أصل التطرف… عنف الفكر

بين اليسار والإسلاميين ظلت الجامعة المغربية رهينة أجندات سياسية تصدرها مقرات حزبية وتنفذها فصائل طلابية يتأصل العنف في الجامعة المغربية بوصفه تعبيرا عن عنف الفكر الذي تتبناه بعض الفصائل الطلابية في الحرم الجامعي. فكر يحاول أن يسود باقي الأفكار المختلفة ويدعي تجنيا نشر الفكر والحق في الاختلاف في مجادلات "الحلقيات الجامعية"، أما حينما يتعلق الأمر بالممارسة فإنها تنهج أساليب عنيفة تصدر عن "محاكم تفتيش" نصبت نفسها وصية على فكر الطلبة واختياراتهم، سواء تعلق الأمر بالذين يلجون الجامعة وهم يحملون معهم انتماءهم السياسي أو الذين يدخلونها بدون انتماء هدفهم المعرفة والتحصيل العلمي. من القتل إلى الإقصاء وصولا إلى "التقريع" لفتاة تعمل نادلة في مقصف الجامعة بمكناس، تحولت بعض المواقع الجامعية إلى قلاع يستعصي على قوات الأمن فرض النظام بداخلها، فتركت الطلبة والأستاذة وحتى الموظفين أحيانا أسرى فكر عنيف جعل من الحرم الجامعي قلعة خاصة، يفرض فيها قوانينه وطقوسه وعاداته وحتى أفكاره.ظاهرة العنف في الجامعة ليست جديدة، فقد لعبت بعض الفصائل الطلابية على مر التاريخ، ومن داخل إطار نقابي معطل منذ سنوات، دورا خطيرا في نشر العنف باسم الدفاع عن الفكر. بين اليسار والإسلاميين، ظلت الجامعة المغربية رهينة الاختيارات التي تملى على الفصائل الطلابية من المقرات الحزبية، فتحولت الجامعة إلى ملحقات سياسية تتصارع الأحزاب والجماعات من أجل احتكارها، بوصفها قناة لإنتاج النخب الحزبية والاستقطاب وحشد المتعاطفين مع هذا التنظيم أو ذاك. كل الفصائل الطلابية التي تدعي الدفاع عن مصالح الطلبة في الجامعة لا تملك قرارا مستقلا عن التنظيمات الحزبية أو السياسية التي تتبع لها. فالإسلامي يسعى إلى الاستيلاء على الجامعة واليساري يقاومه منذ سنوات لإفشال هذا المخطط، ومن هذا التطاحن تولد العنف وقد يصبح هذا العنف تطرفا حينما تتدخل فيه الهوية والدين.قبل سنوات كان العنف خيارات إستراتيجية للدولة، إذ أخذت مسافة من الجامعة وتركت الفصائل الطلابية، يساريين وإسلاميين، يتقاتلون حوله من يحتكر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الإطار النقابي الذي توحد حول الطلبة منذ التأسيس أيام كان رئيسه الشرفي ولي العهد حينها، الملك الراحل الحسن الثاني. كانت الفكرة أن يتشكل إطار نقابي يدافع عن مصالح الطلبة وينشر الفكر الحر والوعي ببناء نخبة سياسية قادرة على بناء مجتمع خرج للتو من الاستعمار الفرنسي. إلا أن تحول هذا الإطار إلى جهاز للضغط على الدولة نفسها، ولتشكيل نخب حزبية بدل نخب في خدمة مشروع بناء الدولة، جعل الأخيرة ترفع يدها عن الإطار النقابي، وتدفع في اتجاه إعادة التوازن إليه عبر إغراق الجامعات بفصائل إسلامية تحمل فكرا معارضا تماما للفكر اليساري الذي كان يتسيد الجامعة حينها.في لحظة فارقة من الصراع بين الفصائل الطلابية، سيقع تجميد الإطار الوطني لطلبة المغرب (أوطم)، بموجب مذكرة ثلاثية تحظر كافة أنشطة الفصائل الطلابية. كان الهدف من وراء هذا القرار رفع الشرعية عن كافة الأنشطة الجامعية التي تتم باسم هذا الإطار النقابي، بما يحقق هدفين: الأول تعرية واقع الفصائل الطلابية وجعلها تنظيمات تابعة لهيآت حزبية تنفذ أجندة سياسية لا علاقة لها بمصالح الفئات الطلابية، والثاني إضفاء طابع الشرعية على كل التدخلات الأمنية التي تقع بين الفينة والأخرى بدعوى منع نشاط يتم باسم هيأة نقابية غير معترف بها قانونا، ما يضفي طابع المشروعية على اقتحام الحرم الجامعي من قبل القوات العمومية.ضمن هذا التحول بدأت الجامعة تجنح تدريجيا نحو العنف، وأصبحت الفصائل الطلابية، التي كانت تتسلح بأفكارها ومرجعياتها الفكرية للدفاع عن مشروعها السياسي من داخل الجامعة، عبارة عن "عصابات" تتسلح بالأسلحة البيضاء والسلاسل وتقيم المحاكمات داخل الحرم الجامعي، وتنفذ أحكام القتل أو التعذيب في حق طلبة آخرين يحملون فكرا مختلفا وأحيانا بدون فكر أصلا بل حتى ضد أناس يعيشون في أحياء سكنية مجاورة للأحياء الجامعية.إحسان الحافظي

أصل التطرف… عنف الفكر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفصائل تتبادل أدوار بطولة الدم

القصوري:الفراغ التنظيمي سبب العنف

مقالات ذات صلة