الحرب على العشوائي ببوسكورة… قسمة ضيزى

كان يوما غير عاد بدوار "أولاد مالك" ببوسكورة، الاثنين الماضي، إذ سادت حالة غضب وتذمر غير مسبوقين في صفوف سكانه، فبعد حالة التردد والتيه حول مقايضة أراضيهم ذات المساحة الكبيرة بشقة للسكن الاقتصادي، في إطار الحرب على البناء العشوائي، مع أداء 10 ملايين تسبيقا، تلقوا صفعة غير متوقعة، إذ تم إحصاؤهم السبت الماضي، وصباح الاثنين الموالي، شهد "الدوار" إنزالا أمنيا لتفعيل قرار الهدم، دون منحهم مهلة معقولة لترتيب رحيلهم، ما ولد احتقانا كاد أن يؤدي إلى مواجهات، نجحت السلطات في السيطرة عليها. إنجاز: مصطفى لطفي وتصوير: (عبد اللطيف مفيق) ترحيل قاطني "دوار أولاد مالك"، يختلف عن تجارب سابقة بالبيضاء والضواحي، إذ غالبا ما يكون العقار في ملكية الدولة أو شخصية نافذة تسامحت مع تفريخ "البراكات" على أرضها، في حين أن قاطني الدوار هم أبناء الأرض ومالكوها أبا عن جد، منذ أن ظهر أول مرة في الستينات من القرن الماضي. هذا المعطى جعلهم يرفضون مقايضة أرضهم بمساحات كبيرة تتجاوز 600 متر مربع، بشقة للسكن الاقتصادي، والأكثر من ذلك فهم ملزمون بدفع 10 ملايين. قسمة اعتبرها السكان ضيزى، رغم وعود قدمت لهم بتسوية ملف عقاراتهم بمجرد المغادرة، إلا أن هناك تخوفا شديدا من أن يتم التلاعب فيها وتفوت للوبيات العقار. غربان الخردة كما تحلق الغربان والنسور فوق أرض معركة، في انتظار أن تلتهم جثث الموتى، انتشر بـ"دوار أولاد مالك" تجار الخردة، سواء على عربات مجرورة بدواب أو "تريبورتورات" أو سيارات لنقل البضائع، بمجرد أن علموا بالإنزال الأمني لمباشرة عملية الهدم. دون كلل كانوا يتجولون بين أزقة الدوار الضيقة وصعبة الولوج، يغرون السكان ببيع ممتلكاتهم المستعملة، التي تنوعت بين أجهزة إلكترونية أو أثاث منزلي. كان المشهد مثيرا وغير متوقع بهذا "الدوار"، إذ تنافس باعة الخردة في الحصول على الحصة الأكبر من الغنيمة، والتي قد تكون كنزا ثمينا من قبيل أبواب حديدية وخشبية أو نوافذ، بعد أن شرع بعض السكان في هدم منازلهم استعدادا للرحيل. أثار هذا المشهد حفيظة صالح، شاب في الأربعينات من العمر، إذ كان ينظر بحزن وحسرة إلى "غزو" هذه العربات للدوار، كأنه جندي نجا من المعركة، وهو ينظر في استسلام إلى مشهد افتراس الكواسر لزملائه القتلى. لم يتوقع صالح هذا المشهد مطلقا، سيما أن بعض العائلات وجدت نفسها مجبرة على بيع أثاثها لسبب واحد، وهو حسب قوله، توفير المال لتسديد أجرة نقل ممتلكاتها عبر "هوندا أو "تريبورتور"، لأن أغلبها تعيش الفقر والهشاشة. هدم ذاتي تجمع سكان الدوار في مجموعات صغيرة، مع أطفالهم الذين قاطعوا الدراسة منذ أيام، أمام هول صدمة إلزامهم بالهدم دون منحهم مهلة لتدبر أمرهم. كانت الوجوه شاحبة، لم يستوعب أصحابها يوما ما أن يغادروا هذه الأرض التي ولدوا وترعرعوا بها وكونوا أسرا. تشعر في عيونهم إحساسا بالغبن، كأن مغادرتهم للمكان خيانة للأجداد والآباء، الذي كدوا منذ عقود لاقتناء مساحات من أرض الدوار للاستيطان فيها. ما يشعرهم بالصدمة الكبرى، أنهم بدل الحفاظ على إرث الآباء، وجدوا أنفسهم ملزمين بهدم منازلهم وكل آثارهم بأيديهم، وهو ما عاينته "الصباح" خلال جولة بأحياء الدوار، إذ انشغلت عائلات بإزالة النوافذ والأبواب الحديدية قبل الرحيل، بسبب قيمتها المالية الكبيرة، وهي المهمة التي انخرط فيها مالكو محلات تجارية، إذ وجد أحدهم صعوبة في إزالة إطار حديدي لباب محل، إلى درجة أنه استعان بآلة كهربائية "لامون"، لنزعه من مكانه، مع الحرص على تجنب إحداث ضرر فيه خلال العملية. كلما توغلت في الحي، تحاصرك "رائحة الهدم"، التي طالت منازل كبيرة المساحة، "أعدمها" أصحابها وغادروا المنطقة للأبد. بدا الحي كأنه شهد حرب شوارع وقصفا عنيفا لأثار الدمار والتخريب من كل جانب، في حين تجمعت عائلات أخرى أمام أبواب منازلها حائرة، هل تشرع في الهدم أم تتريث، كأنها تنتظر أملا كبير في تراجع السلطات عن موقفها، رغم أن هذا الإحساس مجرد أضغاث أحلام، ما دام أن القرار لا رجعة فيه. فوضى وارتباك تنزيل قرار الهدم في ظرف يومين تسبب في فوضى عارمة، إذ يوضح صالح، أن الكل تسابق من أجل القيام بالإجراءات الإدارية الخاصة بالاستفادة، لتشهد الإدارة اكتظاظا غير مسبوق، بعد تقاطر العشرات من الأسر من دواوير أخرى مشمولة أيضا بقرار الهدم. ما زاد الطين بلة أن بعض قاطني "دوار أولاد مالك"، بعد جهد جهيد، للقاء المسؤولين، اكتشفوا أنهم غير مشمولين بحق الاستفادة. أسقطت أسماؤهم في جنح الليل، حسب زعمهم، ولتفادي أي احتقان قد تكون عواقبه وخيمة، تم التبرير أنه لم يتم إحصاؤهم في 2021، وأن باب الاستفادة سيظل مفتوحا في وجوههم، عند اعتماد الإحصاء الجديد الخاص بـ2024. البعض اعتبر ذلك محاولة للتسويف والتنصل من المسؤولية، خصوصا بعد أن عقدوا لقاء مع مسؤول، شدد على أن عملية إحصاء المستفيدين، اقتصرت فقط على رب العائلة وأبنائه المتزوجين، في حين أقصي العزاب، وما زاد الطين بلة أن أغلبهم دون عمل ويعيش ظروفا اجتماعية صعبة. طعنة في الظهر ما أزم الوضع بـ"دوار أولاد مالك"، ما اعتبره سكانه طعنة في الظهر، من قبل السلطات المحلية التي هدفها الوحيد، طي الملف بأسرع وقت لترضية المسؤولين الكبار، دون مراعاة ظروفهم الاجتماعية الصعبة. يوضح أحمد أحد أبناء الدوار، سبب إحساسهم بالحيف والغبن، بالقول إن السلطات فاجأتهم السبت الماضي بزيارة خاطفة رفقة أشخاص، قال إنهم يمثلون شركة خاصة متخصصة في الإحصاء، إذ تمت العملية بسلاسة وسرعة كبيرة، وبعد انتهائها قدمت لهم وعود بأن عملية الهدم لم تتم إلا بعد أجل معقول، قد يصل إلى شهر لتدبر أمرهم. لكن في ظرف يومين، أي صباح الاثنين الماضي، استيقظوا على إنزال أمني كبير للدرك والقوات المساعدة، وبصرامة وحزم، أصدر مسؤولو السلطة تعليمات للسكان بالشروع في الهدم. تمسكت عائلات بالرفض، فاضطرت في النهاية إلى الرضوخ للأمر الواقع، مستنجدة بأقاربها للمساعدة في جمع الأثاث وكل ما تملك لنقله إلى وجهة أخرى. حدثت مواجهات بين السلطة وعائلات رافضة للمشروع، وكادت الأمور أن تأخذ مجرى آخر، بعدما اتهمت عائلة السلطات بهدم منزلها عنوة ما أتلف أثاثها وممتلكاتها، لكن في النهاية، تمت السيطرة على الوضع واستعاد الدوار هدوءه. مقايضة ظالمة أهم الإشكالات التي تصادف مشروع اعادة السكن لقاطني دوار "أولاد مالك"، أن أغلبهم يملكون عقودا عدلية تؤكد ملكيتهم للأرض، التي بنيت عليها منازلهم. وعلى نقيض تجارب سابقة بالبيضاء والضواحي حيث العقار غالبا ما يكون في ملكية الدولة، كانت العملية تتم في إطار "رابح رابح"، إذ سيحصل المستفيد على بقعة أرضية أو شقة سكنية والدولة تستعيد عقاراتها. هنا المعادلة مختلفة تماما، سيما أن مساحات العقارات تتراوح بين 80 مترا مربعا، وقد تزيد عن 700 متر مربع، في حين أن المقابل، شقة للسكن الاقتصادي مساحتها 50 مترا مربعا، والأكثر من ذلك أنهم ملزمون بتسديد 10 ملايين. وإذ كان "الكرايا" أكبر المستفيدين من العملية، إذ كانوا أول من غادروا الدوار بعد حصلوهم على الشقق، بحكم أنهم غير مالكين للأرض، فإن الوضع يختلف هنا، إذ يكشف رحيمي الغانمي، في الخمسينات من العمر، يستعين في تنقله بعكازين بعد أن فقد رجله في حادثة، أنه ما زال لم يستوعب بعد أنه سيغادر منزل العائلة الذي ورثه عن والده، والممتد على مساحة واسعة، يتقاسم جدرانه مع "الورثة". حاليا لا يملك المال لتسديد 10 ملايين من أجل الاستفادة من شقة، ويرفض طرق باب البنوك خوفا من حجز الشقة، لأنه على يقين أنه سيعجز يوما ما عن تسديد أقساط القرض وسيتم الحجز عليها، وبالتالي سيبقى هو الخاسر الأكبر، لهذا شدد على ضرورة أن يجد المسؤولون حلا لفقدانهم أراضيهم، بتعويضهم ماليا حسب المساحة. فيلا في مهب الريح من أكبر المتضررين من عملية ترحيل قاطني دوار "أولاد مالك"، مالكة فيلا، شيدتها على مساحة كبيرة وأنفقت الملايين على تزيينها، وفي النهاية عرضت عليها السلطات شقة للسكن الاقتصادي وتسديد 10 ملايين، مقابل هدمها عن آخرها. قرار جعل مالكتها في حيرة وصدمة كبيرتين، إد صرحت بانفعال "راه خاصهم إعطيوني عمارة ما شي شقة سكنية، راه الفيلا ساوية الملايين". صحيح أن الأرض التي بنيت عليها الفيلا غير محفظة، إلا أن مالكتها تتحوز وثائق عدلية تؤكد أنها اقتنتها منذ سنوات. حاولت في البداية التوصل إلى حل يرضي الجميع مع المسؤولين، عبر اقتراح تسلمها تعويضا يوازي القيمة المالية للفيلا، إلا أن المسؤولين تمسكوا بعرضهم، أي شقة للسكن الاقتصادي وأداء عشرة ملايين، إذ اعتبروا القضية غير قابلة للنقاش. حاولت الاستفسار عن مصير الأرض في حال هدم الفيلا، فقدمت لها تطمينات أن ملكيتها محمية قانونا، واشترطوا عليها الإسراع في الهدم. والموقف نفسه عاناه مالكو عقارات كبيرة المساحة بالدوار، إذ رغم إشهارهم عقودا عدلية في وجه السلطات لضمان حق الملكية، ومساومتهم بشقة صغيرة، تم تجاوزهم على اعتبار أن تلك العقود عرفية ولو حررت منذ عقود، وأن القانون يحمي العقارات المحفظة، وهو ما أدخل في نفوسهم الشك والريبة من أن يفقدوها للأبد، أو يجبروا على بيعها بثمن بخس.

الحرب على العشوائي ببوسكورة… قسمة ضيزى

السلطات عرضت شققا اقتصادية على مالكي عقارات بمساحات كبيرة وغموض يلف العملية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العثور على سائحين حوصرا بجبال أزيلال

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات