النصب بالإحسان … اللعب على المشاعر

يغتنم المحتالون تسابق أصحاب القلوب الرحيمة إلى فعل الخير والإحسان، لتنفيذ حيلهم، مستغلين عاطفة المحسنين وتدفق النية الطيبة لمساعدة المحتاجين، باحترافية بارعة، إذ يبتكرون أساليب جديدة ومتنوعة لاستدراج التبرعات، متظاهرين بحاجات مزيفة، سواء عبر التسول في الأزقة والشوارع أو عبر مقاطع فيديو مؤثرة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتأثر مشاعر الناس وتغمرهم الرغبة في العطاء. هؤلاء المجرمون يعرفون تماما كيف يستغلون المناسبات فيحققون مكاسب ضخمة في وقت قياسي. وبينما يتوهم المحسنون أنهم يساهمون في مساعدة الفقراء والمحتاجين، فإن أساليب المحتالين تمتد طيلة العام، مستمرين في استغلال حسن النية في مناسبات متعددة، تاركين خلفهم سلسلة من الضحايا الذين يكتوون بنار الخداع، في كل فرصة تتاح لهم. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) أصبح جمع التبرعات تحت ستار "الإحسان العمومي" وسيلة يتخذها بعض الأشخاص للانخراط في ممارسات "النصب والاحتيال"، وعلى الرغم من النوايا الطيبة التي يحملها العديد من المتبرعين، إلا أن هناك من يستغلون هذه المبادرات لأغراض ربحية، متاجرين في مآسي الآخرين. وتتزايد هذه العمليات بشكل ملحوظ في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان، حيث تظهر بين الفينة والأخرى شبكات تستغل مشاعر التكافل الاجتماعي وحسن النية لدى المواطنين المغاربة لتحقيق مصالح شخصية.وفي هذا السياق، اعترف العديد من الفعاليات الجمعوية والحقوقية بأن عملية جمع التبرعات وتوزيع المساعدات قد شهدت العديد من الاختلالات والفوضى، ما أدى إلى انحرافها عن أهدافها النبيلة، وأضحت تستغل من قبل عديمي الضمير الذين يتخذون من هذه المبادرات سبيلا لتحقيق مكاسب شخصية على حساب معاناة الآخرين. محترفو الاحتيال الرقمي تنشط شبكة من المحتالين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تتخصص في استغلال الحالات الاجتماعية المأساوية من أجل جمع تبرعات مالية عبر استغلال مشاعر المحسنين. يبدأ هؤلاء النصابون بتصوير مقاطع فيديو تروج لتلك الحالات، مطالبين المحسنين بمد يد العون والمساعدة، وتقوم الشبكة بتوسيع دائرة انتشار هذه المقاطع، بهدف الوصول إلى أوسع شريحة من المتبرعين. ويعمد هؤلاء المحتالون إلى استهداف فئات اجتماعية معينة، إذ يختارون أسرا فقيرة تعيش في مناطق نائية، ويتنكرون في صورة فاعلين جمعويين يدعون أنهم يعملون مع جمعيات دولية تقدم مساعدات للفئات المحتاجة. يقنعون تلك الأسر بتسجيل مقاطع فيديو تعرض فيها أوضاعها الصعبة، على أن يتم إرسالها إلى الجمعيات الإنسانية للحصول على الدعم المالي، ليقوموا لاحقا بنشر هذه الفيديوهات على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يستخدمون تقنيات متطورة لضمان وصول تلك المقاطع إلى الجهات المستهدفة، التي تسارع إلى التواصل مع الشبكة للحصول على مزيد من التفاصيل حول الأشخاص الذين يظهرون في الفيديوهات، قبل أن يطلبوا منهم تقديم معلوماتهم الشخصية لإتمام التحويلات المالية التي يقومون بالاستيلاء عليها. وتستهدف هذه الشبكة، في المقام الأول، المغاربة المقيمين في الخارج، الذين غالبا ما يتفاعلون بسرعة مع تلك الحالات الإنسانية، كما يلجأ أفراد الشبكة إلى فتح حسابات بنكية مؤقتة بأسماء الأشخاص المعوزين الذين تم تصويرهم في الفيديوهات، ويتم نشر بيانات هذه الحسابات لاستقبال التحويلات المالية. تظل الحسابات تحت سيطرة المحتالين الذين يسحبون الأموال المودعة فيها، ويقدمون جزءا ضئيلا منها للأشخاص المستفيدين، بينما يحتفظون بالقسم الأكبر من التبرعات لصالحهم الشخصي. وعادة ما يتم تصوير فيديوهات أخرى يظهر فيها المستفيدون وهم يشكرون المحسنين على مساعداتهم، مما يضفي على العملية مزيدا من المصداقية والتأثير العاطفي، وتحقق هذه الشبكات أرباحا ضخمة، خاصة في المناسبات سواء تعلق الأمر برمضان أو عيدي الفطر والأضحى والدخول المدرسي والأمور التي تخص علاج المرضى وغيرها من الأحداث التي يكون فيها الشخص في أمس الحاجة للمساعدة المالية، حيث يتزايد نشاطها وتدفق التبرعات. وتمكنت السلطات الأمنية من تفكيك بعض هذه الشبكات بعد أن تقدم أفراد من الجالية المغربية بالخارج بشكاوى تؤكد تعرضهم لعمليات نصب من جمعيات وهمية أو أشخاص ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم اكتشاف الخديعة عندما طلب المتضررون من بعض أقاربهم التواصل مع الأشخاص المعوزين الذين أرسلوا إليهم مساعدات، ليكتشفوا أن هؤلاء الأشخاص لم يتلقوا إلا جزءا بسيطا من الأموال التي تم جمعها باسمهم. تقنين التبرعات لمنع النصب كشف عبد الكريم الشافعي، نائب رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، أن وزارة الداخلية، خلال رمضان الذي انقضى قبل أيام، شددت على منع جمع التبرعات داخل المساجد من قبل الجميع، حتى بعض الأئمة الذين دأبوا على تنظيمها أثناء صلاة التراويح، كما تم منع الجمعيات من استغلال شهر رمضان لجمع التبرعات بدون سند قانوني، في خطوة تهدف إلى تقنين هذا النشاط وضمان الشفافية في تدبير الأموال الموجهة للأعمال الخيرية. وأضاف الشافعي أنه تم عقد لقاءات على مستوى العمالات والمقاطعات للوقوف على ظاهرة النصب والاحتيال واستغلال الإحسان العمومي، مشيرا إلى أن جمعية حماية المستهلك على الصعيد الوطني حضرت مجموعة من اللقاءات مع السلطات المحلية والإقليمية خلال هذا الشهر من أجل التوعية والتحسيس بضرورة الالتزام بالمرسوم الجديد المنظم لعمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات، ومنع أي استغلال محتمل للأموال التي يتم جمعها من العموم، كما شملت هذه المبادرات حتى الأفراد الذين كانوا يجمعون التبرعات بطرق غير رسمية داخل المساجد، مما يعكس توجها رسميا نحو ضبط سلوكات التبرع وإخضاعها لإطار قانوني صارم يمنع استغلالها لأغراض انتخابية أو دعائية، ويضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها في إطار من الشفافية والمشروعية، ووضع حد للفوضى التي كانت تطبع بعض عمليات التبرع، خصوصا في الفترات التي تعرف تزايدا في الطلب على المساعدات الإنسانية، مثل شهر رمضان. وأوضح الشافعي، أن مصادقة مجلس الحكومة على مشروع مرسوم يتعلق بجمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات الخيرية، ستنهي الفوضى وتضبط الإطار المنظم للعمليات الإحسانية، وملء الفراغ القانوني الذي يعرفه هذا التقليد المتجذر للتكافل والتضامن لدى المغاربة، كما يتناول النقص القانوني الحاصل في طرق جمع التبرعات وتوزيع المساعدات، ومساهمتها في العمل التنموي، فضلا عن عدم مواكبة هذا الإطار للتطورات التكنولوجية. كما يحدد شروطا دقيقة لهذا النشاط، من بينها الحصول على ترخيص مسبق، وتقديم تقارير محاسباتية مفصلة، بهدف تعزيز الشفافية وضمان المصداقية في العمل الخيري، وإخضاع جميع عمليات توزيع المساعدات لأغراض خيرية للتصريح المسبق لدى عامل العمالة أو الإقليم المزمع توزيعها في دائرة نفوذها الترابي. وأشار الشافعي إلى أن القانون يمنع دعوة العموم إلى التبرع، وكذا تنظيم عمليات جمع التبرعات أو توزيع المساعدات لتحقيق أهداف تجارية أو دعائية أو إشهارية أو انتخابية، أو من أجل الترويج لمنتجات أو سلع أو خدمات، وبقصد استغلال حالة شخص أو أكثر في وضعية هشة أو في حالة احتياج أو استغاثة، كما تمنع دعوة العموم للتبرع بهدف أداء غرامات أو مصاريف أو تعويضات صادرة بشأنها أحكام قضائية أو أداء ديون، كما تؤهل الإدارة عند الاقتضاء لتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لفائدة ضحايا الحروب أو الكوارث أو في إطار التضامن الوطني أو الدولي وفق الإجراءات التي تحددها. التسول لأغراض احتيالية أكد معاذ جرار، باحث في علوم الاجتماع، أن ظاهرة التسول تتفاقم في أكادير بشكل ملحوظ، حيث تشهد الأسواق والأحياء الشعبية، وأبواب المساجد تجمعات غير عادية للمتسولين، إذ أن ظاهرة التسول تأخذ منحى أكثر تعقيدا وخطورة، إذ تزداد حدتها بشكل خاص في المواسم الدينية والمحطات التي تشهد توافد المحسنين، مما يطرح تحديا اجتماعيا حقيقيا يتطلب وقفة حاسمة من المجتمع والسلطات. وأضاف جرار أن وتيرة التسول تزايدت بشكل غير مسبوق، وظهرت شبكات منظمة تستغل الطيبة الرمضانية وترفع منسوب العطف في المجتمع لأغراض غير مشروعة، إذ أن العديد من المتسولين لا يترددون في استخدام الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وسيلة للفت الانتباه وكسب تعاطف المحسنين، مما يعكس محاولات مرفوضة لاستغلال حساسية المجتمع تجاه هذه الفئات، هذه الممارسات لا تضر فقط بالصورة العامة للمدينة، بل تمثل تهديدا حقيقيا للثقة بين المواطنين والمجتمع. وكشف أن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها القيم الاجتماعية المرتبطة بالعطاء، التي تجعل الكثيرين يستغلون هذا الشهر الكريم للمطالبة بالصدقة والمساعدة، كما أن الضغوط الاقتصادية المتزايدة، مثل ارتفاع الأسعار وانتشار الفقر، ساهمت في زيادة أعداد المتسولين، ولا سيما من الفئات الأكثر هشاشة، مثل كبار السن والعائلات المفككة، هذا الوضع يستدعي تدخلا سريعا وفعالا للحد من هذه الظاهرة المقلقة. وأشار المتحدث نفسه إلى الحاجة الملحة لتطوير آليات قانونية واجتماعية لمكافحة استغلال الإحسان في عمليات التسول والنصب، مطالبا الخبراء والمراقبين بتعزيز الأنظمة المخصصة لدعم الفئات الهشة، مع وضع إستراتيجيات مراقبة فعالة، لضمان أن يصل العطاء إلى مستحقيه الفعليين، بعيدا عن استغلال الثغرات القانونية التي تفتح المجال أمام هذا النوع من الاحتيال. تشديد الرقابة كشف رشيد أمسكين، محام بهيأة أكادير، أن جمع التبرعات وتوزيع المساعدات على الناس لأغراض خيرية يخضعان للقانون الخاص بهذه العملية، مشيرا إلى أن المشرع بادر إلى تقنين هذه الأنشطة في 1971 بموجب القانون رقم 00.4.71 المتعلق بالالتماس العمومي، إذ عرفه في الفصل الأول منه بأنه، كل طلب موجه للعموم بهدف الحصول بواسطة ما على أموال أو أشياء أو منتجات تقدم بالكامل أو جزئيا لفائدة مشروع خيري، كما عمل المشرع على تنظيم مسطرة الالتماس والإحسان العمومي بمقتضى المرسوم رقم 2.04.970 الصادر بتاريخ 10 يناير 2005. وأضاف أمسكين، قائلا "إلا أن المقتضيات القانونية المشار إليها قد تم نسخها بموجب المادة 43 من القانون 18.18 الصادر بتاريخ 9 يناير 2023، الذي نظم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات للأغراض الخيرية، هذا القانون شدد بشكل كبير على عملية جمع التبرعات ووضع لها ضوابط صارمة، من أجل سد الباب أمام الاستغلال غير المشروع للإحسان العمومي لتحقيق مآرب شخصية أو التورط في النصب والاحتيال". وأورد المحامي بهيأة أكادير، أن المادة 7 من هذا القانون اشترطت الحصول على ترخيص من الإدارة، قبل دعوة العموم للتبرع، كما نص القانون على عقوبات زجرية في حال الإخلال بالمقتضيات القانونية، المتعلقة بتنظيم جمع التبرعات، حيث تشمل عقوبات مالية تتراوح بين 5 آلاف درهم و 50 ألفا على كل إخلال بأحكام هذا القانون، كما توعد مخالفي المادة 3 بغرامة تتراوح بين 50 ألف درهم و 100 ألف، بالإضافة إلى معاقبة أي مؤسسة صحفية أو إعلامية أو أي جهة أخرى تنشر أو تبث إعلانات تدعو العموم إلى التبرع جمع التبرعات بالمخالفة لأحكام هذا القانون بغرامة تتراوح بين 100 ألف درهم و500 ألف. واعتبر أمسكين أن استغلال الإحسان وجمع التبرعات لا يرتبطان دائما بجرائم النصب والاحتيال، بل قد يمتد في بعض الأحيان إلى قضايا الإرهاب والتطرف، كما أظهرت العديد من القضايا المعروضة على القضاء، حيث تبين أن بعض عمليات الإحسان والتبرعات كانت تهدف إلى المس بالنظام العام، كما يجب لفت الانتباه إلى أن الساحة الحالية لجمع التبرعات، أصبحت تشهد ازدهارا ملحوظا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا السياق، من الضروري أن يتدخل المشرع لتقنين استخدام هذه الوسائط، بما يتماشى مع المقتضيات القانونية، المشار إليها. التحقق قبل التبرع شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلا واسعا بعد تداول خبر مصادقة الحكومة على مشروع مرسوم، يتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، خلال شهر رمضان، وتعكس التعليقات المتنوعة لمستخدمي الفضاء الأزرق قلقا متزايدا من ظاهرة النصب والاحتيال، التي باتت تنتشر تحت مسمى الإحسان العمومي، حيث أشار العديد منهم إلى ضرورة التحلي بالوعي الكافي والتحقق من الجهات المعتمدة، قبل تقديم التبرعات. وأعرب إبراهيم عن أسفه قائلا: "من المؤسف أن نرى أشخاصا يستغلون الطيبة الرمضانية والنوايا الحسنة للنصب على الآخرين"، مضيفا أن هذا النوع من الاحتيال أصبح شائعا جدا، خاصة عبر الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وطالب الدولة بتشديد الرقابة على هذه العمليات. وأظهرت تعليقات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي دعما لجهود الحكومة في محاربة هذه الظاهرة، خاصة بعد تفكيك عصابة من خمسة أفراد يشتبه تورطهم في عملية احتيال على المتبرعين وجمع مبالغ مالية مهمة عبر هذه الأساليب الخادعة، وقد أكد المستخدمون على أهمية تشديد القوانين والصرامة في تطبيق المرسوم الجديد، لضمان عدم استغلال هذه الأنشطة لأغراض غير قانونية. وفي سياق متصل، شاركت نجاة تجربة شخصية مع النصب خلال رمضان، حيث قالت: "تعرضت شخصيا لمحاولة نصب من قبل شخص كان يدعي أنه في حاجة ماسة للعلاج، لحسن الحظ اكتشفت الأمر قبل أن أقدم له المال، ولكن هذا جعلني أكون أكثر حذرا في التعامل مع مثل هذه الحالات، كما دعا أعضاء مجموعة "فيسبوكية" إلى تكاثف الجهود بين الحكومة والمجتمع والمؤسسات المعنية لمواجهة ظاهرة جمع التبرعات وتوزيع المساعدات دون سند قانوني، خاصة في رمضان الذي يشهد تزايدا لهذه الأنشطة، وأكدوا على ضرورة العمل المشترك لضمان تفعيل الإجراءات القانونية وحماية المتبرعين من الوقوع ضحايا للمحتالين.

النصب بالإحسان … اللعب على المشاعر

استغلال حالات إنسانية ومناسبات لخداع المحسنين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحق في الدواء ... حكم "الفراقشية"

المادة 3 والبقرة المقدسة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات