التشريع المغربي متخلف عن الركب الحقوقي

قال محمد الهيني، المحامي بهيأة الرباط، والقاضي السابق، إن إعداد التشريع إذا كانت تتشارك فيه الحكومة في شكل "مشروع قانون" أو البرلمان في شكل "مقترح قانون"، مربوط بسياج المراقبة الدستورية، مضيفا في حوار مع "الصباح"، أن تجربة أكثر من 19 سنة أي قرابة العقدين من الزمن في تطبيق مدونة الأسرة كشفت عن عيوب كثيرة لا حصر لها من مظاهر اللامساواة والتمييز، مشيرا إلى أن متابعة المجتمع المدني ووسائل الإعلام لورش الصياغة، باعتبارها أجهزة رقابة مجتمعية من شأنها التنبيه لأي خلل أو تجاوز بنظرة انتقادية ووقائية تبتغي نجاعة مشروع المدونة وقدرته على الاستجابة لتطلعات المواطنين في مدونة متوازنة وفاعلة تحمي الأسرة والأطفال. وفي ما يلي نص الحوار: أجرت الحوار: كريمة مصلي بماذا تفسرون تكليف الملك لرئيس الحكومة بالإشراف على ورش إعداد مدونة الأسرة وصياغته في إطار مشروع قانون؟ > إن مخاطبة الملك لرئيس الحكومة بخصوص ورش إعداد مدونة الأسرة وصياغته باعتباره مشروع قانون، تثبت أن الملك يعتبر المشروع مشروعا مجتمعيا وقد ارتأى نظره السديد العمل على تفعيل دور جميع السلطات الدستورية في هذا الشأن تطبيقا لعدة مقتضيات دستورية منها الفصل الأول من الدستور الذي يعتبر نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، مع التأكيد على مبدأ فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، مما يفسر أن الرسالة الملكية حرصت على مراعاة بعد المشاركة الجماعية والموسعة في الإصلاح. ومن المهم الإشارة إلى أن الملك كان يمكنه وفقا للفصل 41 من الدستور بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن للحقوق والحريات واستنادا لصلاحياته الدينية الحصرية تولي مسألة إعادة النظر في مدونة الأسرة في شكل ظهير، لكن الملك إيمانا منه بدولة المؤسسات اتجهت إرادته لتكليف رئيس الحكومة بقيادة المشروع، نوعا من الثقة في رئاسة الحكومة كشخص وسلطة تنظيمية، مادام أن المشروع سيعرض بعد الانتهاء منه على الملك وإحالته في شكل مشروع قانون على البرلمان. تراجعت الحكومة في آخر لحظة عن فكرة عرض المدونة أمام البرلمان، بماذا تفسرون ذلك؟ > اعتبر أن الأمر لا يتعلق بتاتا بتراجع بقدر ما هو أخذ الوقت الكافي للصياغة التشريعية لأنها هي عصب أي تشريع، وهذا عمل الخبراء، وهو أمر ليس بالهين، باعتبار أن الصياغة تتطلب تدقيقات والاهتمام بالجزئيات والتنزيل السليم لأهداف الإصلاح، فالحكم على أهمية أهداف الإصلاح رغم أهميتها وقيمتها لن يكتمل بدون صياغة واضحة يفهمها الجميع لتفادي أي تأويل قد يعصف بالإصلاح، وبالتالي فمعركة الصياغة هي معركة عظيمة وهي لب الإصلاح وجوهره وغايته، لتسهيل مهمة القضاء والدفاع وتبسيط فهم القانون والولوجية للمواطنين بأن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وعلى الجميع الامتثال له. هل من شروط دستورية لعمل الصياغة التشريعية؟ > إن عمل إعداد التشريع إذا كانت تشارك فيه الحكومة في شكل "مشروع قانون" أو البرلمان في شكل "مقترح قانون" فإن هذا العمل مربوط بسياج المراقبة الدستورية، وقد سبق للمحكمة الدستورية أن وضعت في إطار رقابتها مجموعة من قواعد الصياغة التشريعية، كلها أجمعت على ضرورة مراعاة متطلبات تسهيل الولوج للقانون ومقروئيته ووضوحه وانسجامه تفاديا لتضارب تأويل مقتضياته وتعطيل نفاذ مضامينه وحسن تطبيقه، وهي ضمانات ذات قيمة دستورية. ونتوق إلى ضرورة مراعاة لجنة الخبراء، سواء الحكومية أو المتعلقة بالمؤسسة التشريعية لهذه القواعد وتنزيلها على مستوى الصياغة، وأتمنى شخصيا بصفتي رجل قانون أن تتم إحالة تعديلات مراجعة مدونة الأسرة بعد المصادقة التشريعية على المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريتها، لأن الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي يخص مصائر المغاربة، ومن العدل والقانون، كما تمت احالته على المجلس العلمي الأعلى، إحالته أيضا على المحكمة الدستورية تعبيرا عن دولة المؤسسات والحق والقانون، لأن المحكمة الدستورية، هي سياج ضامن للحقوق والحريات وعنوان سيادة القانون والأمن التشريعي. مراعاة ضوابط الصياغة التشريعية أثار رد فعل الحكومة تخوفات من المجتمع المدني بشأن الاستحواذ على صياغة نصوص القانون، هل يشكل الأمر خللا؟ > أعتقد أنه لا مجال للتخوف مادام أن مبادئ الإصلاح باتت معروفة بعد النظر السامي فيها، ومما لاشك فيه فإن متابعة الملك لهذا الورش الوطني والحقوقي الكبير لازال مستمرا باعتبار مكانة جلالته في الوضع الدستوري لبلادنا. ويمكن اعتبار أن الالتزام بأهداف الإصلاح ومراعاة ضوابط الصياغة التشريعية بأن تكون منسجمة وواضحة، من شأنهما التخفيف أو إزالة أي تخوف قد يكون مشروعا في بعض جوانبه المتصلة بالغيرة الوطنية والحقوقية، لأن الأمر يتعلق بالأسرة باعتبارها قاطرة للمجتمع والتنمية. كما أن متابعة المجتمع المدني والحقوقي ووسائل الإعلام لورش الصياغة، باعتبارها أجهزة رقابة مجتمعية، من شأنها التنبيه لأي خلل أو تجاوز بنظرة انتقادية ووقائية تبتغي نجاعة مشروع المدونة وقدرته على الاستجابة لتطلعات المواطنين في مدونة متوازنة وفاعلة تحمي الأسرة والأطفال. تصحيح عيوب المدونة مغالطات كثيرة تروج بشأن مشروع التعديلات المقترحة على بنود مدونة الأسرة، إلا م يعزى ذلك؟ > الحقيقة أن الدعوة للتواصل مع المواطنين حول ورش إصلاح مدونة الأسرة وإطلاعهم على بنوده، مسألة في غاية الأهمية والمشروعية الدستورية حتى لا تتم مفاجأتهم بمقتضيات لا يعرفون عنها شيئا، فالإعلام والإخبار ركن أصيل في الشفافية، بما يضمن مقروئية القانون وعلم المواطنين به ومشاركتهم في إعداده وصياغته ونقده لضمان أمن قانوني، لكن هناك فئة قليلة عن علم أو عن غير علم حولت بعض مواده مادة للسخرية أو الاستهزاء أو التعجب أو الاستنكار، وتلكم من نتائج حرية التعبير بصرف النظر عن أهداف كل شخص ونيته، ومع ذلك فالأمر ليس ظاهرة مقلقة وإنما أعتبرها شخصيا ظاهرة يمكن استغلالها فنيا بشكل صحيح يخدم المشروع إن صلحت النوايا، لأنه كم من عمل فني ساهم في إصلاح القوانين ومراجعتها بشكل أمثل. أثارت مسألة النفقة والحضانة وزواج المطلقة إشكالات عديدة، إلى أي حد يمكن اعتبار الأمر حق الطفل أم عبئا على الأب؟ > الحقيقة أن هذه المواضيع، هي التي استأثرت باهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام، والنقاش بشأنها أعتبره شخصيا ظاهرة صحية، لأن النصوص الحالية تعتبر متخلفة بكل المقاييس الحقوقية والوطنية والدولية، ويمكن الاعتراف أن لجنة الإعداد كانت موفقة الى حد كبير بخصوصها لحد إحداث ثورة في الموضوع . ونؤكد هنا أن تجربة أكثر من 19 سنة، أي قرابة العقدين من الزمن في تطبيق مدونة الأسرة، كشفت عن عيوب كثيرة لا حصر لها من مظاهر اللامساواة والتمييز، ويمكن التدليل على ذلك بداية بفرض النفقة وتوابعها على الزوج دون الزوجة ولو كانت غنية أو موظفة أو مستخدمة، أي لها دخل دون اقتسام نفقات ومصاريف العائلة والأبناء، في المقابل جعل الولاية الشرعية للأب ولا يمكن تخويلها للأم إلا في حال فقد الأب أو انعدام أهليته أو وفاته. ويتعين التأكيد أن التشريع المغربي متخلف عن الركب الحقوقي وطنيا ودوليا، لأنه يتضمن تمييزا غير مقبول يمس بمبادئ المساواة بين الزوجين، لأنه لا يعقل أن تكون المسؤولية مشتركة بين الزوجين في تسيير شؤون البيت والأطفال، حسب الفقرة الثالثة من المادة 51 من مدونة الأسرة، وفي المقابل إحداث تمييز غير مقبول في النيابة الشرعية، حسب المادة 233 وما بعدها من المدونة نفسها، لذلك حان الوقت لرفع هذا التمييز، وفقا لما نادى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من إعادة النظر في مدونة الأسرة، وجعل الولاية مشتركة وعلى قدم المساواة بين الزوجين حال قيام الزوجية، وفي حال انتهائها تخويلها لمن له حق الحضانة، مع تمكين القضاء في جميع الحالات مهمة الفصل عند وجود أي تنازع تحقيقا للمصلحة الفضلى للمحجور، لأنه لا يعقل أن يتوقف إنجاز جواز السفر للأبناء أو تسجيلهم بالمدرسة أو نقلهم على موافقة الأب. يجب الفصل بين زواج المطلقة والحضانة زواج المرأة المطلقة حق من حقوق الإنسان، شأنها شأن الرجل، ولا يعقل أن نسمح للزوج المطلق بالزواج دون قيد أو شرط، وفي المقابل نقيد زواج المرأة المطلقة بقيود تتعلق بالحضانة،وكأنها ناقصة الأهلية،إنه ابتزاز تشريعي غير مقبول وغير إنساني، فيجب فصل أي علاقة بين زواج المرأة والحضانة، وفي الآن نفسه لا يجب تغليط البسطاء من المواطنين بإحداث ابتزاز آخر وهو إسقاط نفقة المحضون مقابل الزواج، كما سمعته من وزير سابق لا يفقه شيئا، وكأن الابن ابن خاص لأبيه دون أمه وكأن الطلاق جريمة والمرأة والمحضون عليهما التضحية والمخاطرة والتنازل عن حقوقهما الآدمية والإنسانية . والطريف والمبكي للأسف، هو تلكم الضجة التي أحدثها بعض ضعاف العقول والنفوس على اختلاف مشاربهم وثقافتهم، بزعم أن الزوج الجديد سيعيش على نفقة ابن الزوج المطلق وسكنه أو مقابله، وكأن الهدف من الزواج بالمرأة المطلقة حق من حقوقها هو النفقة، ولكن الحقيقة أنهم يعادون حق المرأة في الزواج والطلاق ويعادون حقوق الأطفال ويرغبون في اسقاط النفقة على أبنائهم، وكأنهم أجانب وليسوا من صلبهم، ورغبتهم هي الاستفراد بالمرأة وتملكها نوعا من العبودية المقيتة، واعتبار الأطفال توابع لأمهم وزوجها، إنه الخواء الفكري وانعدام الضمير اليقظ والحقوقي والوطني الأصيل. هيمنة العقلية الذكورية لم يتقبل العديد من المواطنين في النقاشات الدائرة مسألة السكن بعد وفاة الزوج، فهل يمكن اعتبار الأمر حماية للأسرة أم إخلالا بالميراث؟ > يجب الاعتراف بأن هيمنة العقلية الذكورية لدى بعض المعارضين سيطرت عليهم، وجعلتهم يتجنون على الحقيقة تماما، كما حصل مع مواضيع زواج المطلقة والحضانة والنفقة، وهو أمر ليس بالغريب عمن يأخذ منهجه من التكفير وكره المرأة ومعاداة حقوق الإنسان،والحقيقة أن تمكين الزوجة المتوفى عنها زوجها من السكن هو أمر مشروع وعادل لأنه لا يعقل أن نضع الزوجة في الشارع بمجرد وفاة زوجها وكأن آثار الحياة الزوجية تنتهي بالوفاة من تساكن الأسرة ورعاية الأبناء، كما أن الأمر على خلاف ما هو متداول من أخطاء في الفهم والاستيعاب، فليس الأمر متعلقا بإرث لأنه لا يعني تملك الزوجة للسكن وإنما هو حق انتفاع بالعين لا علاقة له بالملكية لأنه يتناول حق الانتفاع وليس حق الرقبة،وقد جرى عمل المغاربة على منح أبنائهم أو أزواجهم أو ذريتهم حق الانتفاع للعقارات والأصول دون الرقبة،ولم يثر ذلك أي إشكال على مر التاريخ والأزمنة،ولم يشد أي فقيه معتبر عن هذا الرأي أو يسفهه حتى جاء بعض المتأخرين للأسف. وبالنسبة لمن يثير مسألة حماية حقوق الوالدين فالمفترض في كل من يحترم والديه أن يوفر لهم سكنا في حياته قبل مماته،لأن المشرع يلزم الزوج بتوفير سكن مستقل عن والديه، فلماذا لا يكون الانتفاع مستقلا أيضا؟ هذا ما يبرر أن النقاش في جزء كبير منه مصطنع وفيه الكثير من الميوعة الفكرية . الصلح تحت إشراف القضاء معضلة كبيرة إلى أي حد يمكن أن يكون لهيأة الصلح والوساطة دور في تقديم بدائل قانونية مبتكرة لحل النزاعات الأسرية بطرق ودية؟ > الصلح تحت إشراف القضاء صارت معضلة كبيرة جدا، لأنه لا الفضاء ولا وقت القضاء ولا التجربة تسعف في ضمان نجاحه، وأصبح مجرد إجراء مكتوب لا يغني ولا يسمن من جوع، حيث لا يقدم ولا يؤخر شيئا، وآن الأوان لإبعاده عن القضاء وتكليف هيأة للصلح والوساطة تمتاز بالكفاءة والدراية في علم الاجتماع وعلم النفس، لأن إدارة الصلح علم وتخصص خاص وقائم بذاته ويتعين أن يتم من لدن المختصين وخارج ساحة القضاء،ومن شأن تفعيل التجربة، كما هو سائد في الأنظمة المقارنة، إنجاح تجربة الوساطة وتفعيلها وضمان أوسع السبل لضمان نتائج طيبة تعود بالنفع على الأسرة واستقرار العلاقات الزوجية. في سطور - دكتور في الحقوق - محام بهيأة الرباط ومقبول للترافع أمام محكمة النقض - نائب رئيس جميعة الدفاع عن حقوق الإنسان - قاض ومستشار سابق خبير في مجال العدالة وحقوق الإنسان

التشريع المغربي متخلف عن الركب الحقوقي

محمد الهيني المحامي بهيأة الرباط قال إن صياغة المدونة تتطلب تدقيقات والتنزيل السليم لأهداف الإصلاح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"فيسبوك" يفضح بيع مهيجات جنسية خطيرة

الضرائب تحاصر أصحاب المهن الحرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات