أمهات المعتقلين بسطات … حنين ومعاناة

ينخرطن في بكاء جماعي رغم اختلاف القضايا التي توبع فيها أبناؤهن حركة غير عادية تشهدها محكمة الاستئناف بسطات، فاليوم خميس، وهو مخصص كالعادة لملفات الجنايات الابتدائية، والجنح المستأنفة. محيط المحكمة تحول إلى محج للمتقاضين والمحامين، والفضوليين أيضا. وحتى مع فتح أبواب المحكمة لا يبدوا بأن قلة قليلة من النسوة اهتممن بالموضوع، فأعينهن شاخصة في اتجاه شارع الحسن الثاني ولسان حالهن يقول متى يصلون. رغم الاختناق المروري الذي يعرفه شارع الحسن الثاني بسطات على مستوى الحي الإداري بالمدخل الشمالي للمدينة، تخترق حافلة نقل السجناء موكب السيارات بسرعة فائقة نحو باب حظيرة السيارات الخاصة بالمحكمة، ولا يبدوا بأن مزاج سائقها يسمح له بالتغاضي عن كسل بعض سائقي السيارات والدراجات ثلاثية العجلات، فغالبا ما يخرج رأسه من النافذة ويرمقهم بنظرة قاسية متبوعة بكلمات عنيفة تطالبهم بفسح المجال، بالنسبة إلى سائق حافلة نقل السجناء، حمولته لا تحتمل أي تأخير أو مماطلة في الطريق، وهو ما يجعله يتنفس الصعداء حال دخوله حظيرة سيارات المحكمة، فذلك يعني عمليا انتهاء جزء رئيسي من مهمته القاضية بنقل المعتقلين إلى مقر المحكمة.على البوابة الرئيسية لحظيرة المحكمة، ترتفع حرارة الانتظار لدى بعض أمهات المعتقلين ممن اخترن انتظار حلول الحافلة من أجل إلقاء نظرة وربما تبادل كلمة مع قريب أو ابن. ورغم أن زمن سرقة نظرة لا يتعدى ثوان، فإن لها مفعول السحر على وجوههن، تتحدث (السعدية. ر) "للصباح" بكلمات مخنوقة " لم أنم البارحة في انتظار لحظة إلقاء نظرة على فلذة كبدي، وحضرت منذ السادسة من حد السوالم (70 كيلومترا عن سطات) وانتظرت أمام الباب لأحظى بهذه الفرصة". إجراءات صارمة في استقبال المعتقلين داخل حظيرة السيارات بمحكمة الاستئناف بسطات، توقفت حافلة نقل السجناء أمام باب خلفي مؤدي إلى الطابق تحت أرضي المخصص ل"قضاء التحقيق" وجزء منه مخصص لوضع المعتقلين داخل زنازين معدة لهذا الغرض، يحرص رجال الأمن بيقظة واضحة على تسجيل كل صغيرة وكبيرة، بدءا من التأكد من هوية المعتقلين ليتم توزيعهم على ثلاثة عنابر، أحدها مخصص للمعتقلين الذين ينتظرون محاكمتهم بجنايات سطات، والثانية مخصصة لمعتقلين يتم عرضهم على قضاة التحقيق، أو النيابة العامة، فيما الثالث يختص بالسجناء الذين تنظر في ملفاتهم المحكمة الابتدائية غير البعيدة مقرها عن محكمة الاستئناف.صخب وترقب في قبو المحكمةعكس الأجواء خارج المحكمة لدى الأهالي والتي تتسم بالترقب والخوف والبكاء في أحيان عديدة، يصنع المعتقلون جوهم الخاص، وينخرطون في أحاديث لا تنتهي حول كل المواضيع التي قد تتبادر إلى الأذهان، وبين الفينة والأخرى تسمع ضحكات مجلجلة تخترق الهدوء الذي يكون عليه الطابق تحت أرضي للمحكمة في غالب الأحيان، ما يدفع الأمنيين المكلفين بالحراسة إلى نهر أصحابها و مطالبتهم بالتزام الهدوء والاحترام.ومع مرور الوقت وانطلاق الجلسة، وبداية استدعاء المعتقلين للوقوف أمام قفص الاتهام، تبدأ الأجواء في التقلب ويسود الترقب والهدوء، وترتفع دقات القلوب، وينخرط العديد في إعادة تقليب سيناريوهات محتملة لجلسة محاكمته."