الوليدية … مؤهلات مهدورة

الجماعة الترابية الوليدية، التابعة ترابيا وإداريا لإقليم سيدي بنور، معروفة بصيتها وموقعها السياحي المتميز، تتوفر على بحيرة هادئة تزيدها جمالا ورونقا وإشعاعا، يدفع السياح المغاربة والأجانب إلى الإقبال عليها. توجد في موقع إستراتيجي، تبعد عن عمالة الإقليم ب74 كيلومترا وعن الجديدة وآسفي بالمسافة ذاتها تقريبا. ورغم مؤهلاتها السياحية، وإمكانياتها الفلاحية والاقتصادية والصناعية، تعيش على هامش التنمية المحلية، تعاني تبعات الصراعات السياسية والتهميش والإهمال والبناء العشوائي الذي أثقل كاهلها، في غياب مجلس جماعي يجمع كل الأطياف السياسية، في انتظار عودة رئيسه المريض. إنجاز: أحمد ذو الرشاد (الوليدية) "الوليدية مدينة مغضوب عليها، يأتيها المسؤولون لتمضية نهاية الأسبوع بها ثم يغادرونها"، هكذا عبر أحد شباب المنطقة عن الحرقة التي يحس بها، قبل أن يضيف، "الوليدية مثلها مثل مومس"، فاتحة ذراعيها "للبراني"، يعبث بمفاتنها، ليقطف فاكهتها قبل أن يتركها منهكة، متعبة، ويعود إلى مدينته التي يعمل ويعيش بها، على أمل العودة إليها كلما احتاج إليها. مدينة مريضة كل من يعرف الوليدية، ويزورها من حين لآخر، يتحسر على واقعها المريض، الذي لم تفلح في علاجه التحالفات الانتخابية وعمليات تدخل السلطات الإقليمية وزيارات اللجن المركزية، التي وقفت عاجزة أمام مرضها العضال. الوليدية، المدينة الوديعة، الرابضة على ضفة ربوة عالية، تطل من خلالها على مياه المحيط الاطلسي، في حاجة إلى عملية قيصرية للقطع مع هذا الداء، الذي استأثر بمفاصلها وحد من نموها وتطورها، عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياحيا. جالست "الصباح" عددا من أبناء الوليدية منهم الجمعوي والرياضي والحقوقي، وأجمعوا كلهم على أنها ابتليت ببعض المسؤولين، الذين لا تهمهم عافيتها ولا نموها، كباقي المنتجعات السياحية الأخرى، بقدر ما تهمهم مصالحهم الصغيرة والتافهة. "ما هو نصيب الوليدية من المشاريع التنموية في أفق الاستحقاقات المقبلة؟"، هكذا تساءل كريم باسم، رئيس الفرع المحلي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، قبل أن يضيف، أن الوليدية حرمت من التوسع العمراني على الشريط الساحلي، المفروض أن يكون واجهة فريدة من نوعها لتشجيع الاستثمار السياحي والاقتصادي. وتشعب النقاش ووصل إلى ما يسمى باتفاقية "رامسار" التي تم بموجبها منع الاستثمار على الشريط الساحلي، ليعقب أحدهم أنها (الاتفاقية) ليست قرآنا منزلا، لا يمكن إعادة التفكير في تعديلها وتحيينها بما يخدم المنطقة، متسائلا في الوقت ذاته عن سر وظروف تفويت جزء من الأراضي السلالية لشركة العمران بقيمة مالية هزيلة، حيث فوجئوا بالشروع في بيعها بأكثر من 5 آلاف درهم للمتر المربع. معضلة الصيف تواجه مسؤولي المجلس الترابي للوليدية، في غياب رئيسه الذي يتابع علاجه خارج المدينة، تحديات كثيرة وملفات كبرى، أبرزها كيفية إعادة تهيئة بعض الدواوير، المحيطة بالمركز الحضري منها "دوار الشبوقات" ودوار مولاي عبد السلام ودوار البيوت والجنينة، التي مازالت مظاهر البناء العشوائي طاغية عليها في غياب الصرف الصحي والطرقات. وتساءل أحد شباب المنطقة، "الوليدية على أبواب الصيف، ماذا أعد المجلس الترابي لها"؟. تعاني الوليدية أثناء المرحلة التخييمية غياب فضاءات الترفيه والتثقيف والرياضة، وتسود الفوضى في المراكن، إذ يتعرض الزوار والضيوف لابتزاز واضح ومكشوف من قبل أصحاب "الجيليات"، كما يشرع في منع العديد منهم من الهبوط إلى الوليدية السفلى حيث يوجد البحر وفواكهه والمطاعم الشعبية بدعوى عدم وجود مراكن للسيارات. ومن المظاهر الملفتة للأنظار، تعرض الحديقة الوحيدة، التي تم افتتاحها أخيرا من قبل العامل السابق، لإتلاف محتوياتها وتجهيزاتها الرياضية التي كلفت مبالغ مالية مهمة، إضافة إلى الخصاص المهول في الجانب الصحي، إذ يفتقر المركز الصحي الوحيد للموارد البشرية، سيما في الفترة الصيفية، التي يتضاعف فيها الإقبال على الخدمات الصحية، بارتفاع سكان المدينة إلى عشرة أضعاف. وأكدت طبيبة بالمركز نفسه، أنه في حاجة إلى طبيب على الأقل حاليا لتأمين الديمومة وممرضين وممرضات، فهو لا يتوفر سوى على طبيبين والثالث مقبل على مغادرته بعد انتهاء فترة تعاقده و6 ممرضين وممرضات وممرض رئيس يقوم بعملية تنسيق المهام والخدمات. أعطاب السياحة سياحة بلا سياحة، عنوان عريض وكبير، للوضع المزري الذي يعاني قطاع السياحة بالوليدية. فهو يشكو عدة أعطاب، حدت من نموها المنتظر، رغم أن الأمر لا يتطلب سوى أخذ الأمور بجدية والاستماع وإشراك ذوي الاختصاص، من أجل تفادي هذه الأعطاب والمعيقات. يشتكي مهنيو القطاع السياحي، المطالبون بأداء رسوم وأقساط شهرية وضرائب كثيرة من تفشي الفوضى والعشوائية، التي تؤثر سلبا على وحداتهم السياحية. وصرح مالك إحداها، أن ظاهرة كراء الشقق المفروشة والفيلات والرياضات، وانتشار ظاهرة أصحاب "السوارت" بطريقة عشوائية، تضر بمصالحهم ومصالح الدولة، مشيرا إلى أن هؤلاء يلجؤون إلى عملية الكراء السرية دون أداء واجبات الاستغلال والكراء. ومن الملفت للنظر، انتشار عدد كبير من الأكشاك العشوائية المتخصصة في بيع فواكه البحر والأسماك. وانتقد عدد من المهنيين الترخيص لهم في غياب شروط العرض والبيع والطهو، إذ لا يتوفرون على ماء وكهرباء ومرافق صحية، بل يلجأ الزبناء الذين يترددون على هذه الأكشاك والخيام إلى قضاء حاجاتهم البيولوجية وسط الأشجار الموجودة خلفها. من جهة أخرى، عبر عدد من أصحاب الفنادق والوحدات السياحية عن تذمرهم نتيجة السكوت المريب من قبل السلطات المحلية، المتمثلة في المجلس الترابي وباشوية المدينة والسلطة الإقليمية، جراء ترك الحبل على الغارب بالترخيص لعدد من الأشخاص ببيع الأسماك وفواكه البحر بدون شرط أو قيد، مقابل التضييق على المهنيين، كما يحدث بالشاطئ، إذ لوحظ وجود أكشاك عشوائية لا تكتفي ببيع الأسماك وطهوها، بل تقدم المشروبات الروحية المغمورة في المياه والرمال. السوق الأسبوعي... نقطة سوداء كشفت زيارة "الصباح" للوليدية ومختلف مرافقها، أن السوق الأسبوعي، الذي كان يقام كل يوم سبت، وتم تحويله إلى الأربعاء، يشكل نقطة سوداء على جبين المدينة، لما يخلفه من نفايات وأزبال وضوضاء وضجيج واكتظاظ على مستوى حركة السير والجولان، والتسبب في حوادث سير. ويساهم انعقاد السوق الأسبوعي بمركز المدينة في تنامي ظاهرة احتلال الملك العمومي وانتشار البنيات العشوائية القارة والمتنقلة وازدياد عدد الكلاب الضالة، التي تشكل خطرا على حياة المتسوقين والمواطنين. ويفتقر السوق الأسبوعي، المفروض، إخراجه من وسط المدينة، إلى مجزرة عصرية تستجيب للشروط الصحية وإلى البنيات التحتية الأساسية التي تساعد التجار والباعة على عرض سلعهم في ظروف صحية وشروط مقبولة. وانتقد تجار المنطقة إقامة معارض دورية لا تستجيب لطموحاتهم ولا تفسح المجال أمامهم، مقابل تقديم تسهيلات للقادمين من خارج المدينة. واستغرب عدد من مهنيي قطاع السياحة عدم استغلال السوق النموذجي (الفضاء التجاري للقرب بالوليدية)، الذي أحدثه المجلس الترابي وكلفه ميزانية مهمة وأصبح اليوم عبارة عن أطلال، مقابل تشجيع التجارة العشوائية بمباركة من باشوية المدينة، التي تضرب القوانين المنظمة عرض الحائط وتضر بمداخيل المجلس نفسه. وفي انتظار إخراج المخطط التنموي للوليدية والعمل على تنميتها سيما أنها تتوفر على حوالي 10 آلاف هكتار من الأراضي السلالية، يمكن استغلالها في إحداث وداديات وتجمعات سكنية لتنمية المدينة، تبقى الوليدية عرضة لأطماع مافيا العقار، التي اغتنت على حساب أبناء المنطقة. غياب الأمن والمرافق الرياضية والثقافية رغم أن مركز الوليدية الحضري التابع ترابيا لإقليم سيدي بنور، يستأثر باهتمام عدد كبير من الزوار والضيوف، خلال نهاية كل أسبوع وفي شهور المرحلة التخييمية بداية من يونيو وإلى أكتوبر، فإن السكان يشتكون من غياب الأمن، إذ يقتصر الأمر فقط على الدرك الملكي، الذي يعجز، في ظل النقص الكبير في الموارد البشرية، عن تلبية حاجيات المواطنين، أمام توافد الزوار والسياح من كل بقاع العالم. وأوضح سعيد عدنان، فاعل جمعوي وأحد أبناء الوليدية، أن الضرورة أصبحت اليوم تفرض دخول الأمن الوطني، على غرار الزمامرة التي تعد أصغر منها، من حيث حركة السير والجولان وتوافد المصطافين. وتفرض الضرورة أيضا الرفع من رجال الدرك الملكي لتغطية الخصاص الحاصل، حماية وصونا لمصالح المواطنين. تعاني الوليدية أيضا غياب ثكنة للوقاية المدنية، إذ يتم اللجوء في حالات اندلاع حرائق أو غرق إلى طلب المساعدة من ثكنة الزمامرة أو الجديدة أو آسفي، علما أن المسافة الفاصلة بين هذه المدن والوليدية تتطلب ساعة على الأقل، وهو ما يعرض مصالح المواطنين والضحايا على الخصوص للضرر. وفي الوقت الذي كان فيه سكان الوليدية وشبابها، ينتظرون من رئيس المجلس الجماعي ومساعديه العمل على تنمية المدينة ثقافيا ورياضيا، فوجئوا ببقاء الوضع على ما هو عليه، بل أكدوا أنه تراجع عما كان عليه. وطالبوا بضرورة إحداث مرافق ثقافية، منها المكتبة الجماعية ودار للثقافة وإعادة الاعتبار لدار الشباب بتجهيزها وإعادة هيكلة مرافقها. وأوضح مصطفى مزهار، رئيس فريق أمل الوليدية التابع لعصبة الشاوية دكالة، أن أبناء الوليدية ينتظرون بفارغ الصبر إعادة تهيئة الملعب الموجود بطريق الزمامرة وإصلاح مرافقه والرفع من المنح الجماعية، لاحتواء أكبر عدد من شباب المنطقة، مشيرا إلى وجود فريقين ممارسين لكرة القدم، وهما اتحاد ونجم الوليدية، فيما طالب مسؤولو الرياضات الجماعية بإحداث قاعة مغطاة.

الوليدية … مؤهلات مهدورة

منتجع سياحي بصيت عالمي ومجلس جماعي تتجاذبه الصراعات السياسية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصب باسم قضاة بالبيضاء

تنازل تحت الضغط يفضح السلطات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات