اللجنة المؤقتة والمقاربة الإثنولوجية

بقلم: يونس مجاهد * قالت محدثتي، هناك تخوف من أن تهيمن الدولة المغربية على المجلس الوطني للصحافة، فسألتها: من أبدى هذا التخوف؟ أجابتني أن إحدى الهيآت المهنية في قطاع الصحافة، والتي تعتبر إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، قرارا "غير دستوري"، ترى وجود خطر هيمنة الدولة على مجلس الصحافة، وأضافت أن اللجنة المؤقتة معينة من قبل رئاسة الحكومة. السيدة التي كانت تحاورني تنتمي لبعثة هيأة دولية، موجودة في المغرب، مكلفة بإجراء بحث حول حاجيات الصحافة المغربية، واعتبرت أن دراسة موضوع التنظيم الذاتي لهذه المهنة، مفيد في تحديد هذه الحاجيات بالنسبة إلى الممولين الأجانب. قلت لها، في إطار الجدل، فقط، هل تعلمين أن هناك نماذج متعددة في تأسيس مجالس الصحافة في العالم، خاصة في أوربا، حيث يتم انتداب الأعضاء من قبل الهيآت المهنية؟ كما أن هناك بلدانا يتم فيها تعيين رؤساء هذه المجالس من قبل الحكومة أو البرلمان أو الهيآت القضائية... بل إن موظفا ساميا مكلفا من قبل ملك بريطانيا هو الذي عين لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الصحافة الجديد. ردت بأن هذا عاد، خاصة بالنسبة إلى بريطانيا، لكنها أكدت من جديد أن هناك من يتخوف من سيطرة الدولة على التنظيم الذاتي للمهنة في المغرب، وأضافت "إنهم يرددون هذا، ولست أنا من يقول ذلك". وجدت نفسي مضطرا إلى وضع النقاط على الحروف. نبهتها إلى أن هذا المنطق يعني أن الدولة المغربية، عندما تتدخل في أمر ما، فلا شرعية لها، لأنها مجرد شيطان، بينما الدول في الغرب يحق لها التدخل في كل شيء، لأنها من جنس الملائكة. ما جعلني أعرض جزءا من هذا الحوار، هو الإشكال الذي واجهته مرات متعددة، إذ أعتبر أن المنهجية التي تستخدمها الكثير من المنظمات الدولية النشيطة في مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان، ما زالت تغلب عليها المقاربة الإثنولوجية، حين يتعلق الأمر بدول غير غربية. وعندما نحيل هنا على الإثنولوجيا، فإننا نقصد صيغتها الأولى، التي بدأت بدراسة الأقوام "البدائية"، وقد رافقت الاستعمار، حيث كانت تهتم، في بداياتها، بوصف الإثنيات في إفريقيا وآسيا وغيرهما من المناطق خارج أوربا وأمريكا، معتبرة أن لها خصائص ومميزات تجعلها أدنى من الإنسان الغربي. ورغم تطور الإثنولوجيا، إلا أن الفلسفة الكامنة وراء هذا التخصص في العلوم الإنسانية، في بداياته، لم تختف، بل ظلت ثاوية في خلفيات العديد من المنظمات الدولية، التي تتعامل مع الشعوب "الأخرى"، باعتبارها خارج التاريخ. لقد كانت لدي تجربة طويلة مع هذا النمط من التفكير، الذي يتخذ أشكالا أخرى، حيث استقبلت عشرات الخبراء والباحثين والنشطاء، ممثلين لهذه المنظمات، الذين يأتون إلى المغرب لإجراء تحقيقات. لكن في الحقيقة، فإن النصوص التي ينتجونها تكون مكتوبة قبل وصولهم، إنما يتم تأثيثها ببعض الشهادات، حيث يبرزون ما يوافق آراءهم المسبقة، ويهمشون ما لم يوافقها، لأنهم يعتبرون أنفسهم متفوقين وأوصياء على الآخر، المتخلف. لقد عانى "الآخر" من هذه المقاربة، التي تتعامل معه مجرد مجتمع أهال (indigènes)، في كل المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وغيرها، بل حتى من قبل الباحثين، الذين اعتبروا أن مجتمعاتنا لا يمكن إخضاعها لمناهج حديثة، في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية، بل ما يصح عليها هو الإثنولوجيا أو الأنثروبولوجيا، في رؤيتها البدائية، وهي المقاربات التي تم دحضها من قبل علماء ومفكرين من العالم "الآخر"، أي من العالم العربي وإفريقيا وآسيا... وعلماء ومفكرين من العالم الغربي أيضا. في خطاب أمام علماء الاجتماع من القارات الخمس في مؤتمرهم الرابع بمونريال بكندا، يوليوز 1998، نشر تحت عنوان "علم الاجتماع الغربي، مساءلة ومحاكمة"، قال إيمانويل والرستاين، أحد كبار علماء علم الاجتماع؛ "أما في ما يخص بعض المتحضرين/الآخرين، فلا المتحضرون متحضرين، ولا الآخرون آخرين. هناك بالطبع خصوصيات ولكنها كثيرة جدا، فالتبسيطات العنصرية للعالم الحديث ليست بغيضة فقط، بل تعيق تفكيرنا". *رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر

اللجنة المؤقتة والمقاربة الإثنولوجية

فلسفة هذا التخصص في بداياته ظلت ثاوية في خلفيات العديد من المنظمات الدولية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إدانة متهم بالإساءة للمؤسسة الملكية بالناظور

آش خاصك تدير؟: وثيقة التجنيس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات