حكايات مقاوم يهودي5

مذبحة في صهريج الصواني المكناسيون كسبوا ود الضباط وانتقموا من المعمرين بقتلهم غرقا كان لقاء بحاييم طوليدانو صدفة بمكناس، أثارنا محله التجاري بحمرية، الذي حوله إلى معرض للصور تؤرخ مسارا طويلا من حياته، صور هناك مع الملك الراحل الحسن الثاني وقربها صور حديثة مع الملك محمد السادس، وأخرى مع مسؤولين في الدولة، منهم من غادروا إلى دار البقاء، منتشرة هنا وهناك. هذا الكم من الصور، كشف أن شيئا ما يخفيه هذا اليهودي المغربي حتى النخاع، الذي رفض الرحيل إلى إسرائيل، وفضل معاشرة أصدقائه أغلبهم مسلمون، في رسالة منه إلى نبذ العنصرية والطائفية.أتى السر من رفيق له، أخبرنا أنه قاوم الاستعمار الفرنسي.كان وقع الخبر مثيرا، بحكم أن الكتب والمرويات أرخت فقط لمغاربة مسلمين، وضعت بعضهم في رتب متقدمة.فكان لابد من استنطاقه، والحصول على أسراره وإن كانت قليلة، لأنها ستكون قيمة، لأنها تؤرخ لكيفية تعامل اليهود المغاربة مع الاستعمار الفرنسي، رغم أن البعض حاول اتهامهم بالعمالة مع الفرنسيين، وبرروا ذلك، أن أغلبهم هاجر المغرب بعد الاستقلال، لكن حياة حاييم طوليدانو كذبت هذه الشائعات، وأكدت أن المغاربة يهودا ومسلمين كانوا يدا واحدة ضد الاحتلال الفرنسي.لطفي إعداد: مصطفى لطفي كان الوضع في مكناس إبان الاستعمار الفرنسي، يختلف عن بعض المدن، التي دخل مقاوموها في معارك مع الأمن والجيش الفرنسي.مكناس شكلت القاعدة، كان العداء منصبا بشكل كبير على المعمرين الفرنسيين، خصوصا من استولوا على آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية الخصبة بالمنطقة، وصاروا يعاملون المواطنين عبيدا لهم، إذ يخيل للمرء أننا في حقبة الإقطاع.على نقيض المعمرين، حظي ضباط ومسؤولو السلطات الاستعمارية بمكناس باحترام المواطنين. كانت حالة فريدة في تاريخ المدينة. كان يشرف على شؤون المدينة وقتها "الكومندار" سيمونو"، الذي بمقر العمالة، وكان حاكم المدينة، يساعده ضباط كبار في الأمن، من قبيل "الكوميسير كاباروس" و"أنجليوتي" الذي سيصبح في ما بعد مراقبا عاما للأمن في الفترة الاستعمارية، وأيضا ضباط آخرون من قبيل "لاروك".اشتهر هؤلاء المسؤولون بحسن أخلاقهم، كانوا يتعاملون بلطف، وباحترام القانون تجاه المغاربة، لم يحسب لهم يوما أن أساؤوا لأحد، ما جعل شعبيتهم ترتفع ويحظون باحترام الجميع، وعلى رأسهم عناصر المقاومة بمكناس.كانت الكراهية متبادلة بين المغاربة والمعمرين، بسبب العنصرية والحقد اللذين يكنوهما لهم، لهذا تم في التخطيط للعمليات الفدائية، التركيز على تلقين المعمرين دروسا لن ينسوها، على أمل أن يعيدوا طريقة تعاملهم مع المغاربة، في حين كان يستبعد القيام بأي عمل عسكري ضد الأمن والجيش الفرنسي، حتى لا نخسر ثقة ضباطه، وبالتالي فتح جبهة جديدة، نحن في غنى عنها، وقد تكلفنا الكثير.التركيز على تنفيذ العمليات ضد المعمرين، كان له اعتبار آخر، فهو في نظرنا خلال الاجتماعات الرسية، هدفه الضغط على الحكومة الفرنسية للاستجابة لمطالبنا ومنحنا المزيد من الحرية وفي الوقت نفسه، منع تدفق المعمرين من فرنسا، فمكناس، كانت مطمع جميع الفرنسيين إلى جانب الدارالبيضاء، فقد لقبوها ب"باريس الصغيرة"، وبها خيرات فلاحية هائلة، طمع في استغلالها الجميع.ما زلت أتذكر أسماء بعض المعمرين الذين "سطوا" على خيرات المدينة، كان أشهرهم المعمر "دولاغارد"، يملك خمسة آلاف هكتار من الأراضي الفلاحية، كان قبيحا وسيئا ويعامل المغاربة عبيدا، يعلمون طول النهار مقابل أجرة زهيدة، وإن أبدى أحدهم اعتراضا أو مقاومة يلقى به في السجن.كان هناك أيضا " دو جاردن"، و"جاك دوليبانو" ومعمرون كثيرون، أحدهم كان يملك لوحده أزيد من 20 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية، رقم مخيف حقا.بالإضافة إلى استغلال المعمرين، كان ممنوعا على المغاربة الفقراء، يهودا ومسلمين، التجول في أحياء المدينة العصرية حمرية، إذ كان يشترط فيهم أن ينتموا إلى الطبقات الغنية والراقية وأن يرتدوا أزياء فاخرة، وإلا سيتعرضون للاحتقار والإهانة، هذا الموقف جعل المغاربة يهودا ومسلمين يكتمون غضبهم، إلى أن جاء يوم الانتقام منهم بشكل مثير.ولهذه الأسباب كاملة، قرر المقاومون تلقين المعمرين درسا لا ينسوه أبدا، إذ سينفذون عملية نوعية بصهريح الصواني بالمدينة. كان صالح الذي يشتغل لدي في محطة البنزين من الذين سيشاركون في هذه العملية.كان كل يوم يتوجه إلى هذه المعلمة التاريخية، ويظل يراقب تحركات المعمرين الفرنسيين وعددهم، ويقيم الحضور الأمني. تم التخطيط في هذه العملية، أن تتم بدون قنابل أو أسلحة، لتفادي اكتشاف الأمر من قبل السلطات الاستعمارية، خصوصا أنها كانت تفرض رقابة صارمة على زوارها المغاربة.يوم العملية، نجح صالح ومجموعة من المقاومين في شل حركة المعمرين ورميهم في مياه الصهريج العميقة، إذ لقي أزيد من ثمانية معمرين مصرعهم غرقا، عمت الفوضى والصراخ والعويل، وفر الفرنسيون من المكان، وطوق الأمن الفرنسي والجيش المعلمة التاريخية لإيقاف المتورطين فيها لكن دون نتيجة.تلقى الفرنسيون صفعة قوية، اعتبر يوما أسود بمكناس. شهدت المدينة استنفارا أمنيا وعسكريا بعد الحادث. تعرض المغاربة لاعتقالات عشوائية، وصلت إلى حد الانتقام من بعضهم، وإن لم يكن له يد في هذه العملية.

حكايات مقاوم يهودي5

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

درس ملكي لـ"صاحبة الجلالة"

ذئاب بشرية تغتال براءة الطفولة 3

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات