تغازوت… السياسة تقتل التنمية

عجز مسؤولو التدبير الجماعي في تغازوت عن استثمار الفرص الواعدة التي وفرتها المشاريع السياحية الكبرى، والتي جعلت من المنطقة قطبا سياحيا بارزا على المستوى الوطني، وبدل الانخراط في وضع إستراتيجيات محكمة لتنفيذ مشاريع تنموية تعزز البنية التحتية وترتقي بمستوى معيشة السكان، طغت على المشهد صراعات سياسية يغلب عليها السعي وراء المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة. هذا التخبط السياسي أدى إلى حالة من "البلوكاج" ورفض التصويت على مشروع ميزانية 2025، ما فوت على تغازوت فرصة الاستفادة من التقدم الاقتصادي الذي شهدته بعض مناطقها، وأبقاها غارقة في طابعها البدوي رغم إمكانياتها السياحية الهائلة. وأمام هذا الوضع المقلق تطرح تساؤلات جادة حول غياب رؤية تنموية واضحة لدى المسؤولين، وتطرح مراجعة شاملة لطرق التدبير الجماعي، بما يضمن استغلال الإمكانات المتاحة لدفع عجلة التنمية، وتحسين ظروف السكان، وتحقيق نقلة نوعية تليق بمكانة تغازوت السياحية والاقتصادية. إعداد: عبد الجليل شاهي (أكادير) على بعد 21 كيلومترا شمال أكادير، تقع تغازوت، التي تعد واحدة من أبرز الوجهات السياحية في المغرب، مستقطبة الزوار المحليين والدوليين بفضل موقعها الفريد على ساحل المحيط الأطلسي. تأسست الجماعة سنة 1992، وتضم 49 دوارا يسكنها حوالي 4861 نسمة، بينما لا يتجاوز سكان مركزها الرئيسي 2000 نسمة، إلا أن هذا العدد يتضاعف خلال فترات الذروة السياحية، مثل العطل الصيفية وعطلات نهاية الأسبوع، ما يجعل المنطقة نقطة جذب سياحي بامتياز. تشتهر تغازوت بشواطئها. وجوها المعتدل ومياهها الدافئة، ما يجعلها وجهة مثالية لعشاق الرياضات المائية، خاصة ركوب الأمواج. إلى جانب ذلك، تقدم البلدة تجربة استثنائية لعشاق المأكولات البحرية الطازجة التي يوفرها الصيادون المحليون يوميًا. ويعتمد اقتصاد تغازوت على الأنشطة المرتبطة بالبحر، مثل الصيد البحري التقليدي ورياضة ركوب الأمواج، بالإضافة إلى المشاريع الصغيرة كالمقاهي والمطاعم ومحلات بيع الهدايا التذكارية، التي تضفي طابعًا مميزًا على مركز الجماعة وكورنيشها. رغم الإمكانيات الواعدة التي تتمتع بها تغازوت، تواجه الجماعة تحديات تنموية كبيرة تعيق تحقيق تطلعات السكان، وتزداد هذه التحديات تعقيدا بفعل الخلافات الشخصية بين أعضاء المجلس الجماعي، إذ يطغى تبادل الاتهامات والصراعات المجانية على المشهد، في ظل تغليب بعض المنتخبين لمصالحهم الشخصية الضيقة على حساب المصلحة العامة. هذا الوضع يثير استياء الناخبين الذين عهدوا إليهم مهمة تدبير الشؤون العامة للجماعة، ما يهدد بتراجع فرص التنمية وإهدار الإمكانيات المتاحة التي يمكن أن تسهم في تحسين مستوى معيشة السكان. رفض الميزانية سياسة القرارات الفردية التي ينتهجها الرئيس وغياب الشفافية في التدبير المالي والإداري"، بهذه الكلمات لخص أعضاء المجلس الجماعي لتغازوت المكونون للأغلبية المعارضة موقفهم بعد رفض مشروع ميزانية 2025 المقترح من قبل الرئيس. وأصدرت الأغلبية بلاغا للرأي العام تشرح فيه أسباب رفضها للمشروع، مشيرة إلى أن المجلس عقد يوم الأربعاء 13 نونبر الجاري، في دورة استثنائية لمناقشة مشروع الميزانية بعد رفضه خلال الدورة العادية لشهر أكتوبر الماضي. وأوضحت الأغلبية أنها قدمت تعديلات على المشروع بتاريخ 21 أكتوبر الماضي، مستندة إلى دورية وزارة الداخلية رقم (2024/14282)، التي تدعو إلى ترشيد نفقات التسيير وتوجيه الموارد المالية نحو ميزانية التجهيز، لدعم المشاريع التنموية وتحسين ظروف عيش المواطنين. وأشار البلاغ إلى أن مداخيل الجماعة بلغت هذا العام تسعة عشر مليونا ومائتين وأربعين ألف درهم، إلا أن الرئيس خصص جزءا كبيرا منها لنفقات التسيير، ووصفت الأغلبية هذا التوجه بـ"التضخيم غير المبرر" و"الهدر المالي"، معتبرة أنه لا يعكس الأولويات التنموية للسكان ولا يساهم في تحقيق التنمية المنشودة، كما انتقدت الأغلبية "سياسة القرارات الفردية" التي يعتمدها الرئيس وغياب الشفافية في التدبير المالي والإداري، مؤكدة أن هذه الممارسات تزيد من حدة التوترات بين مكونات المجلس وتعطل تحقيق الأهداف التنموية للجماعة، وشددت على ضرورة توجيه الأولوية إلى تمويل المشاريع التجهيزية والبنى التحتية التي تؤثر مباشرة على حياة المواطنين، بدلا من تضخيم النفقات الإدارية. توتر سياسي استمرت الخلافات الداخلية بين أعضاء الأغلبية ورئيس جماعة تغازوت، وفشلت كل المساعي التي بذلها مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، وراشد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، القياديان في التجمع الوطني للأحرار، بالإضافة إلى مسؤولي الحزب بجهة سوس ماسة، في إنهاء الخلاف بين منتخبي تنظيمهم السياسي بتغازوت. وكانت الأغلبية قد قررت مقاطعة رئيس الجماعة المنتسب لحزب التجمع الوطني للأحرار، ورفضت التصويت على القضايا المدرجة خلال جلسة ثانية من الدورة الاستثنائية التي عُقدت في يوليوز الماضي، واستمرت الخلافات بين الطرفين مع تبادل الاتهامات بين الرئيس والأغلبية المعارضة في دورة أكتوبر، ورفض خلالها مشروع ميزانية 2025 في الجلسة الثالثة. واتهم محمد بوهريست، رئيس جماعة تغازوت، الأغلبية المعارضة بعرقلة التنمية، معتبرا أن رفض مشروع الميزانية كان "غير مبرر" و"غير منطقي"، مشيرا إلى أن هذا الموقف سيسجل في التاريخ عقبة أمام تنفيذ برامج التنمية التي تهدف إلى تحسين حياة سكان الجماعة، وأوضح أن المعارضة تتعمد إثارة الفوضى في كل دورة، بهدف تعطيل الإجابة عن أسئلة المجلس ومنع إيصال الحقائق إلى الرأي العام والإعلام. كما بررت المعارضة رفضها لمشروع الميزانية بوجود غموض في طريقة توزيع الموارد المالية وصرف المخصصات، حيث أشارت إلى أن المداخيل المتوقعة أقل بكثير من التقديرات المقدمة، كما اتهمت الرئيس بعدم تسليم الوثائق والمعلومات اللازمة لدراسة مشروع الميزانية، بما في ذلك تفاصيل المصروفات والفصول المالية غير المخصصة. وأشار أعضاء المعارضة إلى وجود تضخيم مبالغ فيه لبعض بنود الميزانية، خاصة تلك المتعلقة بالمحروقات وقطع الغيار ودعم الجمعيات، وأكدوا أن موقفهم لا يهدف إلى العرقلة من أجل العرقلة، بل يقوم على أسس قانونية واضحة، مشددين على ضرورة تقديم مشروع الميزانية بشفافية، مع الوثائق اللازمة وفي الآجال القانونية. كما انتقدوا تبريرات الرئيس بشأن الزيادات الكبيرة في نفقات المحروقات وقطاع الغيار، معتبرين أن المبررات المقدمة غير مقنعة. وأشاروا إلى أن بعض المعدات والآليات الجديدة التي تم شراؤها لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب، ما يثير تساؤلات حول جدوى هذه الاستثمارات. تعثر التنمية أعرب أعضاء المعارضة في جماعة تغازوت عن استيائهم من أداء رئيس المجلس الجماعي، مؤكدين أن رفضهم للمشاريع لا يعد موقفا معارضا للسلطة، بل هو رغبة حقيقية في تنفيذ مشاريع فعالة تُسهم في تحقيق تطلعات السكان وتعزز التنمية في المنطقة، وأشاروا إلى أن مرور ثلاث سنوات ونصف سنة على فترة الانتداب لم يشهد أي تقدم حقيقي في تنفيذ المشاريع المدرجة في برنامج عمل الجماعة، حيث لا تزال الطرق والبنية التحتية غائبة، والتنمية ما زالت متعثرة. وأشار أعضاء المعارضة إلى أن من بين المشاريع التي تم التصويت عليها، كان مشروع ملاعب القرب، الذي كان يهدف إلى تطوير الرياضة والثقافة في المنطقة، مع الطموح لتحويل تغازوت إلى مركز عالمي يستضيف تظاهرات رياضية وثقافية. لكن هذه المشاريع لم تنفذ بعد، مما يزيد من الشعور بالإحباط لدى السكان. كما أضافوا أن تغازوت، باعتبارها مركزا للمنطقة، تضم العديد من الدواوير مثل ورك ومنجم، التي تعاني نقصا شديد في الخدمات الأساسية مثل الطرق، والإنارة العمومية، وشبكات الصرف الصحي، رغم التزام السكان بدفع الضرائب على الأراضي غير المبنية. وفي ما يتعلق بالمعدات، أشار أعضاء المعارضة إلى أن الجرار الذي تم شراؤه ما زال موجودا، لكنه لا يؤدي الغرض الذي تم اقتناؤه من أجله، حيث لم يستخدم في جمع النفايات من الشاطئ كما كان مخططا له، كما توقفت الشاحنة المخصصة لتغيير المصابيح العمومية عن العمل، مما أثار تساؤلاتهم حول جدوى هذه النفقات، واعتبروا أنه كان من الأجدر تخصيص الموارد لمعدات أكثر فعالية، مثل مركبات "بيكوب" التي تلبي احتياجات تغيير المصابيح في الشوارع بشكل أكثر كفاءة. وفي ما يخص الإدارة والتدبير، أكد أعضاء المعارضة أن هناك إخفاقا واضحًا في الأداء، حيث بدلا من تحمل المسؤولية، يتم إلقاء التهم على المعارضة أو أطراف أخرى. وأشاروا إلى أنه رغم وجود فائض في الميزانية خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه الأموال لم تُستخدم لتحسين الخدمات الأساسية مثل الإنارة أو بناء ملاعب القرب أو تحسين شبكة الطرق. بل بقيت الأموال مجمدة دون توجيهها للمشاريع التي تحتاجها الجماعة. تحديات التنمية أكد محمد بوهريست، رئيس جماعة تغازوت، أن الجماعة شهدت في السنوات الأخيرة إطلاق العديد من المشاريع المهمة مثل الكورنيش والمراكز الرياضية، بالإضافة إلى عدة مبادرات أخرى لم تتوقف رغم التحديات العديدة التي تواجهها. ومع ذلك، لا تزال الجماعة تعاني مشكلات مشتركة مع مناطق أخرى، أهمها العجز في توفير مساحات كافية للمقابر وملاعب القرب، مما يشكل عائقا كبيرا أمام تنفيذ مشاريع تنموية مهمة. وكشف بوهريست أن الصعوبة الرئيسية تكمن في نقص الأراضي المتاحة لتنفيذ هذه المشاريع، مما يجعل من الصعب بناء ملاعب رياضية أو إقامة مرافق حيوية أخرى. وحتى في حال توفر التمويل اللازم، يظل غياب الأراضي عقبة رئيسية أمام تطوير المنطقة. وأوضح أن المجلس الجماعي قد سعى إلى توقيع اتفاقية مع الجهة المعنية لتوفير الماء الصالح للشرب، إلا أن المعارضة رفضت جميع النقاط المتعلقة بالاتفاقية، مما أدى إلى تعطيل تنفيذ المشروع، رغم موافقة المجلس الجهوي، وفي ما يتعلق بالنقل المدرسي، فإن الجماعة تواجه تحديا كبيرا في نقص وحدات النقل المتاحة، حيث يفتقر المجلس الإقليمي للموارد المالية الكافية لتوفيرها. ورغم هذه التحديات، لا يزال المجلس يسعى لتأمين تمويل مشترك مع الجهات المعنية لتوفير وسائل نقل مدرسي مناسبة، وهو ما يعد أمرا حيويا لتحسين جودة التعليم في المنطقة. وأشار بوهريست، إلى أنه رغم هذه الإكراهات، تواصل الجماعة جهودها لتطوير خدمات النظافة والماء والكهرباء، بهدف تحسين جودة الحياة للمواطنين. ومع ذلك، تبقى بعض المشاريع معطلة بسبب الرفض من قبل بعض الأطراف، مما يعيق التقدم في خطط التنمية ويؤثر بشكل سلبي على حياة السكان، مشيرا إلا أن التعاون بين جميع الأطراف أمر حيوي، إذ يجب أن توضع مصلحة الجماعة فوق المصالح الشخصية، والابتعاد عن التصعيد والخلافات والعمل الجماعي، مما يشكل السبيل الأنسب لدفع عجلة التنمية وتحقيق مستقبل أفضل للجميع. واعترف بوهريست أنه رغم بعض التحسينات في المرافق والخدمات العامة في تغازوت، ما زالت غير قادرة على مواكبة الزيادة الكبيرة في عدد السكان والسياح، خاصة في موسم الذروة. هذا الضغط على البنية التحتية يؤدي إلى تدهور الخدمات الأساسية مثل النقل، والمياه الصالحة للشرب، والكهرباء، والصرف الصحي، مما ينعكس سلبا على جودة الحياة في المنطقة ويجعل السكان المحليين يعانون تراجعا في مستوى الخدمات الأساسية. "تغازوت باي"... يعد مشروع "تغازوت باي" واحدا من أبرز المشاريع السياحية في المغرب، وهو جزء من "المخطط الأزرق"، الذي يهدف إلى تطوير القطاع السياحي، بما يعزز التنمية المستدامة، ويمتد المشروع على مساحة 615 هكتارا ويغطي 4.5 كيلومترات من الشريط الساحلي، ليصبح علامة بارزة في السياحة الوطنية، بفضل مرافقه المتطورة التي تجمع بين الترفيه والاستجمام. يتميز المنتجع بتنوع مرافقه، التي تشمل ناديا شاطئيا، وأكاديمية للغولف، ملاعب رياضية لكرة المضرب وكرة القدم، بالإضافة إلى نواد لركوب الأمواج، كما يحتوي المشروع على مرافق عامة في "المدينة" وبالقرب من تعاونية أركان، مما يوفر للسياح والزوار بيئة مريحة تجمع بين الخدمات الفاخرة والطبيعة الخلابة. وتحيط بالمنتجع تلال مزروعة بأشجار الأركان وكثبان رملية، مما يعزز من جمال المناظر الطبيعية. من بين السمات البارزة للمشروع اهتمامه بالاستدامة البيئية، حيث تغطي المساحات الخضراء حوالي 90 في المائة من المحطة. كما يركز المشروع على تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية للمنطقة، إلى جانب تطوير الرأس المال البشري المحلي، وقد ارتفعت الطاقة الاستيعابية للمحطة إلى 1270 غرفة، مع خطط مستقبلية لتوسيع هذه القدرات، مما يسهم في تعزيز الجاذبية السياحية للمنطقة. وشهدت تغازوت استثمارات هائلة خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع، بما في ذلك البنية التحتية والوحدات الفندقية، 10 ملايير درهم، وأسهمت هذه الجهود في استقبال أكثر من 100 ألف زائر خلال 2023، من إجمالي مليون و117 ألف سائح زاروا أكادير. ورغم هذه الإنجازات، يواجه المشروع تحديات تنموية، أبرزها محدودية فرص العمل المستدامة للسكان المحليين، الذين يعتمدون بشكل كبير على الوظائف الموسمية في قطاعي السياحة والصيد التقليدي، بالإضافة إلى ذلك، تعيق الصراعات السياسية بين أعضاء المجلس الجماعي تنفيذ المشاريع التنموية، التي كان من شأنها أن تعود بالنفع على سكان تغازوت.

تغازوت… السياسة تقتل التنمية

الصراعات أجهضت استثمار فرص وفرتها المشاريع السياحية وأوقفت عجلة التقدم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إصابة عسكريين في حادثة سير

"سلخ" دبلوماسي روسي وزوجته بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات