“لن أبدأ الحروب بل سأنهيها”

دعوة للسلم والأمن والاستقرار والتقاط الأنفاس أطلقها الرئيس الجمهوري الجديد، المنتخب لأكبر دولة في العالم، عقب فوزه الساحق في انتخابات 2024، بفارق كبير عن منافسته من الحزب الديمقراطي. هكذا تحدث "دونالد ترامب" إلى أنصاره، عقب استحقاق اعتبره جنونيا وفوزا من الرب، ومشيئة إلهية للعودة إلى البيت الأبيض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة وضع العالم على سكته الطبيعية، بعد سنوات من الفوضى والدماء والحروب في روسيا وأوكرانيا وفلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا والسودان. العائد إلى البيت الأبيض من محاولة اغتيال كادت تودي بحياته، وأيضا من مسلسل ماراثوني من جلسات محاكم، قال إن الوعود تنفذ، ولا تطلق على عواهنها، وأحسن الوعود ما يحتفظ به سرا، حتى يترجم إلى إنجاز في الواقع، وإلى حقيقة. وأكد ترامب، في كلمة نصر باذخة في الساعات الأولى من صباح أمس (الأربعاء)، أن أمريكا الجديدة لها ثلاث مهام: حماية الحدود من المجرمين، أو الوافدين غير القانونيين، وإنهاء الحروب في بقاع العالم وتفكيك أوهام "القوة" في أوربا والشرق الأوسط وآسيا، وتحسين الأوضاع الاقتصادية لملايين الأمريكيين (من كل الفئات والمستويات والمشارب)، الذين وضعوا ثقتهم فيه، وراهنوا على تجاوز سنوات عجاف. وبشخصية كاريزمية، عنيدة، وقوية تسمي الأشياء بمسمياتها، دون تنميق، أو محسنات بلاغية، يعول العالم على الرئيس الجمهوري الجديد، لحل عدد من القضايا العالقة، أهمها وضع حد لحربين دمويتين، ويتعلق الأمر بالحرب بين روسيا وأوكرانيا والتحيز المبالغ فيه للبيت الأبيض للرئيس الأوكراني وصرف ملايير الدولارات من ميزانية الشعب الأمريكي في مواجهة بلا أفق. أما الحرب غير العادلة الأخرى التي ينتظر من ترامب أن يضع حدا لها، هي الحرب الإسرائيلية ضد مواطنين شبه عزل في فلسطين ولبنان، ذهب ضحيتها من الجانبين أكثر من 50 ألف قتيل، وأكثر من 180 ألف جريح ومصاب، ناهيك عن الخسائر الفادحة في العمران والتجهيزات والمدن والمرافق العمومية الأساسية. ومن شأن الوفاء بهذا الوعد أن يجنب العالم المتحضر والحر مشاهد مرعبة للدماء والأشلاء والدموع، مع العودة السريعة إلى طاولة الحوار والتفاوض على حل الدولتين المستقلتين بضمانات صارمة لعدم العودة للحرب. في المغرب، لا نحتاج إلى رموز وبشائر، كي نؤكد أن عودة صديق المغرب إلى البيت الأبيض، كافية كي ترعب شرذمة الانفصال والارتزاق في الجزائر وتندوف، وهي الشرذمة التي تنفست الصعداء، قبل أربع سنوات بوصول بايدن إلى الحكم، واعتبرت "اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء مجرد هذيان من رجل يستعد للرحيل". أبرز هذه البشائر، تزامن الإعلان عن فوز ترامب بولاية ثانية مع احتفالات الشعب المغربي بالذكرى 49 للمسيرة الخضراء التي أنهت، بلا حرب، عقودا من الاستعمار الإسباني لأقاليمنا الجنوبية. ويحمل هذا التزامن العفوي أكثر من دلالة في سياق إقليمي، تتعاظم دلالته لإنهاء وهم زرع دويلة لقيطة في شمال إفريقيا، وهي حقيقة، لم تعد مجرد أمنية، بل تحولت إلى واقع فوق تراب الصحراء المغربية، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا. نشعر بألم "أشقائنا" الذين ينازعوننا أرضنا، ونسمع صراخهم من شدة الضربات المتتالية، والأخرى القادمة في الطريق، لكن نعيب عليهم أنهم لم يفهموا الدرس التاريخي جيدا: "ليس هناك أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة". رحمك الله وينستون تشرشل.

“لن أبدأ الحروب بل سأنهيها”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فرز النفايات... السهل الممتنع

تأييــد حكــم قـاتـل أخـيه بالحـسيـمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات