الحكومة تتحدث عن 70 ألف موظف وتقر بفشلها في محاربة الظاهرة فشلت حكومة بنكيران، وقبلها حكومتا الفاسي وجطو واليوسفي، في القضاء على ظاهرة الموظفين الأشباح، التي أصبحت تشكل اليوم إحدى ظواهر الفساد الإداري. ورغم الإستراتيجيات الحكومية المعلنة، والمذكرات الوزارية وتقارير المفتشيات والمجلس الأعلى للحسابات، لم يستطع المسؤولون بمختلف مناصبهم الكشف عن العدد الحقيقي لهؤلاء الأشباح، والأحرى محاربتهم، حماية للمال العام، وصونا للخدمة العمومية. عنوان الفساد الإداري الآلاف يتقاضون أجورا وتعويضات من المال العام بدون عمل باتت ظاهرة الموظفين الأشباح، تشكل عنوانا بارزا لفشل الحكومات المتعاقبة، في تخليق الإدارة ، وأحد أبرز الملفات التي تكذب خطاب الحكومة المتعلق بمحاربة الفساد وحماية المال العام من الهدر. والمثير في الأمر أن الحكومة التي رفعت شعار محاربة الفساد، ودشنت حملتها المشهورة بنشر لوائح المستفيدين من المأذونيات، دون أن تقضي عليها، هي التي أعلنت على لسان وزير الحكامة والشؤون العامة، محمد نجيب بوليف، في السنة الأولى من ولاية حكومة بنكيران، أن عدد الموظفين الأشباح يتراوح ما بين 70 و 90 ألفا، من بين 800 ألف موظف في القطاع العام. ويفضح هذا الرقم الضخم مستوى الفساد المستشري في الإدارة والمرفق العموميين، وضعف، إن لم نقل غياب فعالية آليات المراقبة الإدارية والمالية، ما يلحق ضررا كبيرا بحقوق المواطنين في الحصول على خدمات إدارية في آجال معقولة، كما يكبد خزينة الدولة خسائر بالملايير، إذا ما تم احتساب كل هذه السنوات، من استفادة الأشباح من أجور عن وظائف لا يقومون بها. واعترف أحمد اخشيشن، وزير التربية الوطنية الأسبق، بوجود 2000 موظف شبح بالوزارة، وذلك خلال انعقاد الدورة الثامنة للمجلس الإداري لأكاديمية التربية والتكوين بجهة تادلة أزيلال، وقال إن "الوزارة تؤدي أجور ألفي إطار لا يؤدون عملهم، ويتقاضون الأجور بلا حشمة أو حياء". ورغم إقرار الحكومة بهذه الظاهرة، بل وتقدير حجمها، لم تفلح في وضع حد لتناسلها، بل فشلت حتى في ضبط ما يسميه البعض “المتغيبين عن العمل بدون مبرر”، وكأن الأمر في رأيهم، مجرد غياب غبر مبرر، علما أن الأمر يتعلق بآلاف الموظفين، وفي مختلف القطاعات من صحة وتعليم وجماعات وتعليم عال، بل امتدت الظاهرة لتشمل حتى المؤسسة التشريعية، التي باتت العديد من التقارير تتحدث عن “أشباح كبيرة" فيها تحت يافطات الخبراء والمستشارين، الذين لا يظهر لهم أثر في البرلمان. وبعد أن فشلت الحكومة في محاربة الظاهرة، وتكيفت مع أشباحها، وعفاريتها، رمت بالكرة إلى المواطنين، من خلال إطلاق الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية موقعا إلكترونيا خاصا بالتبليغ عن الموظفين المتغيبين بدون مبرر، وهو تعبير عن فشل الإدارة في ضبط موظفيها والعاملين في مرافقها، والأحرى تتبع عملهم من حيث الفعالية والمردودية، كما هو مطلوب. وبعد مرور خمس سنوات من ولاية الحكومة، لم تتمكن الحكومة من كشف سوى عن عدد قليل من الأشباح، لم يتجاوز بضع آلاف في قطاعات التعليم والصحة والجماعات المحلية. واكتفت الوزارة الوصية باتخاذ أربع آليات تتمثل في تفعيل المنظومة التشريعية التي تحارب الظاهرة، وما يستوجب ذلك من اقتطاع مالي من الأجور، والعزل عند الضرورة، إضافة إلى إجراءات وقائية من خلال ما أسمته المراقبة اليومية والدورية. كما تحدثت الوزارة عن آليات تكتسي الطابع الردعي بواسطة المراقبة الميدانية التي تقوم بها المفتشيات العامة. 2107 حالات أعلن محمد مبديع، وزير الوظيفة العمومية، في جواب على سؤال بالبرلمان، عن ضبط 2107 حالات تغيب غير مشروع عن العمل، فعلت في حقها مسطرة ترك الوظيفة برسم السنوات الثلاث الأخيرة. ووضعت الوزارة خطة لمحاربة الظاهرة، تندرج في إطار تكريس مبادئ الحكامة الجيدة، وتفعيل منشور أصدره رئيس الحكومة في الموضوع. كما تواصل الوزارة دراسة 800 ملف جديد من ملفات الموظفين الأشباح، لتحديد وضعيتها بدقة، في أفق اتخاذ القرارات المتعينة في حقهم، ضمنهم موظفون سافروا خارج أرض الوطن، وتحول أجورهم الشهرية إلى حساباتهم البنكية بشكل منتظم. برحو بوزياني