انتشار الأزبال والمتشردين وحلم المحطة الجديدة لإنهاء مشاكل الماضي تعيش المحطة الطرقية لإنزكان، قبيل العيد وبعده وخلال العطلة الصيفية، حالة من الاكتظاظ، حيث تتوافد عليها يوميا أكثر من 100 حافلة. هذه المحطة الرئيسية في جنوب المغرب تعاني تردي الخدمات، فالمسافرون يجدون أنفسهم وسط بيئة متردية تعاني الإهمال والتهميش، وتتفاقم مشكلة النظافة، حيث تنتشر الروائح الكريهة والأزبال، وتتحول المحطة إلى ملاذ للمتشردين وأطفال الشوارع والمختلين عقلياً والمتسولين والمتسكعين، مما يعكس مظاهر الفوضى والتسيب. كما ينتشر النصابة و"الكورتية" في كل زاوية، مما يزيد من تعقيد الوضع. في ظل هذه الظروف، يتطلع الجميع إلى الإسراع في إنجاز المحطة الطرقية الجديدة النموذجية، التي يؤمل أن تضع حدا لهذه المشاكل المتراكمة، وتقدم خدمات تليق بالمسافرين وأرباب الحافلات، وتجلب نظاماً وترتيباً طال انتظارهما، لتكون بذلك بداية لعهد جديد في قطاع النقل الطرقي بالمغرب. إنجاز :عبد الجليل شاهي (أكادير) تعتبر محطة إنزكان محطة حيوية في شبكة النقل الطرقي المغربي، حيث تلعب دورا محوريا في الربط بين شمال المغرب وأقاليمه الجنوبية. تقع هذه المحطة في موقع إستراتيجي وسط المغرب، مما يجعلها نقطة التقاء رئيسية لعدد كبير من المسافرين المتجهين إلى مختلف أنحاء البلاد. تمر عبر محطة إنزكان أعداد ضخمة من المسافرين، تصل إلى أكثر من 33 مليون شخص سنوياً، بمعدل يزيد عن 90 ألف شخص يومياً. هذا التدفق الهائل للمسافرين يعكس الأهمية الكبرى التي تحتلها المحطة في خريطة النقل الطرقي بالمغرب. مسافرون من كل القرى والمدن تشهد المحطة توافد مسافرين من كل القرى والمدن، مما يجعلها محط أنظار الجميع، سواء كانوا مسافرين بغرض العمل أو السياحة أو الزيارات العائلية، رغم هذا الدور المحوري، فإن المحطة تعاني عدة مشاكل تؤثر سلبا على تجربة المسافرين، ومن أبرز هذه المشاكل الاكتظاظ الشديد، خاصة خلال فترات الأعياد والمناسبات، حيث تتضاعف أعداد المسافرين. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المحطة ترديا في الخدمات، بما في ذلك نقص النظافة، وانتشار الروائح الكريهة والأزبال، فضلا عن عدم كفاية الحراسة والأمن. كما أن المحطة أصبحت ملاذاً للمشردين وأطفال الشوارع والمختلين عقلياً، مما ينضاف إلى الفوضى والتسيب المنتشرين هناك. تنتشر أيضاً ظاهرة " الجقايرية والكورتية " الذين يساهمون في تعقيد الوضع وزيادة الفوضى. هذه المشاكل المتراكمة تجعل من الضروري الإسراع في إنجاز المحطة الطرقية الجديدة النموذجية، التي يُؤمل أن تضع حداً لهذه المعاناة. ارتفاع الأسعار تعرف محطة إنزكان ارتفاعا ملحوظا في أسعار تذاكر السفر عبر الحافلات خلال عيد الأضحى والعطلة الصيفية، ويثير هذا الارتفاع تساؤلات عديدة حول أسبابه وتأثيراته على المسافرين. في حديث مع الحسين إزيكي، رئيس جمعية أرباب النقل والوكالات بمحطة إنزكان، أكد أن ارتفاع أسعار تذاكر السفر عبر الحافلات في فترة عيد الأضحى والعطلة الصيفية، مرتبط بعدة عوامل من أهمها، أن الطلب على تذاكر السفر يتضاعف بشكل كبير، ما يؤدي إلى اعتماد التعريفة القانونية الكاملة. فمثلا، يصل ثمن التذكرة من أكادير إلى البيضاء 134 درهما في الأيام العادية بسبب المنافسة الشرسة وقلة الطلب، بينما يرتفع إلى 140 درهما في أيام الذروة، بالإضافة إلى أن رحلات العودة الفارغة بالنسبة إلى الوجهات مثل تاكونيت، زاكورة، كلميمة والرشيدية، تزيد من تكلفة الرحلة، ما يبرر الزيادة في الأسعار. وأوضح إزيكي، أن المنافسة الشرسة وتكاليف التشغيل تلعب دورا في تحديد الأسعار. ففي الأوقات العادية، يتم خفض الأسعار إلى 90 درهما أو 100 درهم، في محاولة لجذب الركاب. وينصح إزيكي المواطنين بالحجز المسبق لتذاكر السفر لتجنب الاكتظاظ وتحسين التنظيم في المحطات الطرقية. هذه الخطوة يمكن أن تساعد على توزيع حركة الركاب على أيام متعددة، مما يخفف الضغط عن المحطات، كما أن السياسات الأمنية المشددة ساهمت في الحد من حوادث السرقة في المحطات، مثل محطة إنزكان، حيث لم تسجل أي حالات سرقة خلال العام الماضي. ورغم مجهودات المصالح الأمنية في إنزكان لوضع حد للأنشطة الإجرامية التي كانت منتشرة في المحطة خلال السنوات السابقة، من سرقة ونشل واعتداء، إلا أن بعض المحتالين يستغلون الازدحام ورغبة المواطنين في السفر، فيمتهنون النصب والاحتيال عبر بيع تذاكر مزورة، أو الاستعانة بـ"خطاف" لاستدراج الضحايا وسلبهم ممتلكاتهم خارج المحطة، بعيدا عن أعين السلطات الأمنية. ملاذ المتشردين تعتبر محطة إنزكان الطرقية ملاذا للعشرات من الأطفال المتشردين الذين يعانون ظروفا بائسة وتشردا في ظل غياب المأوى والدعم الاجتماعي المناسب. هؤلاء الأطفال يعيشون في ظروف قاسية، حيث يفترشون أرض المحطة ويلتحفون سماءها، معرضين أنفسهم لمخاطر عديدة في بيئة تعج بالمشاكل والمخاطر الاجتماعية. الأطفال في محطة إنزكان هم خليط غير متجانس، تتراوح أعمارهم بين الطفولة والمراهقة، وقد وجدوا أنفسهم في وضعية الشارع نتيجة للظروف القهرية التي فرضتها عليهم حياتهم. يتعرض هؤلاء الأطفال للعديد من التحديات التي تحولهم إلى متسولين، ومدمني مخدرات، وضحايا للعنف الجسدي والجنسي. هذه الظواهر تنبع أساسا من تفكك أسرهم والفقر المدقع الذي يعيشون فيه. أسباب تشرد هؤلاء الأطفال تتشابه إلى حد كبير، إذ غالبا ما يكون الطلاق والتفكك الأسري في مقدمة الأسباب. يعيش هؤلاء الأطفال في بيئات أسرية مليئة بالصراعات والخصومات، مما يدفعهم إلى الهروب إلى الشارع. الفقر والبطالة يدفعان هؤلاء الأطفال إلى الانخراط في أنشطة غير قانونية مثل التسول، مسح الأحذية، وبيع الأكياس البلاستيكية. هذه الأنشطة تساعدهم في تدبير مصاريفهم اليومية وشراء المخدرات التي أدمنوا عليها. ويتعرض الأطفال أيضًا لخطر الاستغلال الجنسي من قبل الكبار المتشردين الذين يتقاسمون معهم أماكن النوم. ظواهر غير صحية محطة إنزكان الطرقية، مثل العديد من المحطات الطرقية الكبرى في المغرب، تعد مركزا حيويا لنقل المسافرين والبضائع، لكنها تعاني ظواهر متعددة تؤثر على تجربتها اليومية. من بين هذه الظواهر تجارة المواد غير القانونية والمواد الغذائية غير الصحية. أحد أبرز الظواهر هو انتشار بيع الأدوية والمراهم ومستحضرات التجميل من قبل الباعة المتجولين داخل المحطة. هؤلاء الباعة يستغلون جهل المسافرين وضيق وقتهم لإقناعهم بشراء منتجات لا يمكن تحديد مصدرها أو التأكد من جودتها. تعرض هذه المنتجات بأسعار رخيصة، مما يجذب الكثيرين لشرائها رغم المخاطر الصحية المحتملة. يتظاهر الباعة بخبرة طبية مزيفة، حيث يقدمون نصائح طبية ويصفون منتجاتهم كعلاجات فعالة لأمراض شائعة مثل حساسية الجلد وألم الظهر وأمراض اللثة. هذه الظاهرة تشكل خطرا كبيرا على صحة المستخدمين، خاصة مع عدم القدرة على تتبع مصدر هذه المنتجات والتحقق من سلامتها. ومن بين الظواهر التي تشهدها محطة إنزكان ظاهرة بيع المأكولات غير الصحية، حيث يتم إعداد بعض هذه الأطعمة في المنازل بينما يأتي بعضها الآخر من المتاجر، لكنها غالبا ما تعرض لساعات طويلة في ظروف غير صحية قبل أن تُباع للمسافرين. يتعرض الطعام لأشعة الشمس، ودخان الحافلات، والغبار، مما يزيد من احتمالية تلوثه وتسببه في مشاكل صحية للمستهلكين. تتراوح أسعار "السندويشات" والوجبات السريعة بين 6 دراهم و10، مما يجعلها جذابة للمسافرين الذين يبحثون عن وجبة سريعة ورخيصة، رغم المخاطر الصحية المرتبطة بها. هذه الظواهر تشير إلى نقص الرقابة الفعالة في المحطة، حيث يتمكن الباعة المتجولون من ممارسة أنشطتهم دون خوف من المساءلة. ولحماية صحة المسافرين، ينبغي تعزيز الإجراءات الرقابية وتوعية الجمهور بمخاطر شراء المنتجات غير المضمونة من الباعة المتجولين، كما يجب تحسين الظروف الصحية في المحطة لضمان سلامة الأطعمة المباعة وتقديم بيئة أكثر أمانًا للمسافرين. في انتظار المحطة الجديدة تمثل المحطة الطرقية الجديدة للمسافرين في إنزكان مشروعا طموحا يستهدف تلبية احتياجات المسافرين وأرباب الحافلات من خلال توفير خدمات متميزة وبيئة آمنة ومنظمة. يهدف هذا المشروع إلى حل مشاكل النقل الطرقي في المنطقة وتعزيز دور إنزكان باعتبارها صلة وصل حيوية في شبكة النقل المغربية، مما يسهم في تحسين كفاءة وسلاسة التنقل في البلاد. وعقدت اجتماعات بعمالة إنزكان أيت ملول والمجلس الجهوي لجهة سوس ماسة وجماعة إنزكان، من أجل التنسيق والتشاور ودعم والمصادقة على مشروع إحداث وبناء أكبر محطة طرقية للمسافرين في جنوب المغرب، بحضور عدد من الفاعلين الترابيين والمنتخبين ومسؤولي القطاعات الحكومية ذات الصلة. وأجمع الكل على أهمية مدينة إنزكان ضمن فضاء أكادير الكبير المتوقع أن يستضيف عدة تظاهرات وطنية ودولية مثل كأس العالم 2030 وكأس أمم أفريقيا 2025، مما يتطلب جهودا مشتركة بين مختلف الأطراف لتحقيق تنمية مجالية مبتكرة ومتوازنة. وقدم المهندس المعماري المكلف عرضا تصوريا أوليا للمشروع، موضحًا تفاصيله الرئيسية وأهميته في تحسين خدمات النقل. وستشمل المحطة منصات انتظار مريحة، وأكشاكا مزودة بآليات جديدة، ومناطق ترفيهية، ومرافق للتسوق والمطاعم، وتقنيات اتصالات حديثة لضمان راحة وسلامة المسافرين. سيتم تنفيذ المشروع على قطعة أرض بمساحة تزيد عن 3 هكتارات، وبمساحة مغطاة قدرها 32,870 مترا مربعا، بالقرب من مدار طرقي جديد، على شارع الجيش الملكي بالطريق الوطنية رقم 10. وستتضمن الأرصفة لحافلات نقل المسافرين، مرأبا لوقوف السيارات لفترات قصيرة وطويلة، ومحطة لسيارات الأجرة، ومنطقة للإنزال والتوقف المؤقت، وفضاءات خدماتية ضرورية، مما يعزز من جودة الخدمات ويضمن معايير الأمن والسلامة الدولية. وستنطلق الأشغال خلال الأيام المقبلة على أن يتم بناء المشروع في أفق 2025، بشراكة مندمجة بين عدة جهات. يعكس المشروع التزاما بتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز قدرات المنطقة على استقبال الزوار بكفاءة وراحة، مما سيسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز قطاع السياحة في المنطقة، وتوفير فرص عمل جديدة. يأتي هذا المشروع ضمن رؤية استشرافية تهدف إلى الارتقاء بإنزكان إلى مصاف المدن الحديثة والعصرية، بتمكينها من بنيات تحتية عالية الجودة تعكس مكانتها الإستراتيجية في جهة سوس ماسة. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في تحسين ظروف عيش السكان، وتعزيز وتطوير الخدمات والبنيات الأساسية، في إطار برنامج التنمية الحضرية 2022/2024 على مستوى جهات المملكة. وستساهم المحطة الطرقية الجديدة في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وتعزيز قطاع السياحة، وتوفير فرص عمل جديدة في المنطقة. ويعكس المشروع التزام الفاعلين السياسيين والاقتصاديين بتحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بإنزكان إلى مصاف المدن الحديثة، من خلال بنية تحتية عالية الجودة، بما يتماشى مع رؤية التنمية الحضرية (2022/2024) على مستوى جهات المملكة.