شباب حولوا مواهبهم وإبداعاتهم إلى مشاريع مدرة للدخل لم تعد للفنون أدوار جمالية فقط، بل أصبح إتقان بعض أصنافها ولو بشكل غير احترافي، سبيلا للكسب ومحاربة البطالة، في وقت يعاني فيه الشباب ضعف فرص الشغل بالمملكة. وأصبحت مجموعة من الساحات العامة والشوارع وفضاءات "الكورنيش" بالمدن الساحلية، حلبة لعرض مختلف أنواع الفنون، سواء تعلق الأمر بالغناء أو الرقص أو ارتداء ملابس المهرجين، أو ممارسة ألعاب الخدع البصرية، أو الاستعراض بالكرة، وغيرها من الأشكال الإبداعية. وبما أن المغاربة والأجانب الذين يزورون المغرب أصبحوا أكثر وعيا بثقافة استهلاك الفن في الفضاءات المفتوحة، وعدم التقييد بالأساليب التقليدية، التي كان الفن فيها محصورا داخل القاعات والمسارح، وجد الشباب المغاربة المبدعون فرصة لجعل هواياتهم مصدر دخلهم. وهناك عشرات الساحات وفضاءات العرض التي يقصدها الشباب، من أجل عرض فنونهم المختلفة، فبالإضافة إلى جامع الفنا، الذي دخلت إليه أشكال فنية جديدة إضافية، عن عروض ترويض الأفاعي وفن الحلقة والحكواتيين، حاولت مجموعة من المدن الأخرى التأسيس لساحات شبيهة، كما هو الأمر في شفشاون، المدينة العالمية التي تستقطب السكان من كل حدب وصوب، والتي يملأ الشباب إحدى ساحاتها الكبرى بالإبداعات الموسيقية. وهناك ساحات في الرباط والبيضاء وطنجة وغيرها من المدن، التي يعرض فيها الشباب فنونهم، ويتلقون مقابل ذلك دعما ماليا، من قبل المتفرجين، كل حسب استطاعته. وبما أن السياح يقصدون المغرب في فصل الصيف، للاستمتاع بالشمس وتجربة المدن العتيقة، التي تتلاقح مع المعمار العصري، فإنهم يشجعون كثيرا هذه العروض، إذ أنهم يلتقطون صورا مع الفنانين الشباب، من أجل توثيق لحظاتهم في المغرب، وبالتالي دعم أولئك الشباب المبدعين، نتيجة انتشار هذه الأشكال الفنية في بلدانهم، وتعودهم على ثقافة فنون الشارع. وتساعد هذه العروض الشباب على تحويل مواهبهم إلى مصدر لربح المال، ومحاربة البطالة، خاصة أن الأشخاص الذين يكرسون وقتا كبيرا من حياتهم لتعلم نوع معين من الفنون، غالبا ما لا ينجح في طريق الوظيفة والدراسة. وإذا كانت فنون الشارع تساعد الشباب على كسب قوت يومهم، فإنها ساعدت المسؤولين أيضا على تنشيط مجموعة من الساحات العامة، وجعلها محركا للتنمية بعدما كانت لا تدب فيها الحياة، إذ أن الفنون تجلب الزوار، والزوار يجلبون مقدمي الخدمات الترفيهية، وبيع بعض السلع والمأكولات. عصام الناصيري