القانون واضح حول منع زيارة المعتقلين داخل المحكمة، أو إدخال أي مواد إليهم"، هي جمل لا يمل من ترديدها رجال الأمن المكلفون بالحراسة عشرات المرات في اليوم، رغم استعطاف وتوسلات ودموع العديد من الأمهات، فالمسألة تتعلق بعهدة بالنسبة إلى الأمنيين لا ينبغي تجاوز القانون ولو قيد أنملة حولها، وهو ما يفسر الصرامة التي ترسم على ملامحهم عند كل محاولة من هذا القبيل. فتستسلم العائلات في نهاية المطاف إلى الأمر الواقع وتحاول احتلال أماكن داخل القاعة تمكنها من التطلع في وجه أبنائها عند دخولهم قفص الاتهام، والتلويح بالتحية لدى مغادرتهم القاعة. لحظات بمشاعر متناقضة"لعوينة" شاب بالكاد أنهى عقده الثاني، يحضر لجلسة اليوم متابعا في حالة سراح في ملف جنائي، من خلال حديث جانبي مع "لعوينة" يخبرنا بأنه أكمل منذ أشهر قليلة عقوبة حبسية مدتها سنتين، يخبرنا الشاب بكثير من التفاخر وقليل من اللامبالاة، أن اليوم الذي يتم نقل المعتقل فيه إلى المحكمة يوم عيد، فهي مناسبة كي يلقي نظرة على العائلة وعلى "السيفيل" وما تغير فيه، لذلك فالاستعدادات لليوم تنطلق ليلة قبله من خلال الاغتسال وتهييئ ملابس نظيفة ..." وبخصوص الخوف من الحكم يخبرنا "العوينة" بأنه يكون حاضرا، لكن أغلب الحالات تكون على بينة بفترة المحكومية التي ستنالها من خلال "ناس الخبرة داخل الحبس" ويطلق ضحكة مجلجلة ويضيف " عشيري ما كاينش شي واحد لي كا يقدر يثقل على دارهم فالمحكمة مني يشوفوه مهموم وخايف، خاص بنادم يكون راجل ويتحمل المسؤولية ديالو بالرجولة، أو يبين لدارهم بأنو عايش بيخير، أو أنو أهم حاجة هي البانوار ما يتعطلش". صخب في الحافلة وعويل على الإسفلتفي حدود الخامسة مساء تدلف هيأة المحكمة لقاعة الجلسات، وينادي رئيسها على المتهمين، وما إن يقف أمامه أحدهم حتى يخبره بالحكم الذي استقر رأي الهيأة عليه. لا يبدو من ملامح المتهم بأنه استوعب الحكم في حينه، لكن أصواتا من القاعة ترتفع بالنحيب ليضطر رجال الأمن إلى إخراج مصدريها من القاعة، وبعد رفع الجلسة مباشرة تتحول باحة المحكمة والساحة المقابلة لبوابتها الرئيسية إلى فوضى عارمة يختلط فيها البكاء بالنحيب والصراخ، وفي بعض الأحياء بالإغماء، تنخرط أمهات في بكاء جماعي رغم أن القضايا التي توبع فيها أبناؤهن ليست نفسها، حتى أنه لا سابق معرفة بينهن، لكن في تلك اللحظات ما يوحدهن ويقربهن من بعضهن هو ما أسمته ربيعة، "الكبدة المحروقة على الأبناء". دقائق بعد ذلك تخرج حافلة نقل المعتقلين من المحكمة في طريق العودة إلى السجن، يتشبث المعتقلون بشبابيك النوافذ القريبة منهم من أجل زاوية نظر أفضل لما يجري بمحيطهم، بسرعة تتجاوز الحافلة مشاهد نساء مكلومات، فيتفرغ المعتقلون لمتعة لم تنسهم المشاهد الأخيرة فيها، وهي معاكسة المارة، ومحاولة البحث بأعينهم عما تغير في حياة "السيفيل".هشام الأزهري (سطات)تعليق الصورة

أمهات المعتقلين بسطات … حنين ومعاناة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إدانة متهم بإضرم النار بمريرت

سرقة تجهيزات دار الشباب بابن سليمان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات