غضب نقابي وحقوقي من تردي الخدمات ونقابات تساءلت عن مصير 60 مليونا تنخر قطاع الصحة بتازة أورام خبيثة تحتاج تدخلا عاجلا لاستئصالها وحمايته وإنعاشه ورعايته بأشكال متنوعة ومختلفة لتخليصه من سكتة قلبية وشيكة تهدده، إن استمر حاله على ما هو عليه من ترد لاحت مظاهره مع تفكيك شبكة التلاعب بمعدات طبية بمستشفى إقليمي يئن ويحتاج وخزا بجرعات أمل تمحي أثر ألم يوجع موارده البشرية. صيحات امتعاض وغضب على حال "صحة بيد الله"، صدحت بها الحناجر في شعارات وبيانات واحتجاجات وحدت النقابي والحقوقي والمرتفق، في عدم رضاهم عن قطاع حيوي مهم يحتاج تدخلا إقليميا وجهويا ومركزيا لتخليصه من عشوائيته و"مرضياته" وإعادة زرع بذور الثقة بين المرتفق الغاضب، والمرفق المتداعية سمعته تدريجيا. إعداد: حميد الأبيض (فاس) أجواء الاحتقان زادت في الأسابيع الأخيرة وعمقت ألم موارد بشرية توحد ممثلوها في جهرهم بتردي وضع قطاع "يشكل استثناء الاستثناءات في كل ما هو سلبي"، بتعبير أطراف نقابية غاضبة من "تحكم لوبي الفساد في القرار الإداري والمالي"، بلغة بيان مشترك للنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة والجامعة الوطنية للصحة. خصاص حاد 22 مركزا صحيا بالإقليم، بدون طبيب، و17 مركزا آخر تسير بممرض واحد فقط. حقيقة مرة كاشفة لواقع النقص الحاد في الأطر الطبية والتمريضية بتازة، سيما بالمراكز الصحية بواد أمليل وأكنول وتاهلة، وما يوازيها من نقص في التجهيزات واللوازم الأساسية للعلاج والتطبيب والأدوية وتهالك وتقادم بنايات مؤسسات صحية. هذه الحقائق الصادمة نقلها تقرير مفصل حول قطاع الصحة بتازة، تحدث عن قلة المراكز الصحية المتوفرة على دار ولادة وافتقاد الإقليم لمستشفيات القرب، رغم صيحات الغضب المسموعة من عدة مناطق بترابه على غرار تاهلة وتاينست وأكنول وواد أمليل التي طالب سكانها مرارا بتوفير مستشفيات القرب بمناطقهم باعتبارها مطالب ملحة. وسجل فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإقليم تازة، وجود تدهور كبير في الخدمات الصحية وتراجع في الوصول للعلاج وإفلاس المنظومة الصحية وفشلها في تأمين الحماية الواجبة للمواطنين الذين يجدون صعوبة كبيرة في الاستفادة من مختلف الخدمات الطبية، إن بالمراكز الصحية القريبة أو المستشفى الإقليمي ابن باجة. وطالب الوزارة الوصية بالتدخل العاجل لتدارك هذا النقص والوضع "اللاصحي" وتحسين الخدمات الطبية بالمستشفى الإقليمي ابن باجة والمراكز الصحية الحضرية والقروية وتوفير الأطر الطبية والتمريضية الكافية، إضافة إلى التقنيين وكل الوسائل الضرورية لضمان جودة الخدمات الطبية وتأهيل الوحدة الصحية للأمراض العقلية والنفسية. وتشكل إعادة تشغيل وتأهيل مستشفى ابن رشد بتازة العليا، مطلبا حقوقيا وجمعويا وللمواطنين لأهميته في تخفيف الضغط المتنامي خاصة عن المستشفى الإقليمي المحتاج لتعيين أطباء اختصاصيين، سيما في أمراض النساء والتوليد وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الصحية للنساء الحوامل إن فيه أو بمختلف المؤسسات الصحية الأخرى. قلق نقابي عبرت النقابات عن قلقها من "وضع كارثي أصبح عليه القطاع الصحي بإقليم تازة، ومعالم احتقان لاحت في الأفق وأرخت بظلالها على الخدمات الصحية المقدمة للسكان"، في ظل "الغياب التام للقرار الصحي وترك الأمور تسير على عواهنها، فيما المواطن يعاني تردي الخدمات الصحية" بتعبير النقابة الوطنية للصحة العمومية. النقابة طالبت بتدخل فوري لاتخاذ قرار صحي أصبح برأيها "مغيبا وسلبيا نتيجة المحاباة لأطراف تهوى وضع العصا أمام عجلة رقي الخدمات الصحية بالإقليم"، محذرة من "سوء التسيير والتدبير والوعود الممنوحة للبعض بمنحهم الأفضلية في مناصب المسؤولية وتمكين آخرين من رخص مفتوحة دون الاكتراث بصحة المواطنين". ولم تكتف النقابة التابعة ل"ف. د. ش" بالجهر بغضبها في بيان، ونظمت أخيرا، وقفة احتجاجية أمام مقر مندوبية وزارة الصحة، وطالبت بتسريع الإفراج عن مناصب المسؤولية في المستشفى الإقليمي والمراكز الصحية، محذرة من "محاباة بعض رؤساء مصالح بالمستشفى لإحداث مناصب على المقاس تخدم أجنداتهم". وشكل تحفيز الموارد البشرية وصرف تعويضات الحراسة بالصيغة الجديدة في أقرب الآجال، مطلبا نقابيا رئيسيا، كما مستحقات التعويضات عن البرامج الصحية، فيما طالبت النقابة الوطنية للصحة بضرورة التدخل لتصحيح الوضع "اللاصحي" الذي يعيشه المستشفى الإقليمي ابن باجة وما يعرفه من ترد تدريجي في الخدمات الصحية. وبدت هذه النقابة وغيرها، غير راضية لتنصل الكل من مسؤولياتهم حيال ما يعيشه المستشفى وشهد، الثلاثاء الماضي، أيضا وقفة احتجاجية دعت إليها الجامعة الوطنية للصحة (إ. م. ش) والنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة، هددتا بالدخول في اعتصام مفتوح أمام مقر المندوبية في تاريخ لم تعلنا عنه في بيان مشترك أصدرتاه. المستشفى الإقليمي... نقص التجهيزات والأطر يشكل الوضع بالمستشفى الإقليمي ابن باجة، نسخة مختصرة لحال القطاع بالإقليم. ويعاني نقصا حادا ومهولا في التجهيزات اللازمة للتطبيب والعلاج والأدوية وفي الأطر الطبية وشبه الطبية، خاصة أطباء تخصصات الأشعة والتخدير والإنعاش والنساء والتوليد وجراحة المخ والأعصاب، إلى جانب الأطباء العامين به والمراكز الصحية. ولا يتوفر المستشفى الإقليمي إلا على طبيبة واحدة بمصلحة الأشعة بدل 4 أطباء كانوا سابقا، ما يؤثر على مسار العلاج وصارت معه مواعيد إجراء الفحوصات بالأشعة تتطلب شهورا من الانتظار، مع ما يمثله ذلك من "خطر فعلي على حياتهم"، خاصة الحالات المستعجلة كحالات الجلطة الدماغية والأزمات القلبية وضحايا حوادث السير. هذا الوضع يؤثر سلبا على خدمات مختلف مصالحه الصحية خاصة بقسم المستعجلات ومصلحة الولادة، و"يتسبب في توقفات متكررة وطويلة لإجراء العديد من العمليات الجراحية بسبب تعطل الأجهزة البيوطبية التي تعاني ضعف الصيانة"، كما كشفت ذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها المفصل حول الصحة بتازة. وتحدثت عن أن مواعيد تشخيص أشعة الثدي تفوق السنة، وأن مواعيد الفحوصات والعمليات الجراحية تطول شهورا، مشيرا إلى أن غياب تخصصات طبية يدفع مرضى للجوء لعيادات الطب الخاص محليا أو التنقل لجهات أخرى خارج الإقليم، إن وجدوا لهم مكانا في المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، ما يزيد من معاناتهم. وأكدت إثقال كاهل المرضى بفرض أداءات ومصاريف إضافية، تتعلق باقتناء لوازم العمليات الجراحية، وإجبار مرضى على شراء أدوية ومستلزمات طبية وصيدلية، بسبب نفادها من كل أقسام المستشفى، مشيرا إلى عجز بنك الدم عن تلبية كل احتياجات مرضى الإقليم، ممن يجبرون على الانتظار لأسابيع للحصول على كيس دم. تعويضات الحراسة استغربت النقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة والجامعة الوطنية للصحة، "محاولة" المندوب والمتصرف الإقليميين لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، "التستر على فضيحة صرف أكثر من 60 مليون سنتيم من أصل 90 مليونا ميزانية المستشفى الإقليمي المخصصة لتعويضات الحراسة والخدمة الإلزامية برسم 2023". هذا المشكل حسب البيان المشترك للنقابتين، "يعرقل حل ملف تعويضات الحراسة بالمستشفى الإقليمي" وحال دون تلقي الأطر المشتغلة فعليا بنظام الحراسة، أي سنتيم، لتبقى علامات استفهام كبيرة مطروحة حول مآل هذه الأموال. وتحدثت عن "نقص الكفاءة وغياب النزاهة لدى المسؤولين عن ملف التعويضات عن الحراسة". وقالتا إن طريقة تحديد المستفيدين من تلك التعويضات وكيفية صرفها، "كانت وما زالت تعرف خروقات"، تنضاف إلى ما أسمتاه "الهجمات المتتالية على حقوق ومكتسبات الشغيلة الصحية بالإقليم" و"التلاعب بالصفقات وبكل أنواع التعويضات" و"فوضى التنقيلات غير القانونية وإفراغ المؤسسات الصحية من مواردها البشرية". هذا الأمر أثار أيضا اهتمام فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتازة، إذ حث مسؤولي القطاع والمندوب الإقليمي لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، على ضرورة فتح حوار جاد ومسؤول مع ممثلي الشغيلة الصحية حول الملفات المطلبية المطروحة، تفاديا لاحتقان يشهده القطاع جراء المشاكل المهنية المتراكمة منذ سنوات". وأكد في تقرير مفصل عن الوضع الصحي بتازة، غياب التجاوب والتعاطي الإيجابي مع مطالب النقابات الصحية بالإقليم ووجود مشاكل تسييرية مزمنة ومستفحلة للإدارة الصحية، مشيرا إلى عدم جدية المسؤولين إقليميا وجهويا في التعاطي مع مشاكل بنيوية تؤثر على جودة العرض الصحي، رغم الاحتجاجات النقابية التي استمرت سنوات. اصطدامات يومية يؤدي أطباء وممرضون بالمستشفى الإقليمي ومراكز صحية بالإقليم، ثمن النقص الحاد والمهول في الموارد البشرية واللوجستيكية، من راحتهم وظروف عملهم، عادة ما تختل كما علاقتهم بالمرتفقين، ممن لا يتفهمون حقيقة ضيق ذات أيديهم وعدم استطاعتهم الوفاء باحتياجات منعدمة أو ناقصة ولا مسؤولية لهم في توفيرها. وكان الكثير منهم ضحايا اعتداءات جسدية ولفظية، آخرهم ممرضة وطبيبتين داخليتين في مستشفى ابن باجة، اعتدي عليهن أثناء تأديتهن مهامهن، في حادثين أغضبا زملاءهن نظموا أشكالا تضامنية واحتجاجية، كما أطراف خارجية أعلنت تضامنها معهن بما فيها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أصدرت بيانا تضامنيا. الجمعية حملت إدارة المستشفى والمندوبية الإقليمية للوزارة، مسؤولية "الغياب التام لشروط السلامة والأمن في المستشفى"، مؤكدة أن الحادث ليس الأول في سجل المؤسسة الصحية، إذ سجلت حالات اعتداء سابقة. وطالبت بالإسراع بإبرام صفقة الأمن الخاص بالمستشفى تلافيا لتعريض سلامة الأطر الطبية والتمريضية للخطر. الجمعية تواصلت مع عائلة الطبيبتين وارتأت اللجوء لعملية الصلح بينهما والطرف المعتدي، الذي فقد أحد أفراد عائلته بهذا المستشفى الذي يعاني مشاكل تسييرية مزمنة ومستفحلة، ولم يجد غيرهما لإفراغ فورة غضبه في جسديهما. لكنهما قدرتا الحالة التي كان عليها المعتدون، وتنازلا عن حقهما في مقاضاته بتدخل حقوقي. هذه الواقعة أغضبت زملاء الطبيبتين الذين قاطعوا التداريب الاستشفائية طلبا لرد الاعتبار لهما وتوفير شروط العمل والأمن داخله، كما كشف ذلك بيان للأطباء المكلفين بمهام الداخليين بالمستشفيات الجهوية والإقليمية بجهة الشرق، متحدثا عن "اعتداء جبان وعنيف" و"حادث مؤلم ومؤسف تعرضتا إليه في ثاني أيام عيد الأضحى".