«الصباح» عاينت الوضع الكارثي لمعلمة تاريخية تحولت لمجرى قاذورات ينذر الوضع الحالي لوادي بوفكران بحدوث كارثة بيئية خطيرة تجهل عواقبها، بعدما تحول إلى مجرى لمياه الصرف الصحي التي يتخلص منها سكان الجماعة والمناطق المجاورة أمام الصمت المريب للجهات المسؤولة. إنجاز: حميد بن التهامي (مكناس) يتسبب الوضع الكارثي بالوادي في أضرار مباشرة للقاطنين بشكل غير مسبوق، نتيجة انبعاث الروائح النتنة التي تزكم الأنوف خاصة منهم المجاورين لمجرى الوادي، أو العابرين على متن مركباتهم بالطريق الوطنية 13 التي تشق بلدة بوفكران من وإلى مكناس والأقاليم المجاورة، ناهيك عن انتشار الحشرات الناقلة للأمراض الفتاكة التي تهدد حياة المتضررين. معاينة ميدانية سجلت "الصباح" من خلال معاينة ميدانية، الوضع البيئي المتردي الذي أصبح عليه وادي بوفكران، جراء تصريف مياه الصرف الصحي في مجرى الوادي دون معالجة، ما حوله إلى قنبلة موقوتة تهدد المنطقة بكارثة بيئية غير مسبوقة وحياة الصحة العامة للسكان، جراء استعمال المياه الملوثة والعادمة التي عوضت مياه الوادي في سقي بعض أنواع الخضروات التي يتم ترويجها في الأسواق المحلية من قبل أصحاب الضيعات الفلاحية المجاورة، ناهيك عما يتسبب فيه الوضع كذلك من أضرار للطبيعة ولبعض الكائنات الحية من نباتات وحيوانات على حد سواء. وفي سياق متصل، ندد فاعل جمعوي، بما أسماه الوضع البيئي الكارثي الذي أصبح عليه وادي بوفكران، بعدما كان بالأمس يشكل فضاء سياحيا وترفيهيا مهما، باعتباره معلمة تاريخية ومفخرة للأجيال المتعاقبة، غير أن الإهمال والتهميش وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه هذا المرفق الحيوي المهم من قبل مدبري الشأن العام المحلي، حولته إلى ما يشبه نقطة سوداء تثير قلق السكان برمتهم. قبل فوات الأوان أكد الفاعل الجمعوي أن مياه وادي بوفكران الملوثة بمياه الصرف الصحي ستطرق مستقبلا أبواب حوض المعلمة التاريخية الشهيرة "صهريج السواني" بالعاصمة الإسماعيلية، إذا بقي الحال على ما هو عليه، لذا وجب إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان"، على حد تعبير المصدر. وأمام هذا الوضع البيئي الخطير الذي بات وصمة عار على جبين المنتخبين الذين يمثلون السكان، الذين فضلوا التزام الصمت تجاه هذا المشكل البيئي الخطير الذي يوحي بوقوع كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة، اضطر السكان المتضررون إلى طرق باب عبد الغني الصبار عامل عمالة مكناس، مناشدين إياه التدخل الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، بعد تقاعس مجلس جماعة بوفكران وعجزه عن القيام بالدوره المنوط به للحد من نزيف الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي الخطير الذي يهدد حياة سكان المنطقة برمتها. ومنذ عشر سنوات، تم الانتباه إلى هذا الوضع عبر عرض قدم أمام مجلس عمالة مكناس وحضره العامل آنذاك، وركز على الوضع البيئي بالمدينة خاصة على مستوى وادي بوفكران الذي يعرف تلوثا ناتجا عن عدة مصادر حددها العرض في التجمعات السكنية بالجماعة التي لا تتوفر على محطة لمعالجة المياه العادمة. وقدم هذا العرض حلولا لتلوث وادي بوفكران حددها في ضرورة إنشاء محطة معالجة المياه العادمة، وهو المشروع الذي لا أحد يعرف مصيره. المجلس غارق في الخزعبلات عوض الانكباب على هذا المشكل، ينشغل أعضاء المجلس الجماعي في صراعات وحسابات سياسية ضيقة، من قبيل المطالبة بعزل الرئيس جراء استغلاله الإنارة العمومية بمسكنه. وتحرك الأعضاء بعد نشر صفحات لتلك الصور ووجهوا شكاية لعامل إقليم مكناس، مطالبين بإيفاد لجنة تحقيق للوقوف على هذه الحقيقة، مع أن الحقيقة الوحيدة هي اختلاط دماء الشهداء بمياه المراحيض والقاذورات بوادي بوفكران. شيء من التاريخ الكل يتذكر "معركة وادي بوفكران"، معركة الشرف والكرامة التي انفجرت بعد سرقة لمياه سكان العاصمة الإسماعيلية من قبل الاستعمار الفرنسي، إذ استولى الفرنسيون على مياه "وادي بوفكران" عقب قرار وزاري في فبراير من 1937، وقعه آنذاك المقيم العام الفرنسي، ما دفع ممثلي وأعيان سكان مكناس إلى رفع عريضة إلى السلطان محمد الخامس، استنكارا واحتجاجا على "الحالة السيئة التي آلت إليها المدينة وما يحيط بها من حقول وبساتين بأشجارها المثمرة بسبب انحباس ماء وادي بوفكران. عريضة للسلطان جاء في العريضة "إننا نرى يا صاحب الجلالة، والأسف يملأ نفوسنا، أن جناننا وحقولنا أوشكت أن يجتاحها الجفاف ويتلف زرعها وثمارها ويميت أشجارها، في حين أن مزارع جيراننا المعمرين تتمتع كامل التمتع بالسقي من مياه العيون الثرية، وجداول الوادي المنهمرة الضرورية لحياتنا وحياة مدينتنا، وأن نفوسنا يا جلالة الملك لا تسمح بالتنازل عن ولو قطرة منه، ما دام به قوام حياتنا ومصدر قوتنا ومادة طهارتنا في مساجدنا ومعاهدنا وحماماتنا". وأمام تعنت المستعمر الفرنسي ونهج سلوك الصمت المريب، اجتمعت نخبة من السكان الغيورين على العاصمة الإسماعيلية وثروتها البشرية والطبيعية، وشكلت "لجنة الدفاع عن ماء أبي فكران"، وهي خطوة أثارت غضب الإدارة الاستعمارية، خاصة أن السكان كانوا متشبثين بحقهم المثبت بالوثائق التاريخية منذ أن كانت المدينة عاصمة للبلاد. وثارت ثائرة الاحتلال الأجنبي وشرع في اعتقال المئات من المكناسيين، من بينهم أعضاء في اللجنة المحلية المذكورة بعد عسكرة المدينة. وهي خطوة ما كان لها إلا أن تحرك سكان المنطقة الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية من "الجامع الكبير" قلب المدينة العتيقة، مطالبين بسراح المعتقلين ومحذرين من أن الثمن سيكون باهظا من الأرواح، وكذلك كان الأمر. وفي مطلع شتنبر 1937 أي قبل 87 سنة، أطلقت قوات الاحتلال الأجنبي على المتظاهرين المغاربة الرصاص الحي، ووجدت في حجارة السكان وعصيهم وفؤوسهم الجواب. جواب دون في تاريخ المقاومة المغربية، محطة من محطات الانتفاض الشعبي ضد الاحتلال وموالِيه، كان ثمنها دماء وأرواح المغاربة. الشهيدة رقية في غضون الشهر نفسه، وقع احتقان كبير مع توقف وصول الماء لمدينة مكناس. وكانت هذه سياسة استعمارية في مجموعة من مدن المملكة، إلا أن سكان مكناس لم يستسيغوا الأمر، وقامت "لجنة الدفاع عن ماء أبي فكران" بالتخطيط لرد الفعل، الذي تم بحضور أعضاء الحركة الوطنية والحركة القومية والحزب الوطني، الذين خرجوا بعريضة أخرى فيها ثلاثة أمتار، وقعها 1486 شخصا من سكان العاصمة الإسماعيلية، ثم ذهبت لجنة خاصة لتستقصي العيون في منابعها، وبعد عودتها، استدعاها رئيس أركان الجيش الفرنسي في مكناس، من أجل مقاضاتها، فنظمت إثره مظاهرات احتجاجية حاشدة، انطلاقا من المسجد الأعظم إلى ساحة الهديم الشهيرة قبالة المعلمة التاريخية "باب المنصور العلج"، فأجهز الجيش الفرنسي على المحتجين بالرصاص الحي وسقط المئات وربما الآلاف من الشهداء من مختلف أطياف المكناسيين، من فلاحين وعلماء وشيوخ من مختلف الأعمار، كان أولهم حامل لافتة كتبت عليها عبارات "الماء ماؤنا تفديه أرواحنا".