التسول… الحاجة أم الاحتيال

محترفون يرسمون سبلا حديثة لمراكمة الثروات دون تعب لم يعد التسول يمثل آخر الحلول التي يلجا إليها المحتاجون، بعد أن تسد في وجوههم أبواب الرزق، ويذيقهم شظف العيش جحيم الحاجة، بل أصبح مهنة تذر على محترفيها دخلا كبيرا، إلى درجة أن نشرات الأخبار نقلت عشرات المرات حالات متسولين ينامون في الشوارع وهم يفترشون الملايين. وككل حرفة طور المتسولون طرق استدرار عطف المارة، وبالتالي أموالهم، ليراكموا الثروات على حساب فقراء آخرين يزاولون كل المهن لضمان قوت أبنائهم. "الصباح" تسلط الضوء على بعض الطرق الجديدة التي يلجأ إليها بعض المتسولين، بعد أن استنفدت الأساليب القديمة دورها، ليبدعوا أساليب جديدة. آخـر إبـداعات "السعـايـة" يستغلون تدهور الوضع التعليمي والصحي والسكن ومشاكل المهاجرين لجمع المال لم تعد ملفات الصحة والتعليم والسكن، تشكل مادة دسمة للتقارير الوطنية والدولية، لتوجيه الانتقادات لهذه الحكومة أو تلك، بل أصبحت بابا يدخل منه المتسولون إلى قلوب المواطنين دون مفاتيح. إذ بعد أن أصبحت الطرق القديمة في التسول لا تجدي نفعا أو لا تدر عليهم المال بالقدر الذي يطمعون فيه، لجؤوا إلى إبداع طرق جديدة، لا تخرج في الغالب، عن الصحة والتعليم والسكن. تختار هذه الشريحة من المتسولين، طريقة لكل موسم، ففي بداية الدخول المدرسي، يعترضون طريق زبناء المكتبات، وهم يحملون لائحة أدوات مدرسية، ويدعون أنهم في حاجة إلى المال لاقتناء كتب معينة، أو محافظ أو وزرات، أو ملابس رياضية وغيرها من مستلزمات التمدرس. وفي أيام الجمعة يحجون إلى المقابر، حيث يدعي بعضهم أنه في حاجة إلى ثمن دفن ميت، أو كفن أو غيرهما، وهم بهذه الطريقة لا يشاركون باقي المتسولين صفوفهم أمام المقبرة، بل يختارون بعناية ضحاياهم، ويطلبون منهم الإذن لحديث قصير، قبل أن يعرضوا مشكلتهم الوهمية. وعند المحطات، خاصة وسط المدينة، يدعي بعضهم أنه أضاع حافظة نقوده، بعد أن قدم إلى البيضاء من مدينة بعيدة لزيارة مريض في المستشفى. ولا يخلو محيط المستشفيات من المتسولين التقليديين، غير أن المحتالين، يتعمدون عدم إثارة الانتباه، ويتربصون بضحية معينة، قبل أن يخطوا نحوها بثبات، "الوالدة غاديا دير عملية جراحية دابا وخاصني باش نشري الدوا، جيت من مدينة بعيدة وما عوالش على هاذ المصاريف". أما آخرون فيختارون أن يكونوا هم أنفسهم المرضى، ويعلقون أكياسا طبية أو أنابيب، ويدعون أنهم طردوا من المستشفى لعدم توفرهم على المال لاقتناء معدات طبية معينة، ويجوبون محيط المستشفيات وهم يلصقون بأجسادهم هذه الأكياس لمنح روايتهم المصداقية، ولكسب تعاطف أكبر. وليس موضوع الصحة هو الملف الوحيد الذي يوظفه المتسولون الجدد لكسب تعاطف المارة، بل إنهم يحولون أزمة السكن إلى مشكلة وهمية لجمع أكبر قدر من المال، مستغلين في ذلك الأطفال الذين يطوفون بهم المقاهي ليوزعوا أوراقا صغيرة كتبت عليها عبارات مستقاة من قاموس التشرد واليتم، وغيرهما. أغلب الحالات تلجأ إلى الطرق الجديدة للتسول بعد أن انكشفت الأساليب القديمة، وذلك نتيجة تفعيل برنامج المساعدة الاجتماعية، إذ بعد أن بدأت سياراتها تجوب الشوارع بحثا عن المتسولين لنقلهم إلى مراكز إيواء، وبعد تفتيشهم تحصل مفاجآت كثيرة، إذ ضبطت بحوزة أغلبهم مبالغ مالية بملايين السنتيمات، ما أدى إلى فضح حقيقة التسول التي لم تعد مجرد حاجة إلى مساعدة، بل مهنة احترفها البعض وورثوا أساليبها أبا عن جد. ضحى زين الدين الجنازات الوهمية آخر الصيحات في محيط البنوك، وأمام المطاعم الفاخرة، وفي أزقة الأحياء الراقية، يعترض سبيلك بهندامه اللائق وحذاء نظيف، يلقي التحية بأدب، وقد لبس وجهه ملامح حزن وتعاطف، وبين يديه يمسك علبة نظيفة، قبل أن يطلب منك مهلة ثوان لحديث قصير، وقد قدم نفسه مسبقا على أنه "سانديك عمارة" في الجوار. بصوت خفيض يقول "الكونسييرج ديال عمارتنا ماتت الوالدة ديالو فشيشاوة بغينا نعاونوه باش يدفن أمه ويدير العشا في سبيل الله". قدرته على الإقناع تفتح قناة من عينيه الحزينتين إلى قلبك مباشرة، حيث تثير مواضع العادات التي ترسخت فيك عن قيم التضامن بين المغاربة، لتمد يدك مباشرة إلى محفظة النقود وتمده بالمال. أغلب الذين يسقطون في فخ التعزية الوهمية، يجودون بأوراق نقدية لا تقل عن عشرين درهما.غير أنه لا تمر إلا أيام قليلة حتى تصادف الشخص نفسه بهندامه النظيف وبكامل تهذيب يتقدم منك مرة أخرى، ليلقي في وجهك الخطاب نفسه، غير أنه حين تواجهه بالحقيقة، يستنفر صوته الخشن، ليقول بعدوانية "واش ابغيتني نمشي نشفر". هي طريقة جديدة أبدعها بعض المتسولين ممن يحرصون على الظهور بمظهر أشخاص محترمين، ويختارون وسائل عملهم الجديدة بعناية، ويحفظون عبارات طلب المساعدة من قاموس التضامن والتعاطف بين شرائح المجتمع، غير أنه حين تكشف لعبتهم يتحولون إلى قطاع طرق. يختارون الأماكن التي لا يتردد عليها الأشخاص أنفسهم إلا لماما، كي لا تنكشف لعبتهم، وكي لا يصادفوا الشخص نفسه مرتين، وحين تنكشف لعبتهم يغيرون الأماكن، بحثا عن أخرى لم تصبح فيها وجوههم مألوفة، كباقي المتسولين الذين يعتمدون الطرق القديمة، طرق في الاستجداء والتوسل، لطلب المساعدة. ض.ز

التسول… الحاجة أم الاحتيال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الإفراغ من المنزل" الحل الجاهز

عموري: عقد اتصالات المغرب مخجل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات