الرباط ونواكشوط

جاء محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، إلى المغرب في زيارة خاصة لعيادة زوجته بإحدى مصحات الرباط، فاستقبله جلالة الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالبيضاء، في خضم برنامج للعلاج الوظيفي، يستمر 45 يوما، بعد حادث انزلاق في الكتف، وكسر في عظم العضد. لم يكن اللقاء بين قائدي دولتين شقيقتين، تربطهما علاقات تاريخية وإنسانية وروحية وعائلية ضاربة في عمق التاريخ، يحتاج إلى ترتيبات من أي نوع، إذ كان يكفي أن يتم الاتصال بالرئيس الموريتاني من أجل زيارة أخيه المغربي، وانتهى الأمر على هذا النحو العفوي، الذي يحمل أكثر من دلالة. فكل ما فعله الآخرون، طيلة سنوات، من أجل استقطاب نواكشوط إلى معسكر الشر والتحريض على الوحدة الترابية لشعوب الاتحاد المغاربي وزرع الفتن، اختزلته صورة وبلاغ مقتضب أخرسا الألسن، وأعادا الوضع في المنطقة إلى سيرته الطبيعية. لقد دشن جلالة الملك والرئيس الموريتاني، للتو، شكلا جديدا من أشكال التعبير الدبلوماسي بين البلدين، اسمه الدبلوماسية الإنسانية التي تتجاوز حدود السياسة والحسابات الضيقة، وترتبط بالأفق الكبير للتسامح وتثمين المشترك، والمضي إلى الأمام، دون أحقاد وضغائن و"شد ليا نقطع ليك". ففي علاقته بموريتانيا، لم يحمل المغرب (ملكا وشعبا)، آلة حساب، لإحصاء أفعالها وسلوكها تجاه بعض دول المنطقة، وتحديدا في علاقتها بمجموعة "بوليساريو" الانفصالية، إذ ظلت الرباط مقتنعة بأن نواكشوط تدبر الصعب والمستحيل، بسبب موقعها الجغرافي الذي لا يمنحها كثيرا من الراحة في اتخاذ القرارات. ولم يكن المغرب ليلوم يوما موريتانيا على موقف معين، لأنه يدرك حجم الضغط والابتزاز والترهيب الذي يتعرض له الرؤساء المتعاقبون من قبل "عصابة" من المرتزقة والجنرالات، مستعدة لفعل أي شيء للتعبئة لموقفها المعادي لوحدة التراب الوطني، وهي حقيقة يعرفها الشعب الموريتاني الشقيق، وعلى هذا النحو يتعاطى مع السياق المعقد في المنطقة. وتأتي زيارة محمد ولد الشيخ الغزواني إلى القصر الملكي بالبيضاء والحفاوة الإنسانية التي استقبل بها، وتستقبل بها أسرته الصغيرة، منذ أكثر من شهر في الرباط، لإثراء هذا الزخم الإنساني غير المنقطع بين بلدين، والذي سيبقى الأساس المتين لبناء أي علاقات في المستقبل، وسندا للمصالح العليا والمشتركة للبلدين. ومؤكد أن موريتانيا، وهي تقرأ السياقات والتحولات، وتنظر إلى المياه الكثيرة التي تسيل من تحت الجسور منذ أشهر، تدرك أن مصلحتها العليا تكمن في البناء والوحدة والتعاون الإقليمي، وفي الذكاء المشترك، لتثمين الإمكانيات المتاحة والانفتاح على المبادرات الاقتصادية الكبرى المنطلقة على قدم وساق في المنطقة، وتحديدا محور الأطلسي الإفريقي الكبير. إن موريتانيا، باعتبارها فاعلا أساسيا في المعادلات الجديدة الكبرى، ومحورا مهما في المشاريع المقبلة، وحجر زاوية في إفريقيا الجديدة، لا يمكن الاستغناء عنها، كما لا يمكن أن تستغني عن نفسها لمجرد أن مجموعة ضغط تضعها تحت "الكماشة". فمن قرأ في زيارة الرئيس الموريتاني إلى المغرب مجرد زيارة عادية لا يعرف التاريخ، قراءة وكتابة ودروسا. وسيصعب عليه فك ألغاز المستقبل.

الرباط ونواكشوط

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لفتيت يطالب بتنفيذ "وعود" طنجة

ميزانية "بوليساريو" تكشف فساد التنظيم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات