“شكون حنا؟”

السؤال الأكثر أهمية الذي ينبغي أن يطرح بإلحاح منذ اليوم، بعد الجواب الرسمي عن سؤال "كم نحن؟"، والإعلان عن النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى لـ 2024 المنظم طيلة شتنبر الماضي. فلا يهم، في هذه اللحظات المفصلية من تاريخ تطور المجتمعات، العدد الإجمالي للسكان، ومعدل توزيعهم على المناطق والجهات والمجالات الترابية والأوساط الحضرية والقروية وشبه الحضرية، بقدر ما تهم التفاصيل الصغيرة والتفسيرات والاحتمالات الممكنة للأرقام، وما يمكن أن تنتج عنها من أفعال تنعكس على السياسات العمومية. ولعل أول رقم يجب أن يستوقف الجميع، ويفرض على مؤسسات التخطيط والبرمجة والقرار قراءة متمعنة له، تراجع نسبة النمو السنوي للسكان، التي انتقلت من 2.6 في المائة في 1960 إلى 0.85 في 2024، ما يعني أن المغاربة، لأسباب ثقافية واقتصادية واجتماعية وصحية ونفسية مختلفة، تراجعوا عن فكرة الأسرة متعددة الأفراد، وأصبحوا يكتفون بولد، أو ولدين في أقصى الحالات. وتشكل نسبة الخصوبة في المجتمع أول ما ينبغي أن يخضع للقراءة والتحليل ورد الفعل من قبل واضعي السياسات العمومية، والمراقبة الدقيقة لمدى تأثير ذلك على الهرم السكاني، وارتفاع معدل الشيخوخة، وانعكاسات ذلك على كلفة أنظمة التقاعد والصناديق الاجتماعية والتغطية الصحية، مقابل التراجع في المردودية والتقلص التدريجي للفئات النشيطة. وإذا استمر العزوف عن "الخصوبة"، وهو أمر وارد في السنوات المقبلة، سيكون على الحكومات المقبلة الانتباه إلى ملاءمة جميع البرامج والمخططات والسياسات مع هذا المعطى الذي تتفرع عنه معطيات أخرى أشد تعقيدا على المستوى المالي والاقتصادي والتنموي. المؤشر الثاني الذي ينبغي أن يوضع في سبورة التحليل، يتعلق بتقلص سكان الوسط القروي في بلد فلاحي وزراعي، مقابل تعزيز الديناميكية الديمغرافية في الوسط الحضري، إذ انتقلنا من عدد سكان في القرى في 1960 بـ8.5 ملايين نسمة و3.4 ملايين نسمة في المدن في السنة نفسها، إلى 23.1 مليون نسمة في المدن، و13.1 مليون نسمة في الوسط القروي. ويشكل هذا التحول موضوع اشتغال عاجل لمقرري السياسات العمومية من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية، وثانيا لرفع التحديات والرهانات التي يطرحها هذا المتغير على مستقبل المدن ومخططات التهيئة والتنقل والتعمير، والمجالات الترابية، والتوزيع العادل للأنشطة والمرافق والخدمات وفضاءات الترفيه. وتمنح أرقام ونسب الإحصاء معطيات خصبة للتحليل والقراءة، وتساعد على اتخاذ القرارات الجيدة والتخطيط الإستراتيجي، إذ تساهم المؤشرات المحتسبة في تقييم وتتبع السياسات العمومية واستشراف الحاجيات المستقبلية. إن الأمر يتعلق بوثيقة مرجعية وطنية صرفت عليها الدولة 140 مليارا على الأقل من أجل إنجازها، يجب أن تكون نسخة منها فوق مكتب كل مسؤول، ولا ينطلق في أي برنامج، أو مخطط، قبل الاطلاع على أرقامها ونسبها. وإخضاعها إلى القراءة الجيدة. لقد تأكد الجميع، في السنوات الأخيرة، أن المغرب لا يعاني مشكلا في التمويل والموارد المالية، بل معضلة في الرؤية والتصور. معضلة في التصورات المبنية على معطيات وأرقام خاطئة.

“شكون حنا؟”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصيد البحري... أولويات مستعجلة

عرس ببيوت طلبة الطب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات