زلة لسان تفضح جريمة قديمة

المتهم اعترف عفويا بتصفية غريمه داخل السجن فأعيدت محاكمته بالقتل بينما كان أحد "البوعارة"، يقلب في بقايا الحاويات والبحث عما يمكن الاستفادة منه، عثر على جثة شاب غارقة في دمها، مرمية وسط الأشواك وراء أحد الأسواق الممتازة الحديثة بالجديدة. استنفر الحادث كل مصالح الأمن الوطني، وانتقل رئيسها شخصيا إلى المكان، وعاين الجثة قبل تحويلها نحو مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي، فيما أمرت النيابة العامة المختصة بإخضاعها للتشريح الطبي لتحديد أسباب الوفاة، في انتظار الكشف عن هوية الجاني أو الجناة. توجه رئيس الأمن نحو سيارة المصلحة، فيما أمر مساعديه بتكثيف الأبحاث والتحريات بتمشيط محيط الجريمة، للحصول على بعض الأدلة قصد الوصول إلى الجناة. وقفل عائدا نحو مقر الأمن الإقليمي رفقة مساعده الأول وكلفه بالبحث عن هوية الضحية والكشف عن علاقاته وظروف حياته والاستماع إلى أفراد عائلته وبعض أصدقائه. انتقلت فرقة أمنية نحو المستشفى وولجت مستودع الأموات وأعادت فحص الجثة، بحثا عن وثيقة من الوثائق الثبوتية، لكنها لم تعثر على ما يفيد بحثها، وقبل مغادرة المكان، زف أحد الحراس خبرا سارا لها، مفيدا أن الهالك يحمل لقب "العزاوي"، نظرا لأنه كان معروفا بحبه لكرة القدم وكان يتكفل بالتعليق عليها، محاكيا الواصف الرياضي المرحوم امحمد العزاوي. انطلاق البحث عادت الفرقة الأمنية نحو المقر المركزي وأخبرت رئيسها بالمستجدات، فأمرها بالتوجه نحو سكن والدي الهالك. لم يكن الأمر ممكنا، لانشغال الأسرة بفداحة الحادث، انتظر الضابط المكلف بالملف ذاته إلى حين تسليم الجثة لذويها والحصول على نتيجة الخبرة الطبية، التي أكدت أن الوفاة وقعت نتيجة تلقي الهالك ضربة قوية على رأسه بواسطة حجر أدت إلى حدوث ارتجاج في المخ، نتج عنه نزيف داخلي عجل بالوفاة. انتقل الضابط ذاته إلى مقر سكن والد الضحية وقدم له فروض العزاء، واستمع له حول علاقة ابنه بمحيطه وطريق عيشه وظروف كسبه. لم يكن الهالك موظفا ولا عاملا رسميا، ولكن كان يتكيف مع ظروف الحياة، قد يعمل يوما ويتوقف أياما. كان إنسانا عاديا محبا للحياة، يتردد كثيرا على الملاعب لشغفه بكرة القدم. وصرح أحد أصدقائه، أنه معروف بتعاطيه للتعليق الرياضي ولم يكن عنيفا، بل كان مسامحا ومتسامحا ومتصالحا مع نفسه. وأضاف أنه لم تكن لديه عداوة مع أحد. وجد الضابط نفسه عاجزا عن التقدم في البحث، إذ ما عدا علاقاته القريبة، لم يجد خيطا يقوده إلى هدفه. عاد إلى مكتبه خائبا، بل وجد نفسه يبدأ من حيث انطلق البحث. استشار مع باقي أفراد الفرقة ثم غادر نحو مكان الحادث لعله يجد ما يساعده على كشف سر هذه الجريمة الغامضة. بحث في محيط العثور على الجثة، لم يجد غير الأشواك والأحجار التي وقف عندها أثناء العثور على الهالك. فوضى بالسجن اشتكى عدد من السجناء من تصرفات أحد النزلاء، الذي كان كثير الحركة صاحيا ونائما، كان يثير الضجيج ويحدث الفوضى وكان يتعمد استفزاز الجميع. وصل الخبر إلى رئيس المعقل ونبهه إلى سوء عاقبة تصرفه، الذي قد يقوده إلى الحبس الانفرادي، لكنه لم يكن يعير ذلك أي اهتمام. يحكي أحد النزلاء الذي كان قريبا منه، أنه كان كثير الهذيان ليلا، إذ كان يقوم فزعا من نومه، يتكلم كثيرا مما تسبب لزملائه في "الشامبرا" في كثير من الإزعاج. واضطر رئيس المعقل إلى عزله عنهم، لعله يغير من سلوكه، لكنه لم يكن يتحكم فيه. الجميع يعلم أن هذا النزيل يعاني إعاقة حركية وأنه دخل السجن بعد تورطه في قضية تتعلق بترويج المخدرات وحوكم بثلاث سنوات حبسا نافذا، وكان يقضي عقوبته كباقي السجناء. سكان الجديدة تعرفوا عليه من خلال امتهانه التسول، إذ كان يجوب شوارع المدينة وأحياءها وهو على متن دراجة ذات ثلاث عجلات مكيفة حسب وضعه الصحي، إذ كانت تتوفر على عجلتين في الوراء تحملان مقعدا، موصولتين بعجلة أمامية تتحكم في حركاتها. وكان معروفا بسلوكه غير السوي، إذ كثيرا ما شوهد وهو يدخل مع المواطنين في تلاسن إذا لم يقدم أحدهم بعض النقود له، رغم أن الكثير منهم يعتذر بطريقة لبقة، لأنه لا يتوفر على المال. زلة لسان تفضح قتلا عاد النزيل إلى مكانه وسط رفاقه من المعتقلين، لكن طريقة تعامله لم تتغير. ظل يناوش ويتعمد خلق الفتن، وأصبح أكثر عنفا مما سبق. واشتبك مع العديد من النزلاء، وأثناء الشجار فاه بكلام غير مفهوم اتجاه خصمه، إذ قال له، "والله حتى ندير ليك كيما درت للعزاوي". لم ينتبه غريمه لما بدر منه، ولكن شخصا آخر التقط الجملة الغريبة وظلت تخامر رأسه. ولما عاد إلى هدوئه، سأله قائلا: "أش درتي للعزاوي"؟. ظل النزيل صامتا وأحس بأن لسانه زل وقد يقوده إلى ما لم يكن يتوقعه. حاول التهرب من الجواب بتغيير الموضوع، لكن السائل، بفطنته، علم أن هناك سرا وراء هذه الجملة. انتظر عودة رئيس المعقل، واقترب منه وحكى له تفاصيل ما حدث. فطنة وخبرة بدا رئيس المعقل وكأنه لم يكترث بما فاه به السجين، ثم توجه نحو مدير المؤسسة وأخبره بما سمعه. اجتمع الاثنان وناقشا حيثيات التصريح، وبتجربتهما الطويلة، علما أن هناك سرا وأن الواجب المهني يفرض عليهما إخبار النيابة العامة. اتصل المدير بوكيل الملك شخصيا وأخبره بتفاصيل الحكاية، فأصدر أوامره للضابطة القضائية، بضرورة الانتقال إلى السجن والاستماع إلى المشتبه فيه حول حقيقة ما بدر منه في اتجاه "العزاوي". تم إحضاره أمامها، وشرع في الاستماع إليه، فلم يجد بدا من الاعتراف بالاعتداء على الهالك بضربه بواسطة حجر، عجل بفقدانه لوعيه نتيجة دخوله معه في شجار حول سيجارة محشوة بالمخدرات. وبعد تسجيل اعترافه الصريح والواضح، أعيد تمثيل الجريمة بحضور النيابة العامة، وأحيل على غرفة الجنايات الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف بالجديدة، لمحاكمته من أجل جناية الضرب والجرح بالسلاح المفضيين إلى الموت، والتستر عن جريمة، وأدين بعقوبة سالبة للحرية امتدت لـ25 سنة سجنا نافذا. أحمد ذو الرشاد (الجديدة)

زلة لسان تفضح جريمة قديمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دمنة تدعم توأمها كليلة

الحبس لموظف أوقاف سرق تجهيزات مساجد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات