصفة "الحكيم" النابذ للعنف والميال إلى الحوار والاعتراف بالآخر، عكس ما تكشفه المبارزة الميدانية على إيقاع العصي والحجارة واستعراض العضلات لمناسبة وبدونها."الخوانجية"، "قوى الغدر والظلام"، "الظلاميون"، "خفافيش الظلام".. بعض من نعوت يتسلح بها القاعديون في حربهم الكلامية ضد الفصائل الإسلامية سيما منظمة التجديد الطلابي الذراع الطلابي ل"بيجيدي" وطلبة العدل والإحسان، الذين يختارون بدورهم، نعوتا أكثر قدحا تصل إلى الاتهام ب"الإرهاب". "العصابة الإرهابية"، "عصابة النهج الديمقراطي"، "عصابة البرنامج المرحلي"، "العصابة المنبوذة".. بعض من اتهامات توزع على عواهنها في بيانات الفصيلين النشيطين بهذه الجامعة المفروض بقاؤها نبراسا للعلم واستعراض المهارات في الإبداع بمختلف أنواعه، عوض تغليب العضلات على لغة الحوار البناء.

الفصائل تتبادل أدوار بطولة الدم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

صراعات "الجهاد" و"العنف الثوري"

أصل التطرف... عنف الفكر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات