اثنيـن اشتوكـة … سنـوات الضيـاع

الجماعة الترابية اشتوكة المعروفة باثنين اشتوكة، نسبة إلى سوقها الأسبوعي، جماعة تقع بنفوذ إقليم الجديدة، وتبعد عن عاصمة دكالة ب34 كيلومترا وعن العاصمة الاقتصادية ب65. ورغم الموقع الإستراتيجي لجماعة اثنين اشتوكة المتمثل في قربها من البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة والجديدة عاصمة الإقليم، إلا أنها ظلت من الجماعات التي ترزح بين أعطاب اقتصادية واجتماعية، من بينها البطالة وسوء البنيات التحتية وانعدام المرافق الضرورية، التي تجعل المنطقة متأخرة عن الركب لاحتفاظها بعدد من مظاهر العشوائية والفوضى، وكذا لعجز المشرفين على تسييرها عن تأهيلها، الأمر الذي يجعلها خارج التنمية، في زمن الأوراش المفتوحة لمغرب مزدهر ومتطور. إنجاز: محمد بها / تصوير (عبد اللطيف مفيق) (موفدا الصباح إلى اشتوكة) "مشى اثنين وبقات غير الشوكة"، عبارة طريفة اختارها أحد سكان اثنين اشتوكة للتعليق على الوضع السيئ الذي تعيشه جماعته، بعد أن تحولت آمال سكانها لجعلها ضمن المجالات التي يعول عليها لتحقيق التنمية، باعتبارها تتمتع بموقع إستراتيجي يتمثل في قربها من العاصمة الاقتصادية وكذا من الجديدة إلى يأس، بسبب مظاهر التخلف والتهميش. تهميش وتسيير انفرادي كشف عدد من السكان الغاضبين على حصيلة المجلس الجماعي، أنه رغم وجود التربة الخصبة التي تجعل اثنين اشتوكة أرضا فلاحية معطاء وموقعها الإستراتيجي الذي يجعلها قبلة للمستثمرين والفلاحين الكبار والراغبين في بناء ضعيات ومزارع منتجة، ومتنفسا للهروب من صخب المدينة، وشريطها الساحلي والميزانيات المهمة التي رصدت لها لتحقيق التنمية القروية وإخراج سكانها من العزلة والتهميش وانتشال شبابها من براثن الفقر والانحراف، إلا أن تلك المقومات المميزة لم تشفع لها في أن تكون ضمن المناطق المستفيدة من التأهيل والعصرنة، لجعلها ضمن الجماعات القروية الكبرى بجهة البيضاء سطات. وأجمع عدد من السكان على أن اشتوكة مازالت رهينة التخلف، بسبب عشوائية التسيير ووضع تسوده الضبابية، إذ أصبح السكان غير ملمين بما يجري داخل جماعتهم ولا بالصفقات التي تُعقد أو المشاريع المعطلة، التي اتضح أنها كانت مجرد وعود انتخابية مادامت لم تر النور منذ عقود، منتقدين غياب التواصل والإجهاز على الحق في الوصول إلى المعلومة، التي يضمنها الدستور، ومطالبين في الوقت نفسه بإيفاد لجنة من المفتشية العامة بوزارة الداخلية للقيام بعملية افتحاص لعدد من الملفات، المرتبطة بالتسيير الإداري والمالي وتعقب الاختلالات، التي أدت إلى رهن سكان الجماعة في مستنفع التخلف. ومن خلال جولة بالمنطقة ولقاءات بعدد من السكان المتضررين، يتضح أن قطار التنمية بجماعة اشتوكة مازال يسير بشعار "كم حاجة قضيناها بتركها" في رفض تام للأصوات المنتقدة لتسيير عشوائي، سواء من قبل السكان أو فعاليات المجتمع المدني أو الصحافة، نظرا لإيمان الرئيس الحالي بمنطق "أنا وحدي مضوي لبلاد". تحديات كبيرة وآفاق مسدودة تواجه المجلس الجماعي اشتوكة تحديات كثيرة وملفات كبرى، أبرزها كيفية فك العزلة عن مجموعة من الدواوير، التي مازالت غارقة في مستنفع التخلف وزمن القرون البائدة، سواء في ما يخص مواجهة شبح العطش بعد توالي سنوات الجفاف، وكذا ما يتعلق بمعالجة مشكل حرمان السكان من حق الربط الفردي بالكهرباء، إضافة إلى الاشتغال على ملف تسهيل تنقلات المواطنين، لربط المنطقة التي تعتبر مترامية الأطراف بخطوط النقل العمومي، إسوة بجماعات أخرى، عوض الاعتماد على وسائل النقل السري "الخطافة" والعربات المجرورة بالدواب "الكراول". وتعاني دواوير اشتوكة ضعفا كبيرا في البنية التحتية، ما تسبب في تعطيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أطالت حلقات مسلسل معاناة الشباب بسبب قلة فرص الشغل، في غياب مرافق ترفيهية وثقافية ورياضية تحصن أبناء المنطقة من الانحراف. الإضاءة بـ"الشمع" في زمن "الويفي" إذا كانت أغلب الجماعات القروية قد انخرطت في ورش تحديث البنيات التحتية وتجاوزت مسألة الربط الكهربائي إلى تثبيت لاقط "ريزو" لتقوية شبكة الهاتف والأنترنت، استجابة لجميع متطلبات السكان وتوفير سبل العيش الكريم، فإنه بجماعة اشتوكة يحصل العكس، وهو ما يظهر جليا من خلال معاناة الأسر مع الظلام الدامس الذي يجعلهم يعيشون مظاهر القرون الوسطى، في غياب ربط فردي للضوء يغني الأسر عن معاناة يومية تضرب جهود الدولة في عصرنة العالم القروي وتأهيله لمواكبة عصر التطور للقطع مع الهجرة القروية إلى المدينة وما يعنيه ذلك من مشاكل إضافية. وتظل المعاناة الحقيقية لسكان جماعة اشتوكة، النقص الفادح في الكهرباء، إذ يلجأ عدد من السكان لاستعطاف الجيران لوضع موادهم الغذائية التي قد تتعرض للتلف بعيدا عن "الثلاجة" وشحن هواتفهم المحمولة لمواصلة التواصل مع العالم الخارجي وقضاء أغراضهم مع الاكتفاء بالاستعانة بوسائل تقليدية من قبيل "الشمع" للتزود بالضوء الخافت، وما يعنيه ذلك من مخاطر حوادث الحرائق التي تهدد حياة سكان البيت، في انتظار حل ينتشل المتضررين من براثن الضياع الذي يجعلهم أسرى بين مطرقة الوضع المعيشي المزري وسندان "قصوحية راس الرئيس" الرافض لخدمة سكان لم يعد بحاجة إليهم بعد ضمانه رئاسة جديدة لولايات متتالية. واستنكرت مواطنة التقتها "الصباح" صدفة بالسوق الأسبوعي إلى جانب عدد من المواطنين حرمانهم من رخصة الربط الفردي بالكهرباء، من قبل رئيس جماعة اشتوكة، مطالبين السلطات بإنصافهم على غرار باقي سكان الجماعة القروية. وكشفت مجموعة من المتضررين تأجيل مصالحهم الحيوية، مشددين على أن هناك أسرا عديدة استفادت من ربط منازلها بالكهرباء، دون أن يتمكنوا هم من ذلك، مما يجعل تصفية الحسابات بينهم وبين رئيس جماعة اشتوكة أمرا قائما، خصوصا أنهم يعتبرون من الفئة المغضوب عليها لعدم التصويت لصالحه في الانتخابات الجماعية الماضية، لذلك عمد إلى ممارسة كل هذا التماطل في تسليم رخصة ربط المنازل بالكهرباء لحسابات انتقامية حسب تعبيرهم. تسيير عشوائي لـ"رئيس معمر" في الوقت الذي كان فيه سكان اثنين اشتوكة ينتظرون من رئيس المجلس الجماعي المعمر لعقود من الزمن، أن تكون سنوات تسييره المتتالية فرصة لاكتسابه تجربة بعد اطلاعه على مختلف الحاجيات الأساسية للسكان، والبحث عن حلول عاجلة عبر مقاربة تشاركية تتميز بحسن الإنصات لهموم السكان، من أجل تسهيل عملية الانكباب على النهوض بالتنمية المجالية، ودعم البنية التحتية، وتعزيز فرص الشغل خاصة للشباب وتشجيع حاملي المشاريع، حصل العكس بعدما رهن الرئيس مستقبل الجماعة لسنوات وجعلها تئن تحت واقع الإقصاء غير المبرر. ويكشف واقع اثنين اشتوكة البعيد عن مساحيق التجميل سنوات من الضياع، ذهبت أدراج رياح تسيير عشوائي يحتاج تغييرا في عقلية "السوبرمان" وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، عوض منطق التغرير بوعود معسولة في الحملات الانتخابية لتتحول إلى "قطران" دائم لولاية كاملة. السوق الأسبوعي و"السبيطار"... نقاط سوداء من خلال واجهته التي تم توثيقها بالصور، يتبين أن قضية هيكلة وتأهيل السوق الأسبوعي (اثنين اشتوكة) ليكون في مستوى شهرته الإقليمية والجهوية والوطنية، تبقى مجرد وعود معسولة، مادام أن الواقع يفضح العشوائية التي تنخر فضاء تجاريا يشكل متنفسا اقتصاديا واجتماعيا لسكان المنطقة. وكشفت زيارة طاقم "الصباح" للسوق الأسبوعي أنه لا يرقى إلى تطلعات التجار والسكان، خاصة أن بنيته التحتية تجعله فضاء عشوائيا يفتقر إلى الضروريات الأساسية التي تعاكس التنظيم المحكم الميسر لأنشطة الباعة في ظل انعدام التبليط والتجهيز المرافق والخدمات الضرورية. وتسبب التسيير العشوائي وسياسة "تخراج العينين" لمنتخبين بارعين في التغني بإنجازات في عالم الأشباح، في جعل المنطقة حبيسة "البلوكاج"، الأمر الذي انعكس سلبا على مختلف الفئات الاجتماعية، خصوصا الشباب الذين قرروا في محاولة للانعتاق من البطالة ممارسة النقل السري بواسطة سيارات مهترئة تهدد حياة ركابها أو احتلال الملك العمومي عن طريق "الفراشة" والعربات المجرورة بالدواب، وهي الحلول التي زادت من تشويه معالم الجماعة، بما فيها المركز الصحي القروي مستوى 2 المعروف بـ"السبيطار" لدى عامة السكان، دون الحديث عن الخصاص المهول في العنصر البشري والمعدات الطبية والأدوية الضرورية لمرتفقين يعانون الفقر والهشاشة. مقر الجماعة..."العربون" أثارت مشاهد البنية التحتية المهترئة لمقر جماعة اشتوكة، التي كانت تبدو بناية تتساقط بسبب عامل الزمن وإهمال البشر، استهزاء السكان، معتبرين أن "العربون باين من مقر مسيري الشأن المحلي"، متسائلين "إذا كان مقر الجماعة القروية الذي يوجد في مركز المدينة مهملا وتتساقط جدرانه "طوبة طوبة"، فماذا سيكون حال باقي دواوير المنطقة وضواحيها؟". ولعل المشاهد التي وثقتها "الصباح" بالصور بمحيط مقر جماعة اشتوكة، المتمثلة في مظاهر العشوائية والانتشار المهول للأزبال على بعد خطوات قليلة من المرفق الإداري لاثنين اشتوكة، تبقى أبلغ من أي تعليق. الكلاب الضالة... الخطر الداهم معضلة الكلاب الضالة زادت من تعقيد أزمة البنيات التحتية المتهالكة باثنين اشتوكة، إذ وجد السكان أنفسهم في مواجهة مباشرة مع خطر الكلاب الضالة، التي تسبب الإزعاج بنباحها ومعاركها الضارية في أوقات متأخرة من الليل، إلى حد إيقاظ الأطفال والنساء بشكل مرعب. وتعاني أغلب دواوير اثنين اشتوكة بما فيها المركز، الذي يعتبر قبلة للتلاميذ والمواطنين من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، نظرا لاحتضانها المؤسسات التعليمية ومقر الجماعة والمرفق الصحي، بسبب انتشار الكلاب الضالة، خاصة التي تتميز بسلوكها العدواني، وهو ما تحول إلى عائق لدى سكان المنطقة لقضاء أغراضهم ومصالحهم الحيوية. وناشد عدد من السكان رئيس جماعة اشتوكة بتخصيص وحدات بيطرية للقيام بحملات التطعيم والتعقيم لهذه الكلاب الضالة، للقضاء على مخاطر "داء الكلب"، التي تتربص بالمواطنين وتتهدد حياة المارة، خاصة كبار السن والأطفال وضعاف المناعة، الذين لا يمكنهم تحمل تبعات عضة كلب مسعور. "الرئيس هرب" "الرئيس هرب"، عبارة للسخرية من تهرب رئيس جماعة اشتوكة من مواجهة طاقم "الصباح"، بعدما أدرك صعوبة الموقف في الإجابة عن تساؤلات حارقة، من قبل طاقم مهني يحترم أخلاقيات المهنة في اعتماد الرأي والرأي الآخر، ويحرص على طرح أسئلة لقضايا تؤرق السكان، بحثا عن أجوبة شافية دون لغة خشب لواقع مزر لا يمكن تكذيبه بمساحيق التجميل أو الأعذار الواهية والتسويفات، التي لم يُكتب لها التحقق بعد عقود من التسيير العشوائي. وإذا كانت المهنية تقتضي الاستماع إلى الرأي والرأي الآخر، فإن "الصباح"، ربطت الاتصال بعبد الرحيم أبو القاسم رئيس الجماعة لأخذ رأيه حول المشاكل، التي تعانيها والاتهامات الموجهة له، بخصوص فشله في تحقيق وعوده للسكان في تنمية المنطقة وكذا ما يتعلق بإغراق أسر في الظلام الدامس بعد حرمانها من رخصة الربط الفردي من الكهرباء وعلاقة ذلك بعقاب غير المصوتين له، إلا أنه كان يؤجل الموعد في آخر الدقائق. ولإلزامه بضرورة إعلان موقف واضح، انتقلت "الصباح"، إلى مقر جماعة اشتوكة، وربطت الاتصال بالرئيس من أجل لقائه ، إلا أنه اعتذر عدة مرات بحجج واهية، متعللا بضيق الوقت والتزامه بمواكبة مشاريعه الخاصة، التي ينتقل إليها بعد مغادرته الجماعة القروية، وفي أحيان أخرى بمزاولة الرياضة في "لاصال"، قبل أن يحدد موعدا بعد ثلاثة أيام من "التجرجير"، إلا أنه أخلف وعده مرة أخرى بعدم الرد على اتصالنا، حيث ظل هاتفه يرن دون جواب.

اثنيـن اشتوكـة … سنـوات الضيـاع

جماعة قروية تتميز بأرض خصبة وموقع إستراتيجي فشل رئيس معمر في تنميتها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تكريم الكغاط بالحسيمة

"وشم الريح" في مهرجان خريبكة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات