مسعود…إبحار في سيكولوجية إنسان محكور

يمشي قرب الحائط وترعبه "لاراف" ويطلب "السلاكة" و"ستر مولانا" مسعود مواطن مغربي "محكور" بامتياز. الحديث عن الحقوق والمساواة والعيش الكريم يصيبه ب"الخلعة"، ولا يفهم كيف يتجرأ البعض على الجهر بمثل هذا الكلام "الكبير" في الشارع العام، وأمام الملأ. هو، حتى بينه وبين نفسه، لا يقوى على ذلك. أما الوقفات والاحتجاجات أمام البرلمان وصراخ المتظاهرين في وجه "البوليس"، فلا يستسيغه عقله بتاتا. صديقنا مسعود كان يجلس فاغرا فاه أمام شاشة التلفزيون، يتابع أخبار الثــــــــورات في العالم العربي، غير مصدق لما يحدث أمامه. هروب بن علي تونس صـدمه. وإسقاط مبارك في مصر أصابه بالذهول. أما حين سمع بخروج حركة "20 فبراير" في المغرب، "حوقل" في قرارة نفسه ولسان حاله يقول "ضسارة هادي...هادشي خطير... المخزن ما يمكنش يسمح بهادشي". وحين تجاوب ملك البلاد مع مطالب الحركة في خطابه التاريخي الشهير، كاد مسعود يصاب بالسكتة القلبية.لقد تربى مسعود، منذ نعومة أظافره، على الخنوع والسكوت والسير إلى جانب الحائط. إحساسه ب"الحكــــــــــــــرة" رضعه في حليب الوالدة. فشب خائفا من ظله... طالبا "السلاكة" و"ستر مولانا". في البيت، كان الأكثر "حكرة" من بين إخوته. والده أجبره على مغادرة صفوف الدراسة، رغم أنه كان يحبها، لأنه كان في حاجة إلى من يساعده في ورشة النجارة التي كان يملكها، ولأن أخاه، الأكبر منه سنا، رفض بشكل قاطع أن يساير رغبة الأب، وتصدى له بكل ما أوتي من قوة شخصية، فلم يكن أمام الوالد خيار آخر سوى أن "يحكر" على أصغر أبنائه، الذي لبى طلبه دون نقاش أو جدال. في المدرسة أيضا، لم يكن الشعور ب"الحكرة" يغادر "مسعودنا". وكان يقف حاجزا أمام مشاركته في الدرس أو في المناقشات الدائرة داخل الفصل. أما المعلم، فلم يكن يقف له تبجيلا فقط، بل تقديسا وعبادة، ليس لهيبته أو لأهمية الدور الذي يقوم به في المجتمع، بل لأنه كان يجسد بالنسبة إليه السلطة، ولا شيء غير السلطة.في الشارع، يسير مسعود منحني الرأس خائفا من ظله. ولا يهدأ له بال إلا حين يغلق عليه باب منزله. رؤية "لاراف" وجميع ما يمت إلى "المخزن" بصلة، كانت ترعبه. لذلك تجده حريصا على أن لا تسجل عليه أي مخالفة سير، وألا يصطدم بأحد في سجال أو معركة، تفاديا "لكل ما من شأنه".حتى حين أراد أن يكمل نصف دينه، طغى شعوره ب"الحكرة"، الذي لا يفارقه، مثل ظله، على اختياره، وكلف والدته بالبحث له عن عروس من البادية "عينيها مغمضات"، طيعة، ولا بأس إن كانت تتوفر على قدر كبير من الغباء، لأنه صفة تسمح للزوج أن يعيش في هناء وسعادة مع شريكة حياته، "بلا صداع" "بلا هضرة خاوية".إذا ذهب مسعود إلى مقاطعة أو جماعة أو إدارة لتسوية مشكل عاد أو لطلب وثيقة بسيطة، يكون مصيره "التجرجير" و"سير واجي"، ويمنعه شعوره ب"الحكرة"، كما العادة، من التعبير عن رفضه واحتجاجه أمام سلوك أو تصرف معين، وتجده، بدل ذلك، يقبل الأيادي والرؤوس، للحصول على حقه الذي يكفله له القانون ب"الفور يا شيفور".إذا تحدث مسعود، يتحدث "في شونه". ولا يكاد مخاطبه يسمعه. هو نفسه لم يجرب أن يسمع صوته في طبقة أخرى غير الطبقــــــــــــــــة الخافتة القــــــــــــــريبة إلى "الوشــــــــــــوشة". فعلـــو الصـــــوت دليل معـــــارضة ورفــــــــــــض، وإحســــــــــــــاسه ب"الحكرة" يمنعه من أن يكون في صفوف المعارضين أو الرافضين لأي شيء. ولأن "مــــــــــــــــن شــابه أباه فما ظلم"، فإن مسعــود ورّث أبناءه جينات "الحكرة"، ليخلّف للمغرب جيلا جديـــدا من "المحكـــورين"، يعيشــون ويموتون خائفين من "خيالهم".نورا الفواري

مسعود…إبحار في سيكولوجية إنسان محكور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شباط: الراهن لا يسمح بانتخابات سليمة

اتفاقية شراكة بين الجامعة وفلسطين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات