تارودانـت… بيـن الأنقـاض والأمـل

مرت سنة على زلزال الحوز الذي ضرب المغرب في 8 شتنبر2023، تاركا أثرا عميقاً في نفوس السكان وأرضا مثقلة بالدمار. كان إقليم تارودانت من أكثر المناطق التي تضررت بشدة، حيث دفعت الجماعات القروية الثمن الأكبر من ذلك الزلزال الكارثي. فبينما كانت آمال الناس تتطلع نحو العودة إلى الحياة الطبيعية، وجدوا أنفسهم أمام واقع مرير، ومسار طويل ومعقد نحو إعادة الإعمار. على الرغم من الجهود التي بذلتها الدولة في محاولة لتجاوز آثار الكارثة، إلا أن الطريق لا يزال محفوفا بالتحديات، وسط بطء ملحوظ في سير عملية الإعمار وتوالي تساؤلات السكان عن مستقبلهم الذي بات مجهولاً في ظل استمرار تلك المعاناة. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) في صباح ذلك اليوم من شتنبر 2023، كانت الأرض ترتجف تحت أقدام سكان تارودانت. اهتزت المباني، وتصدعت جدران المنازل، وانهارت العديد منها كليا أو جزئيا، مخلفةً وراءها جماعات منكوبة و1604 دواوير يعمها الحزن والأسى. الأرواح التي فقدت، والمنازل التي تهاوت، جعلت من الزلزال ليس مجرد كارثة طبيعية، بل جرحا غائرا في الوجدان. ومع كل ما حدث، سارعت الدولة لتقديم المساعدات العاجلة، لتكون الجهود المبذولة بمثابة قارب نجاة في بحر من الدمار. سارعت الحكومة بناء على توجيهات من الملك محمد السادس، لاتخاذ جملة من الإجراءات لتجاوز تلك المحنة والتخفيف من معاناة الأسر المتضررة، وتشكيل لجان محلية لتقييم حجم الأضرار والبدء في وضع خطط لإعادة إعمار ما تهدم. في اللقاء التواصلي الذي نظم بمقر عمالة إقليم تارودانت، يوم الاثنين الماضي، جرى استعراض الجهود التي بذلت حتى الآن. أرقام تتحدث عن نفسها: 14978 مستفيدا من عمليات إعادة الإعمار، و14246 رخصة بناء تم تسليمها، بالإضافة إلى إزالة أنقاض 13430 منزلا. هذه الأرقام وإن كانت تبرز حجم العمل المبذول، إلا أنها تظل قاصرة في تلبية آمال الكثير من السكان، الذين يرون في ذلك تأخراً لا يرقى إلى مستوى الحاجات الفعلية. لم يكن إقليم تارودانت وحده في مواجهة هذه المعضلة، فقد أضافت المناطق غير القابلة للإعمار تحديا إضافياً إلى الجهود. بلغت الإحصاءات 776 منزلا في مناطق مهددة بالانهيارات الأرضية أو الفيضانات، وهي أماكن لم تعد صالحة للسكن، تتطلب حلولاً جذرية تتجاوز مجرد إعادة البناء. كانت الحلول المعلنة تتمثل في إعادة إيواء السكان في مناطق أكثر أمانا، لكن العقبات المالية واللوجستية عرقلت هذه الخطط، تاركة الناس في دواري «تدارت» و»مضيت» في انتظار أمل ربما يطول انتظاره. تأهيل المدارس البنية التحتية كانت ولا تزال جرحا مفتوحاً في إقليم تارودانت. المدارس التي انهارت أو تضررت تعد بمثابة حجر الزاوية في أي عملية إعادة إعمار مجتمعية. تمت إزالة أنقاض 50 مؤسسة تعليمية بتكلفة مالية ناهزت 4 ملايين درهم، لكن الطريق نحو إعادة بناء تلك المؤسسات لا يزال طويلا، مما جعل الآلاف من الأطفال محرومين من حقهم في التعليم. قام شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يوم الثلاثاء الماضي بزيارة تفقدية لعدد من المؤسسات التعليمية المتضررة جراء الزلزال في إقليم تارودانت، في إطار متابعة تقدم برنامج تأهيل وإعادة بناء المؤسسات التعليمية المتضررة، وذلك لضمان استمرارية تقديم الخدمة التعليمية للأطفال في أفضل الظروف الممكنة. استهدفت زيارة الوزير العديد من الجماعات التي تأثرت بشكل مباشر بالزلزال الذي وقع في 8 شتنبر 2023، حيث تعرضت بعض المؤسسات التعليمية لأضرار جسيمة، تتراوح بين الانهيار الجزئي والكلي. وفي هذا السياق، وضعت الوزارة برنامجاً شاملا يهدف إلى تأهيل وإعادة بناء تلك المؤسسات، بهدف تحسين الظروف التعليمية وضمان عودة التلاميذ إلى مدارسهم بشكل طبيعي. خلال تلك الزيارة، عاين بنموسى مؤسسات تعليمية تم تأهيلها بالفعل، مثل الثانوية الإعدادية «إداوكماض»، ومجموعة مدارس «أيت معلا»، والثانوية الإعدادية «تالكجونت»، والمدرسة الجماعاتية «تالكجونت». كما اطلع على مشروع إعادة تأهيل المؤسسات الذي تنفذه الشركة العقارية العامة، بالإضافة إلى الأقسام المعيارية التي أقامها المكتب الشريف للفوسفاط في العديد من المدارس المتضررة. وأثمرت تلك المجهودات التي تبذلها الوزارة في تحسين ظروف استقبال التلاميذ بالمناطق المتضررة، ما أدى إلى تقليص الحاجة للخيام الدراسية المؤقتة. وأوضح الوزير أن الانتهاء من تأهيل عدد من المؤسسات التعليمية في أقاليم الحوز، شيشاوة، وتارودانت، سيسمح باستقبال أكثر من 19 ألف تلميذ وتلميذة، عبر 169 مؤسسة تعليمية تم تأهيلها مع بداية الموسم الدراسي 2025/2024. تحديث البنية التحتية تواصل السلطات المحلية بإقليم تارودانت جهودها لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة جراء زلزال الحوز الذي ضرب المنطقة. تعد هذه الجهود جزءا من إستراتيجية شاملة تهدف إلى استعادة الحركية وتعزيز التواصل بين الجماعات المتضررة، مما يسهم في تسريع وتيرة إعادة الإعمار والتخفيف من معاناة السكان. من أبرز المشاريع التي تشهدها المنطقة، مشروع تأهيل الطريق الوطنية رقم 7 التي تربط بين جماعتي تيزي نتاست وتافنكولت. هذا المشروع الحيوي الذي كان من المقرر أن يسهل حركة التنقل بين إقليمي الحوز وتارودانت، شهد بعض التأخير، حيث لم تتجاوز نسبة إنجازه 15% في بعض المقاطع. لكن بالرغم من هذا البطء في التقدم، تم إعطاء انطلاقة لصفقتين جديدتين تهدفان إلى تسريع إنجاز هذا المشروع. يمتد المقطع الأول على طول 8 كيلومترات، بتكلفة تقدر بـ101 مليون درهم، بينما يبلغ طول المقطع الثاني 22 كيلومتراً، بتكلفة 178 مليون درهم. وبخصوص إزالة آثار الزلزال على الطرق والبنية التحتية، تمكنت مندوبية وزارة التجهيز بإقليم تارودانت بالتعاون مع شركائها من تحقيق إنجازات مهمة في فترة وجيزة، إذ تمت إزالة جميع الحواجز والمعيقات التي خلفتها الهزة الأرضية على الطرق الوطنية والإقليمية المصنفة، مما ساعد في استعادة الحركية الطبيعية لتلك الطرق وعودة حركة النقل بشكل سلس. كما شملت تلك التدخلات تفويت 6 صفقات تفاوضية بلغت تكلفتها 104.6 ملايين درهم، لإزالة أنقاض المباني العامة والمساكن التي انهارت جراء الزلزال. انتهت المرحلة الأولى من تلك العمليات، بينما يوشك الشطر الثاني على الانتهاء، ما يعد خطوة مهمة نحو تحسين ظروف العيش واستعادة الاستقرار في المناطق المتضررة. دعم التجار والصناع رغم الدمار الواسع الذي طال المنازل، لم يتوقف نبض الحياة في إقليم تارودانت، وإن كان قد تعطل بشكل كبير. فقد تكبد قطاع الصناعة التقليدية، الذي يشكل جزءاً أساسياً من هوية الإقليم، خسائر فادحة، فقد تضررت ورشات عمل 892 صانعاً تقليدياً، ورغم تقديم بعض الدعم المالي، لم يكن كافياً لترميم الأضرار التي خلفها الزلزال. كما لم يسلم التجار من آثار الكارثة، إذ بلغ عدد المتضررين 587 تاجراً، بين من فقدوا محلاتهم كلياً أو جزئياً، أو تعرضت تجهيزاتهم لأضرار جسيمة. ورغم الجهود التي بذلتها وزارة الصناعة والتجارة بالتعاون مع السلطات المحلية، فقد زاد التأخير في معالجة الملفات من معاناة هؤلاء. كما أطلقت وزارة التجارة والصناعة برنامجاً استعجالياً لدعم التجار المتضررين من زلزال 8 شتنبر 2023 في إقليم تارودانت. استهدف البرنامج التجار أصحاب المحلات التي تعرضت لانهيار كلي أو جزئي، وكذلك أصحاب المحلات التي تعرضت لتشققات أو أضرار في التجهيزات، بالإضافة إلى التجار الذين لم يتعرضوا لأضرار، وتم اتخاذ ثلاث خطوات رئيسية. أولاً، تم إحصاء التجار المتضررين من قبل المندوبية الجهوية للصناعة والتجارة بالتنسيق مع السلطات المحلية، وأسفر عن تحديد 587 تاجراً. ثانياً، تم عقد اجتماعين يومي 21 و28 يونيو 2024 بمقر الكتابة العامة للإقليم، بحضور السلطات المحلية ومندوب الصناعة والتجارة بأكادير، لتصحيح الأخطاء المادية والمصادقة على المعلومات المتعلقة بالتجار، ثالثاً، تمت إحالة لائحة التجار على المصالح المركزية لوزارة الصناعة والتجارة لإجراء خبرة فنية من قبل مختبر LPEE، بهدف تعويض المتضررين المستحقين في المستقبل القريب. مبادرات لدعم الفلاحين في أعقاب الزلزال الذي ضرب إقليم تارودانت، عملت وزارة الفلاحة والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، على دعم المناطق المتضررة على التعافي والنمو من جديد، من خلال مشاريع ميدانية، إذ بدأت وزارة الفلاحة من خلال المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بسوس، بتنفيذ برنامج استعجالي لتخفيف آثار الزلزال على القطاع الفلاحي، شمل فتح وتشطيب أكثر من 42 كيلومترا من الطرق والمسالك القروية، مما سهل الوصول إلى المناطق الريفية وسمح بتحسين حركة النقل والإمداد. بالإضافة إلى ذلك، تم تأهيل 12 وحدة لتثمين المنتجات الفلاحية، مما يعزز من قدرة الفلاحين على تحسين جودة منتجاتهم وزيادة قيمتها السوقية. كما قامت الوزارة بحفر 7 مصادر جديدة للمياه الصالحة للشرب، وهو ما يمثل خطوة حيوية لضمان توافر المياه في المناطق المتضررة. كما قامت الوزارة بتوزيع 11380 رأسا من الأغنام و87 ألف قنطار من الشعير لدعم المزارعين وتلبية احتياجاتهم الأساسية. وفي إطار دعم القطاع الزراعي، تمت زراعة 110 هكتارات من الخروب ومعالجة 10 آلاف شجرة زيتون، مما يساهم في استعادة الإنتاج الزراعي وتطويره. شمل الدعم أيضاً توزيع 54 طنا من بذور الزعفران و121 ألف نقلة لأشجار مثمرة، بالإضافة إلى تقديم أجهزة ومعدات للتعاونيات الفلاحية المحلية، مما يعزز من قدرتها على العودة إلى العمل بكفاءة. في هذا السياق، تولت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان تنفيذ برنامج استعجالي بتكلفة إجمالية قدرها 40 مليون درهم. كان البرنامج يركز على ثلاثة مجالات رئيسية: أولاً، تم تنفيذ 10 مشاريع لتحسين تزويد الماء الشروب في 10 جماعات ترابية، بتكلفة تصل إلى 10 ملايين درهم، إذ استفاد منها حوالي 6,673 شخصاً في 27 دواراً. ثانيا، تم بناء 15 كيلومترا من الطرق القروية بتكلفة 23 مليون درهم، مما ساعد في فك العزلة عن 15 دوارا ونسبة الولوج إلى تلك المناطق. ثالثاً، وفي إطار محور التعليم، تعاونت الوكالة مع المجلس الإقليمي لتارودانت لشراء وتوزيع 17 سيارة للنقل المدرسي، بتكلفة قدرها 7 ملايين درهم، لتحسين الوصول إلى التعليم في المناطق المتضررة. مخيمات نموذجية في أعقاب الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، برزت جمعيات المجتمع المدني كحجر أساس في دعم التجمعات المتضررة، إذ قدمت الدعم المادي والمعنوي في أوقات حرجة. من بين تلك الجمعيات، تميزت جمعية سند الأجيال في أكادير بمشروعها المبتكر “المخيم النموذجي”، الذي استهدف سكان دوار “گما” بالجماعة الترابية تيگوكة في أعالي جبال إقليم تارودانت. تحتوي المخيمات النموذجية التي أنشأتها الجمعية على منازل مركبة ومجهزة بالكامل، صُممت لمواجهة التحديات البيئية من أمطار وشمس. وتم تجهيز كل منزل بغرفة كبيرة ومطبخ موصول بالماء الصالح للشرب، فضلا عن حمام، مما يوفر للأسر مستلزمات الحياة الأساسية. إضافة إلى ذلك، زُود المخيم بنظام إنارة يعمل بالطاقة الشمسية، بينما يجري العمل على ربط المخيم بالكهرباء، كما تم جلب الماء من مسافة تقارب ثلاثة كيلومترات وتوصيله إلى جميع البيوت. كما تم توزيع صناديق خاصة بأدوات ومواد النظافة لضمان الحفاظ على بيئة صحية. لعبت هذه المبادرات الجمعوية، إلى جانب جهود أخرى مماثلة، دورا حاسما في تحسين ظروف المعيشة للمتضررين وتخفيف معاناتهم، مظهرةً روح التضامن والمساهمة الفعالة في الأوقات الصعبة. الأمل رغم الاحتجاجات وسط كل هذا، تعالت أصوات السكان، في احتجاجات متكررة، تعبيرا عن استيائهم من غياب المساواة والشفافية في توزيع المساعدات. أمام مقر عمالة تارودانت ، تجمعت حشود من جماعات مثل إمي لمايس، وسيدي واعزيز، وتفنكولت، وتيزي نتاست، وأداوكيلال، معلنين رفضهم لما وصفوه بـ"الوعود غير المحققة". لقد انتقدوا ما يعتبرونه تمييزاً في توزيع الدعم، وطالبوا بالالتزام بتوجيهات الملك محمد السادس التي تؤكد على ضرورة تعميم الاستفادة دون استثناء. لم يجد المحتجون سبيلا آخر غير الاحتجاج، لذلك عبروا عن شعورهم بالخذلان، بعد أن طال انتظارهم. فبينما تستمر الدولة في محاولاتها لاحتواء الأزمة، يتنامى شعور اليأس لدى المتضررين. كيف لا، وقد مر عام كامل على الزلزال، ولا تزال العديد من الأسر تعيش في خيام مؤقتة، تواجه تقلبات الطقس وتحديات الحياة اليومية. ورغم تكرار زيارات اللجان المعنية لإحصاء الأضرار، فإن الوضع لا يبدو أنه يتحسن على أرض الواقع. أمام هذا المشهد، رفع المحتجون أصواتهم، مناشدين الملك مرة أخرى للتدخل بشكل مباشر، في خطوة يأملون أن تكون هي الفاصلة بين وعود لا تتحقق وعمل ينجز على أرض الواقع. في ظل تلك النداءات، يبقى السؤال: هل يمكن أن تتسارع وتيرة الإعمار؟ وهل يمكن لهذه الجهود المبذولة أن تصل أخيراً إلى كل من هو في أمس الحاجة إليها؟ وبينما تبدو الصورة قاتمة، يظل الأمل قائما في أن تشهد الأشهر المقبلة تحولا حقيقيا في مسار الإعمار. اللجنة الإقليمية التي تجمع مختلف القطاعات الوزارية، تعمل جاهدة على تحسين التنسيق بين الجهات وتحديد الأولويات، لكن النجاح سيظل مرهوناً بقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في وقت قريب.

تارودانـت… بيـن الأنقـاض والأمـل

المتضررون من الزلزال وجدوا أنفسهم أمام مسار طويل ومعقد نحو إعادة الإعمار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السريع يضم الحواصلي

قارب "حراكة" يطيح بجنود حراسة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات