المتاجر الكبرى تفرض التطور على “مول الحانوت”

أكد الحسين أكو، الأستاذ الباحث بكلية الاقتصاد والتدبير بكلميم، أن المتاجر الكبرى في الأحياء السكنية تسهم في تنشيط بعض جوانب الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل وتنويع العرض، وأضاف في حوار مع «الصباح» أنه يمكن تصور نمط من التوازن بين المتاجر الكبرى والتجار الصغار، من خلال تعزيز قدراتهم ورفع كفاءاتهم عبر التكوين المستمر وتشجيع العمل التعاوني، الذي يعزز قدرتهم التفاوضية والتسويقية، وإنشاء شبكات محلية للتسويق والتوزيع. وفي ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عبد الجليل شاهي (أكادير) كيف ترون تأثير انتشار المتاجر الكبرى في الأحياء السكنية على الاقتصاد المحلي؟ > قبل الإجابة، من الضروري أولا استعراض سياق ظهور المتاجر الكبرى في ظل العولمة، وما رافقه من تمدد للرأسمال الكبير، الأمر الذي أدى إلى منافسة شديدة بل وهجوم مباشر على محلات البقالة التقليدية، التي كانت تلعب لسنوات طويلة دورا حيويا في خدمة المجتمع المحلي، وفي هذا السياق، فإن انتشار المتاجر الكبرى في الأحياء السكنية له تأثير مزدوج، فمن جهة، يسهم في تنشيط بعض جوانب الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل وتنويع العرض، لكن من جهة أخرى، قد يؤدي إلى إضعاف النسيج الاقتصادي المحلي التقليدي، خاصة محلات البقالة الصغيرة التي تشكل ركيزة للاقتصاد الاجتماعي المحلي، بحيث يذهب جزء من رقم المعاملات إلى المتاجر الكبرى، مما يؤدي إلى صعوبة استمرارية هذه المحلات. هل ترون أن هذه المتاجر تؤثر سلبا على المحلات الصغيرة، أم أن هناك فرصا للتعايش والتكامل بينهما؟ > يلاحظ تأثير سلبي ملموس لتوسع المتاجر الكبرى، خاصة في ما يتعلق بالمنافسة حول السعر، ويزداد هذا التأثير حدة بالنسبة إلى التجار الذين لا يواكبون التغيرات ولا يسعون لتجديد أساليب عملهم أو تطوير نماذجهم التجارية. ومع ذلك، لا يعني هذا أن فرص التعايش معدومة، بل يمكن تصور نمط من التوازن إذا تم تعزيز قدرات التجار الصغار عبر آليات واضحة، من بينها التكوين المستمر لرفع كفاءاتهم، وتشجيع العمل التعاوني الذي يعزز قدرتهم التفاوضية والتسويقية، إلى جانب إنشاء شبكات محلية للتسويق والتوزيع، تمكنهم من الاستفادة من الموارد المشتركة، وتوسيع قاعدة زبائنهم، دون المساس بطابعهم المحلي والإنساني. كما أن المكان الطبيعي لهذه المتاجر الكبرى ينبغي أن يكون خارج الأحياء الشعبية، حفاظا على التوازن الاقتصادي، وصونا لمكانة التجار الصغار الذين يشكلون ركيزة أساسية في الاقتصاد المحلي والتماسك الاجتماعي. ما هي أبرز الفروقات الاقتصادية بين نموذج المتجر الكبير و»مول الحانوت»؟ > تستفيد المتاجر الكبرى من اقتصاد الحجم، مما يمكنها من تقديم أسعار أقل، بالإضافة إلى تنوع واسع في المنتجات يفوق ما توفره محلات البقالة التقليدية، كما أن التكوين الذي تقدمه هذه الشركات لموظفيها يساهم في تحسين جودة الخدمة المقدمة للزبائن، ومع ذلك، يظل «مول الحانوت» يحتفظ بعنصر إنساني مهم يتمثل في العلاقة الشخصية والأجواء الودية التي يصعب على المتاجر الكبرى محاكاتها، وتجدر الإشارة إلى أن الأسعار، في بعض الأحياء، تظل متقاربة بين المتاجر الكبرى و»مول الحانوت»، مما يجعل الاختيار بينهما مرتبطا بعوامل تتجاوز السعر، مثل نوعية الخدمة والقرب الإنساني. ما هي التحديات التي تواجه أصحاب محلات البقالة بسبب انتشار المتاجر الكبرى؟ > تواجه المحلات التجارية الصغيرة مجموعة من التحديات التي تعيق قدرتها على المنافسة والاستمرار، من أبرز هذه الصعوبات صعوبة مجاراة المتاجر الكبرى في الأسعار، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الكراء واليد العاملة وتكاليف الحياة بشكل عام، مما يثقل كاهل هذه المحلات بمصاريف ثابتة مرتفعة، كما يعاني العديد منها من انخفاض رقم المعاملات السنوي، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على الاستمرار، وتضاف إلى ذلك محدودية التكوين في مجالات أساسية مثل التسويق وإدارة المخزون والتعامل مع الأزمات، وهو ما ينعكس سلبا على فعاليتها التجارية. كيف يمكن لأصحاب المحلات الصغيرة التفوق على جاذبية المتاجر الكبرى؟ > لضمان استمرارية المحلات الصغيرة وتعزيز قدرتها التنافسية، يمكن اعتماد مجموعة من الإستراتيجيات الفعالة، أولا، يعد تبني مبدأ القرب والتعامل الإنساني مع الزبائن من أهم نقاط القوة التي يجب الحفاظ عليها وتطويرها، إذ يكون هذا البعد علاقة ثقة ووفاء بين التاجر والمستهلك، كما أن تحسين جودة الخدمات وتطوير العرض بما يلبي حاجات الزبائن المتغيرة يعد ضرورة ملحة. من جهة أخرى، يمكن أن يمثل التحول الرقمي فرصة حقيقية، وذلك من خلال التسويق المحلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بالمنتجات والعروض وجذب الزبائن. وأخيرا، يعد الانخراط في تعاونيات أو جمعيات مهنية خطوة مهمة لتحسين شروط الشراء والتفاوض مع المزودين، مما سيمكن التجار الصغار من تقليل التكاليف ورفع هامش الربح، وبالتالي تعزيز القدرة على المنافسة في سوق متحول. هل يفضل المستهلك التسوق السريع بسبب العروض؟ > بلا شك، التسوق السريع والعروض الترويجية عامل جذب قوي، لكن في المقابل، هناك من يبحث عن الثقة والمرونة في الدفع والجو العائلي، وهذه عناصر قوة يمكن أن يستغلها «مول الحانوت». ما هي السياسات الاقتصادية التي يمكن أن تساعد محلات البقالة؟ > لضمان ديمومة المحلات الصغيرة وتعزيز مكانتها في النسيج الاقتصادي، يصبح من الضروري أن تلعب الدولة دورا فاعلا في دعم هذه الفئة، ويعد التكوين المستمر أحد أبرز محاور هذا الدعم، حيث يمكن أن يخول التجار الصغار اكتساب مهارات جديدة في مجالات التسويق، والتسيير، والرقمنة، وخدمة الزبائن، كما أن تشجيعهم على اعتماد الرقمنة والانخراط في العمل التعاوني عبر التعاونيات أو الشبكات المهنية من أجل الشراء الجماعي يمكن أن يحدث ديناميكية جديدة تسمح لهم بتحسين شروط التفاوض والشراء وتطوير العرض التجاري، كما يقترح أيضا إحداث صناديق تمويل مصغرة موجهة خصيصا لتطوير وتأهيل المحلات الصغيرة، سواء من حيث التجهيز، التحديث أو التوسع. وأخيرا، يعد إدماج هؤلاء التجار في برامج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني خطوة مهمة لضمان استدامة مشاريعهم، بما يضمن لهم إطارا قانونيا ومؤسساتيا داعما، ويسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية داخل الأحياء والمجتمعات المحلية. كيف يمكن لـ «مول الحانوت» التكيف مع هذا التغير؟ > من خلال الانخراط في العمل التعاوني وتشكيل شبكات اقتصادية محلية، يمكن للتجار الصغار تعزيز قدرتهم التفاوضية وتحسين شروط عملهم، مما يتيح لهم فرصا أفضل للمنافسة والاستمرارية، كما يعد التحول الرقمي خطوة ضرورية في هذا السياق، من خلال اعتماد حلول تقنية حديثة لتسيير المحلات، إدارة المخزون، والتواصل الفعال مع الزبائن عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، وإلى جانب ذلك، يظل التكوين المستمر عاملا حاسما، خصوصا في مجالات الإدارة، التسويق، والعلاقات مع الزبائن، حيث يساهم في تطوير كفاءات التاجر ويعزز من جودة الخدمة المقدمة، مما ينعكس إيجابا على ثقة الزبون ورضاه، كما أن «مول الحانوت» يلعب دورا أساسيا في الحفاظ على التماسك الاجتماعي داخل الأحياء. لقد ظل التاجر الصغير حاضرا في تفاصيل الحياة اليومية للسكان، مؤمنا القرب، والثقة، والدعم في أوقات الحاجة. في سطور: - استاذ باحث بكلية الاقتصاد والتدبير بكلميم - حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد - ماستر في تدبير الأنظمة المعلوماتية - منسق ماستر المحاسبة والمراجعة والرقابة - خبير في المقاولة والاقتصاد الاجتماعي والتضامني

المتاجر الكبرى تفرض التطور على “مول الحانوت”

الحسين أكو أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن زهر قال إن المستهلك ينجذب للتسوق السريع والعروض الترويجية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

توقيت موحد لمباريات الهواة

الداخلية‭ ‬تحصي‭ ‬رخص‭ ‬استغلال‭ ‬النفوذ

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات