في مشهد غير مفاجئ، لم يتمكن "صغار السلفيين" من استيعاب الإجماع الكبير الذي حظي به الإعلامي الراحل جمال براوي، سواء من قبل المثقفين أو السياسيين. ذلك الإجماع الذي أشاد بمواقفه النبيلة وإخلاصه في الدفاع عن الثوابت الوطنية، لم يكن ليستسيغه أولئك الذين يرون في أنفسهم "خلفاء الله في المغرب"، والمتشبثين بأنهم الوحيدون الذين يمتلكون مفاتيح الجنة، يمنحونها فقط لأتباعهم. براوي، الذي قضى حياته مدافعا عن القيم الوطنية، ومتصديا بحزم للإرهاب، لم يكن ليتردد في مواجهة السلفيين والتصدي لأفكارهم المتطرفة، ناهيك عن دفاعه عن قضايا الوطن، وهي القيم التي وردت في برقية التعزية الملكية حين قال الملك محمد السادس: "الراحل صحافي ومحلل سياسي واقتصادي مقتدر، مشهود له بمسار إعلامي متميز، جبل على العطاء والوفاء الثابت لمبادئ المهنة وأخلاقياتها التي جسدها، بكل جرأة وموضوعية، في دفاعه المستميت، وبحس وطني صادق وغيور، عن المصالح العليا لبلده، وعن ثوابت الأمة ومقدساتها". لكن، كما هو الحال دائما، وجد صغار السلفيين في وفاة براوي فرصة للتشفي والتشهير، فحسن الكتاني، أحد هؤلاء، لم يتردد في كتابة تدوينة على "فيسبوك" قال فيها: "هلك الصحافي جمال براوي، الذي استخدم قلمه لمحاربة الإسلام والمسلمين في المغرب ومحاربة الفضيلة... وكانت له معي جولات افترى الكذب علي افتراء صريحا..."، ثم فتح الباب لباقي صغار السلفيين للنيل من براوي، فانهالوا عليه بالسب والتهجم، متجاهلين تماما تعاليم الدين التي تأمر بذكر محاسن الموتى. لم يرق للسلفيين إيمان براوي بالقيم الديمقراطية، والاختلاف في الرأي والاجتهاد، ودفاعه عن الإسلام المعتدل، بعيدا عن وصاية السلفيين، الذين يرفضون أي محاولة لتقديم تفسير جديد أو مختلف للنصوص الدينية، ويعتبرون ذلك تهديدا لوجودهم. لقد كشف الكتاني عن مدى قوة براوي الفكرية، أمام ضعفهم، ومحدودية قدرتهم على التعايش مع التنوع والاختلاف، مقابل عزلتهم الفكرية، في مجتمع يحتاج إلى الحوار والتفاهم، وليس إلى نهج سلفي بمثابة عائق أمام بناء جسور التواصل والتفاهم بين مختلف التوجهات. تكفي زيارة صفحة الكتاني، على "فيسبوك" لاكتشاف "كائنات" بشرية جبلت على التطرف، والتشدد وأحيانا التخبط في المواقف، فبعضهم أشبه بقنابل موقوتة تنتظر الفرصة للتعبير عن حقد وكره للمجتمع. وليطمئن الكتاني وباقي صغار السلفيين، أن براوي لم يمت، فأفكاره مازالت حية، ودفاعه عن الوطن يسري في دماء المغاربة، إلا من بعض من يعتقدون أنهم يملكون "صكوك" الجنة والنار، فشتان بين المتاجرة بالدين وفتح الأبواب للتطرف، وبين دعاة الحق في الاختلاف. خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية:mayougal@assabah.press.ma