مرضى في دوامة الإهمال

المستشفيات والمصحات والجمعيات تتقاذف أسرهم كل المصائب تنحني وتفقد هولها، أمام مصيبة إصابة أحد أفراد الأسرة بأحد أمراض القلب، خاصة تلك التي تستدعي إجراء عملية ما يسمى طبيا "القلب المفتوح". هذا ما اختزلته شهادات مرضى وعائلاتهم تراصوا في درجات قسم أمراض وجراحة القلب بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، منهم الذين لم يعد الدواء منفذا واسعا لهم إلى الحياة. "هذه الأدوية لا تعالج المرض، بل مضاعفاته، وتأثيراته على باقي الأعضاء، خاصة الرئة، إذ يصبح لون بشرة ابني أزرق، عندما تباغته النوبات"، تقول أم انشغل صغيرها بلعبة أصابع على الدرج، وصدره يهتز بطريقة غير طبيعية، "هذه طريقته في التنفس، وتزداد الأمور سوءا عندما يحاول اللعب كباقي الأطفال". لا تأمل الأم نفسها الكثير وهي تنتظر في الدرجات، بعد أن وضع حارس أمام المدخل الوحيد إلى قسم جراحة القلب، "لدي موعد، لكن لو حصلت على ستة ملايين لكان ابني أجرى العملية في مصحة جمعية، إلا أنني عجزت عن تدبر المبلغ، وجئت إلى هنا لأنني مستفيدة من بطاقة "راميد"". وضع أب آخر رأسه بين يديه، وبدا كأنه ليس مهتما بما سردته الأم عن ابنها، غير أنه في لحظة سينتزع منها حبل الشكوى، ويقول، "واش احنا دابا مغاربة؟ خاصنا حتى يفوت الفوت عاد يدخلونا"، تتطاير الكلمات من فم الرجل غاضبة، دون أن ينجح في سرد قصته بالتفاصيل، ويبين معاناته. وبعد أن جف الزبد في فمه، أخذ الرجل بضع ثوان استراحة، قبل أن يعود إلى مبعث كل هذا السخط، "منذ سنتين وأنا أجوب المستشفيات، من واحد إلى آخر، وابني يموت أمامي، حالته تضاعفت، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، يرخي الرجل العنان لآهات، قبل أن يسرع النزول، غير راغب في الكلام فيما بكت زوجته، وهي تحمل ابنهما على ظهرها، "شوفي شحال تنفخ، ديما مغيب، ما فرحناش بيه ما نهار تزاد". تنتظر الأسرة بدروها تحديد موعد لإجراء عملية القلب المفتوح، وهي بدورها جابت مقرات الجمعيات، منها جمعية بالدار البيضاء، "كأنني ذهبت إلى مركز تسوق وليس إلى جمعية خيرية، كانت مسؤولة تتحدث بطريقة فيها الكثير من التعجرف. أخبرت زوجي أن الحياة بيد الله، وليس بيد هذه السيدة، التي طالبتني بجمع مبلغ ستة ملايين قبل أن أطرق بابها" تقول وقد علت وجهها ابتسامة سخرية، قبل أن تضيف "كون عندي ستة ديال المليون كون ما نمشيش لعندهم". حكايات الأسر تتقاطع في نقطة البحث عن محسنين، وعن حل نهائي لأزيد من 2000 حالة تشوه خلقي تنضاف سنويا إلى حصيلة الأطفال المرضى بالقلب، وهم الذين يحتاجون جميعا إلى عمليات عاجلة لإنقاذ حياتهم، غير أن الأبواب تصفق في وجوه الذين لا يملكون منهم المال أو تأمين، بل إن حتى أغلب شركات التأمين الخاصة ترفض تحمل نفقات عمليات من هذا النوع، وهذا ما رواه والد طفلة تعاني ثقوبا في القلب، "فرحت بعد أن قبلت المصحة ملفي، وأعددت كل الوثائق اللازمة، بل حدد موعد العملية في أجل شهر، وذلك في انتظار إتمام إجراءات التأمين، غير أن الرد كان قاسيا جدا ومجردا من الرحمة، لأن الشركة اعتبرت مرض ابنتي تشوها خلقيا لا يلزمها علاجه". لولا تدخل محسنين لكانت الطفلة توفيت نتيجة ارتفاع تكلفة العلاج، ومصاريف إجراء عملية القلب المفتوح، "صدفة تعرفت على امرأة أحسنت إلى ابنتي بعد أن سمعت قصتي، وهي تسألني يوما عن سبب تجهمي في العمل، رغم أنني كنت دائما متفائلا، وما أن علمت بالقصة حتى اتصلت بالمصحة وعرضت التكفل بتكاليف العملية، وبفضل الله وفضل هذه المحسنة تجري اليوم ابنتي وتلعب كباقي أقرانها، وتدرس، وهي الإمكانيات التي لم تكن متاحة أمامها قبل العملية". ضحى زين الدين

مرضى في دوامة الإهمال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عملية القسطرة بـ 6 آلاف درهم

انتحار بالجديدة وغريق بسيدي بنور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات