في كل مرة يستفيق المجتمع على وقع كارثة اغتصاب الأطفال، وهتك أعراضهم. أطفال في عمر الزهور، يتم الاعتداء عليهم والعبث بأجسادهم الصغيرة، من جان إما قريب أو غريب، وبين تلك الثنائية، تضيع البراءة وتخدش، لتخزن في ذاكرة الطفل ذكريات أليمة ومخيفة تترجم إلى كوابيس. وفي كل مرة، في حال اعتقال الجاني تتم محاكمته، ولكن الغريب في الأمر أنه يحظى في حالات معينة بظروف التخفيف، ما يساهم في تزايد الظاهرة، التي أضحت لصيقة بعدد من الأشخاص من المفروض أن يكونوا حماة للأطفال، إلا أنهم خانوا ذلك الرباط، وتحولوا إلى "بوخنشة"، تلك الأسطورة الشعبية التي كان الأهل يخيفون بها الطفل لأجل الانصياع إلى أوامرهم، وعدم الخروج إلى الشارع، لأن الغول "بوخنشة"، إذا ما وجده بمفرده، فإنه سيذبحه أو يأخذه إلى مكان بعيد، وكانت أسطورة "بوخنشة" تفيد أن ذلك الغول هو غريب، ومن ثم فأي شخص غريب يجب الابتعاد عنه. إلا أنه في واقعنا الحالي تحول "بوخنشة" الغريب إلى قريب وترجم في أب مارس ساديته على أطفاله أو عم أو خال، وتزداد الأمور سوءا حينما يصبح "بوخنشة" ذلك المربي، الذي يعهد إليه بتربية وتعليم الأطفال، فيجد الطفل نفسه تائها بين أسطورة "بوخنشة" والواقع المرير الذي يحيط به. أضحى التحرش الجنسي بالأطفال واغتصابهم ظاهرة خطيرة تتفاقم في أوساط المجتمع المغربي، سنة عن سنة، وما يزيد استفحالها أنها ظاهرة صامتة، ومن ثم يتم التساؤل، هل جرائم الاغتصاب وما يواكبها من تحرش وعنف جنسي على الأطفال تندرج في خانات الانحرافات الفردية؟ أم أنها نتيجة سلوكات لم يتداركها المجتمع من خلال إجراءات الرعاية والاحتضان والتربية والتوجيه والتأهيل؟ كلها أسئلة تحيل على السؤال الرئيسي، من المسؤول عن تفشي هذه الظاهرة؟ رغم أن القانون الجنائي يضم نصوصا قانونية تزجر هذه الأفعال الشنيعة بعقوبات رادعة، ولماذا يتم تفعيل ظروف التخفيف في حق الجناة الذين عبثوا بأجساد بريئة؟ فالحاجة اليوم جدية إلى تعديل النصوص القانونية قصد إلغاء ظروف التخفيف والعناصر المؤدية له، بالإضافة إلى ضرورة كبح حق الأبوين في التنازل عن مثل هذه الدعاوى، لأن الولاية الشرعية تفرض الحفاظ على حقوقهم وليس التنازل عن حق هذا الطفل في أن ينال المعتدي العقوبة الرادعة. النصوص القانونية واضحة، فإذا ما تم تطبيق مضامينها بشكل صحيح، ستشكل الرادع الحقيقي لمثل هذه الذئاب الجائعة، لأن ظاهرة اغتصاب الأطفال لا يتوقف أثرها على المدى القريب، بل لها آثار خطيرة على ذلك المعتدى عليه في تشكيل شخصيته على المدى البعيد، والمعالجة الصحيحة لمثل هذه القضايا يجب أن تكون بنظرة شمولية حتى لا تترك ندوبا يصعب علاجها. كريمة مصلي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma