قواعد البيانات… سوء الفهم الكبير

ثروة بالملايير أنتجتها ثورة تكنولوجيا الاتصالات والرقمنة تتطلب الوعي بأهميتها وتحصينها أحدثت ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصال تغيرات هيكلية في مختلف مناحي الحياة، وتحول العالم إلى قرية صغيرة داخل شبكة الأنترنيت. وساهمت الرقمنة في توفير قواعد بيانات ضخمة تحتوي على ثروة من المعلومات، يقدر الخبراء قيمتها بعشرات الملايير من الدولارات، حتى أصبح الحديث عن الاقتصاد الرقمي، الذي يمثل، حاليا، حسب معطيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) ما بين 4.5 في المائة و14، ما يعكس أهمية هذا القطاع. وانتقل حجم المعطيات المخزنة، بمختلف أصنافها، ما بين 2011 و2020، من مليار "طيرا أوكطي» (To) إلى 59، ويتوقع أن يرتفع إلى 175 مليارا في أفق 2025، ما يعكس التطور الكبير لحجم المعطيات المخزنة في قواعد البيانات، ويفرض الأخذ بعين الاعتبار بهذه الثروة والعمل على الحفاظ عليها وتحصينها من القراصنة. المتاجرة بالبيانات...حقوق مهدورة يستغل عدد من الأشخاص المعنويين والذاتيين المعطيات المتوفرة على محركات البحث، لتحقيق مداخيل دون احترام للملكية الفكرية وحقوق المؤلف، رغم أن تداول هذه المعطيات والمتاجرة بها يعرض صاحبها للمتابعة، كما تنص على ذلك القوانين الدولية والمحلية. لكن ارتفاع عدد مستعملي الأنترنيت وحجم المعلومات المتداولة والسعي الحميم وراء رفع نسب المشاهدة والمتابعين، يجعل صانعي المحتويات على الأنترنيت لا يكترثون بهذه القوانين ويستغلون قواعد بيانات، خصص أصحابها استثمارات مالية ومجهودات فكرية وجسدية لتجميعها وتشكيلها، في إنتاج محتويات يحققون من تداولها مداخيل مهمة. وتعد هذه الممارسات أمرا عاديا بالنسبة إلى الأشخاص، الذين يتاجرون بها دون علم أصحابها ودون احترام الملكية الفكرية المحصنة بمقتضى قوانين، إذ لم يمنع ذلك أن تصبح قواعد بيانات، بذلت مجهودات جبارة لإعدادها، مستباحة من قبل البعض. وتجدر الإشارة، على سبيل المثال، إلى أن أصحاب صفحات وصانعي محتوى على الأنترنيت يلجؤون إلى قواعد بيانات وسائل إعلام ومؤسسات صحافية ويستنسخون المعطيات، التي توجد في قواعد بياناتها ويعيدون توظيفها، دون إذن مسبق من هذه المؤسسات، ويتمكنون من تحقيق أرباح بالمتاجرة بقواعد بيانات الغير. ورغم علم هذه المؤسسات باستغلال معطياتها وقواعد بياناتها، فإنها تتساهل مع هؤلاء، علما أن ذلك لا يختلف عن أي عملية سرقة أخرى، ما يفرض التعامل بحزم مع المتاجرين بمعطيات الغير، لأن التساهل معهم سيشجع هذه الممارسات، ما سينعكس سلبا على الاستثمارات في مجال الاقتصاد الرقمي وبرامج الحاسوب، وغيرها من البيانات الرقمية. ويساعد عدم الإلمام بالحقوق تشجيع المتاجرين بأفكار وإبداعات الآخرين على الاستمرار في ممارساتهم، علما أنه في حال اللجوء إلى القضاء، فإن الأحكام تكون في صالح المتضررين. وأكد أحد الخبراء في المجال أن القضاء انتصر لأحد الأشخاص، الذي تم استغلال تدوينته على «الفيسبوك» من قبل شخص آخر بدون إذنه، فقضت المحكمة بتعويض مالي لفائدة المتضرر. سرقات عابرة للحدود وتحصينات دولية ساهمت الثورة في تكنولوجيات المعلومات في نمو مضطرد للإنتاجات الفكرية والمحتويات الرقمية عبر العالم، وأصبح الولوج إلى هذه المنتوجات متاحا للجميع عبر العالم، ومع هذا التطور المتلاحق ارتفعت وتيرة السرقات الدولية لهذا الصنف من الإنتاجات، وأصبحت سرقة قواعد البيانات عابرة للقارات، ما فرض على الدول فتح نقاش في ما بينها لإيجاد إطار قانوني يمكن من حماية هذا الصنف من الإنتاجات. وأشار الدكتور عمر أنجوم، أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، في كتابه "الرقمنة والقانون" إلى أن برامج الحاسوب وقواعد البيانات تعد صنفا مهما من المصنفات الرقمية الحيوية، التي تساهم في تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتمثل أداة أساسية لازدهار المجتمعات، بما توفره من قيم مضافة عديدة وفرص واعدة في سبيل تحقيق التقدم العلمي والصناعي والوصول إلى الرفاه الاقتصادي عموما، ما دفع المشرعين في معظم البلدان، حسب أنجوم، إلى العمل على توفير حماية كافية لهذه الثروات الرقمية، من خلال إدراجها ضمن المصنفات الفكرية المشمولة بالحماية القانونية. وأوضح الباحث الجامعي أن حماية الملكية الفكرية في مجال الحواسيب، وفي فضاءات الشبكات الرقمية، تستدعي توظيف إمكانيات جبارة، التي لا يمكن لأي دولة وحدها توفيرها لحماية هذا الصنف من المنتوجات، ما دفع عددا من البلدان إلى الانخراط في معاهدات واتفاقيات دولية أو ضمن إطار قانوني. معاهدتان دوليتان للتنسيق بين الدول اعتبر عبد السعيد الشرقاوي، خبير قضائي ومحكم دولي معتمد لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمنظمة العالمية للتجارة، أن البلدان التي لا تدرك أهمية التجارة العالمية لحقوق المؤلف الاقتصادية محكوم عليها، عاجلا أم آجلا بالتحجر، والجهل والمرض والفقر، وطمس ثقافتها وهويتها. وأكد الخبير أن "الثقافة" في بلادنا تشكل المادة الخام ومصدر الإلهام لبعض المؤلفين والمبدعين الأجانب من البلدان الغربية الذين يغتنمون الفراغ التشريعي الحاصل في هذا المجال، أو سذاجة بعض المسؤولين والجهات المعهود إليها بحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، لعدم الإلمام بخبايا وخفايا الأحكام التشريعية المتعلقة بهذه الحقوق، الموقع عليها في إطار الاتفاقيات العالمية والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها معاهدة «الويبو» بشأن حق المؤلف ومعاهدة «الويبو» بشأن الأداء والتسجيل الصوتي، المعروفة "بمعاهدات الأنترنت". وأوضح أن المعاهدة الأولى تتناول حماية مؤلفي المصنفات الأدبية والفنية، مثل الكتابات وبرامج الكمبيوتر وقواعد البيانات الأصلية والمصنفات الموسيقية والمصنفات السمعية والبصرية ومصنفات الفنون الجميلة والصور الفوتوغرافية، في حين تتناول الثانية الأداء والتسجيل الصوتي لحماية حقوق فناني الأداء وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية. وتنص هاتان المعاهدتان، اللتان وقعهما واعتمدهما المغرب، خلال 1996، على أنه يجب على «البلدان إنشاء إطار لحماية الحقوق الأساسية للسماح للمبدعين بالتحكم في الطرق المختلفة التي يستخدم بها الآخرون إبداعاتهم والحصول على تعويض مقابل القيام بذلك، حيثما كان ذلك مناسبا. ومن الأهمية أن تضمن المعاهدات استمرار أصحاب الحقوق في الاستفادة من الحماية المناسبة والفعالة عندما يتم نشر أعمالهم باستخدام التكنولوجيات وأنظمة الاتصالات الجديدة مثل الإنترنت". وتتصدى المعاهدتان للتحديات التي تفرضها التكنولوجيات الرقمية، حاليا، ولا سيما نشر أو توزيع المحتوى المحمي عبر الشبكات الرقمية مثل الإنترنت. وقد تم تحويل أحكام المعاهدتين إلى القانون الوطني المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة (2000)، لكنها ظلت، حسب الخبير، حبرا على ورق. عقوبات حبسية وغرامات عمل المشرع المغربي، وفق ما جاء في كتاب "القانون والرقمنة» على إصدار القانون رقم 2.00، المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وخصصت المادتان 64 و 65 لسن جزاءات رادعة، سواء بالإحالة على مقتضيات القانون الجنائي، في ما يخص العقوبات، ومنها، على الخصوص، المواد من 575 إلى 579 من مدونة القانون الجبائي، التي تعاقب جرائم الاعتداءات على الحقوق الملكية والأدبية والفنية، بصفة عامة، وعلى حقوق المؤلف بصفة خاصة، أو بالإحالة، من جهة ثانية، على قانون المسطرة الجنائية في ما يخص الإجراءات المسطرية، أو من جهة أخرى تخصيص عقوبات خاصة ضمن هذا القانون نفسه مستقلة عن مقتضيات القانون الجنائي، كما في حالة العود. لكن، تبين للمشرع، بعد مضي ست سنوات على دخول القانون 2.00 حيز التطبيق، أن الجزاءات غير كافية لردع المعتدين في مجال الملكية الفكرية، فتم إصدار القانون رقم 34.05، الذي يغير ويتمم القانون 2.00، وتضمنت بين نصوصه مقتضيات تحدد شروط إقامة الدعوى المتعلقة بالاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، كما نص على الإجراءات المسطرية الواجب اتباعها، وسن مجموعة من العقوبات الأكثر تشددا. وهكذا، وفي حالة أي خرق متعمد للحقوق المعنوية والمادية لمؤلف قاعدة البيانات بطرق غير مشروعة، وبأي وسيلة كانت، فإن المعتدي يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 10 آلاف درهم و100 ألف، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما تضاعف العقوبة في حالة الاعتياد. وقررت المادة 64/2 عقوبة سالبة للحرية من سنة إلى أربع سنوات وغرامة بين 60 ألف درهم و600 ألف، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ضد كل من ارتكب خرقا لحقوق المؤلف، واقترف فعلا آخر يعد خرقا لحقوق المؤلف والحقوق الأخرى المجاورة داخل خمس سنوات التي تلي صدور حكم أول صار نهائيا.

قواعد البيانات… سوء الفهم الكبير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قالوا

الحبس لصحافي مزور بسيدي قاسم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات