الصحة بفاس… رقص على حبال الفضائح

القضاء عرى بؤس مستشفياتها ونزع الستار عن ملفات الإهمال الطبي والاتجار في الرضع عرت تحريات وأبحاث أمنية بأوامر قضائية، بؤس مستشفيات فاس. ونزعت الحجاب عن فضائح تفجرت مدوية ونشر غسيلها في محاكم المدينة في ملفات قضائية رائجة، في انتظار أحكام تزكي التهم وتؤاخذ المتهمين بها أو تبرئ ذممهم من فساد بحت الحناجر سنين غضبا وطلبا لمحوه من مرافق عمومية ابتليت ببعض منعدمي الضمير. أكثر من 60 متهما بجنح وجنايات ثقيلة، يتابعون في ملفين ضخمين للإهمال الطبي والاتجار في الرضع. منهم ممرضون وأطباء وموظفون وحراس أمن خاص استأسدوا طويلا بأبواب المستشفيات وفرضوا «قانونهم الخاص» بقوة عضلاتهم، في غفلة من المسؤولين أو بالتواطؤ مع بعضهم، دون أن تنفع احتجاجات مرتفقين وفعاليات. إعداد: حميد الأبيض (فاس) - تصوير: أحمد العلوي المراني فضحت موجة الاعتقالات والمحاكمات المتتالية حقيقة ما يجري ويدور بمستشفيات مدينة، قدرها أن تئن وتتعايش مع فساد نخر ما تبقى من سمعتها. لكنها أعادتها لسكة الانضباط للضمير المهني ولو خوفا من امتداد "الحملة" لتنفض غبارا يحجب سلوكيات لامسؤولة ثبتها طمع وجشع موظفين بقطاع محتاج عمليات لاستئصال ورم الفساد. محسوبية وزبونية قبل سنوات فضح تقرير لجنة برلمانية في مهمتها الاستطلاعية لمستشفيات جهة فاس، استفحال مظاهر المحسوبية والزبونية الحزبية والاتجار في المواعيد الطبية. وفضحت سيادة صور السمسرة، كاشفة أسباب فقدان المرتفق الثقة في مرافق عمومية لم يرتح لخدماتها، بسبب انتشار ظواهر مقززة وتدني مستوى بعض الخدمات. انتهت مهمة برلمانيين ونشر تقرير زيارتهم وبحت الحناجر غضبا واحتجاجا، لكن الحال بقي على ما هو عليه، دون تدخل حازم يعالج أمراضا تحولت أوراما بمرور السنوات وتوالي غض الطرف، إلى أن فضح القضاء ما غطته ستائر اللامبالاة، وجر هذا العدد الهائل من المتابعين في ملفين ضخمين، للمساءلة القانونية أمام محاكم فاس. غض الطرف عن الاختلالات فاقمها. وصم الآذان عن صيحات غضب المرتفقين وفعاليات ونقابات قطاعية، فسح المجال لاستفحال الوضع واستئساد عناصر "السيكيرتي"، إلى حد فرضهم قانونهم الخاص وتدخلهم في ما لا يعنيهم من خدمات. ومنهم من وجد في الفوضى فرصة للكسب بالاتجار في المواعيد والخدمات وحتى البشر. وأضحت بعض المستشفيات تدريجيا في قبضة غرباء ومنحرفين يتحكمون في كل شيء بمن فيهم امرأة استغلت سمعة عائلتها الإجرامية، لتبسط هيمنتها على مستشفيات "عبثت" بسمعتها، بتواطؤ مع مستخدمين في القطاع. ولم تكتف بالتدخل لفائدة أشخاص للاستفادة من خدمات ومواعيد طبية والحصول على شهادات طبية وهمية. واستعانت في بسط هيمنتها وجبروتها بقوة العضلات وسمعة عائلتها المشهورة في عالم الجريمة، بوسطاء وحراس أمن خاص سخرتهم لاستقطاب زبناء راغبين في إجراء تحاليل وكشوفات وفحوصات طبية وحتى شراء رضع لتبنيهم، نظير إتاوات تتفاوت حسب الخدمة دون أن تدري أن ذلك لن يطول أكثر مما مضى من أيام استغلالها للمرفق. رائحة فساد رائحة الفساد بمستشفيات فاس شمت منذ شهور، دون أن يتحرك مسؤولو القطاع بالحزم اللازم لتنقيته و"تعطيره"، قبل دخول القضاء على الخط. وأولى خطواته تقديم الوكيل العام باستئنافية فاس في شتنبر الماضي ملتمسا كتابيا لالتقاط مكالمات هاتفية لأشخاص مشتبه في تورطهم في التلاعب بالخدمات الطبية والاتجار في الرضع. 9 أرقام هاتفية تضمنها ملتمس الوكيل العام ووضعت تحت التنصت طيلة 4 شهور، سجلت خلالها كل المكالمات والمراسلات الصادرة منها والواردة عليها، وضمنت في تقرير مفصل فضح ما خفي أو تكتم عليه من له مسؤولية المراقبة والتتبع والزجر الإداري اللازم لأسباب تسائلهم. والنتيجة تفكيك أكبر شبكة عدد أفرادها في ارتفاع. وفضح تسجيل المكالمات كيف بسطت زعيمة الشبكة هيمنتها على مستشفيات، مستغلة سمعة عائلتها الإجرامية في نشاط إجرامي منظم تعدد المشاركون فيه ممن وزعت أدوارهم بشكل محكم، بتنسيق مع ابنتيها إحداهما آخر من اعتقل من داخل ابتدائية المدينة أثناء محاولتها "فبركة" ملف انتزاع الحضانة من طليقة بتواطؤ مع طليقها. وفضحت عملية التتبع القبلية للبحث، فسادا مستشريا سيما بمستشفى الغساني، وكيف جعلت "زعيمة" الشبكة، الجميع خاتما في يديها تحركه كما تشاء ويحلو لها للحصول على شهادات طبية وهمية أو مواعيد طبية لأشخاص. وامتد نشاطها لاستقطاب أمهات عازبات حملن من علاقات غير شرعية، وإقناعهن ببيع رضعهن بمقابل هزيل. ولم تكن وحدها المتدخلة في ما لا يعنيها من خدمات، بل أيضا أخريات لبسن جلابيب العمل الجمعوي للتدخل لدى أطباء وممرضين وموظفين لقضاء حاجات أشخاص يرافقونهن. لكنها كانت وبشهادة متهمين، أكثر تأثيرا لحد أن "بعض من يرافقونه يستفيدون من التطبيب دون خضوعهم للإجراءات المعمول بها في المستشفى". مظاهر الفوضى لم تقتصر مظاهر الفوضى على تدخل غرباء في عمل مستخدمي قطاع الصحة وفرض الأمر الواقع عليهم بالقوة والترغيب والتخويف أحيانا، وامتد لحد التهديد، ما زكته أقوال بعض حراس الأمن الخاص المعتقلين، الذين أكدوا في اعترافاتهم التمهيدية لدى الشرطة القضائية، أنهم تفادوا رفض طلبات زعيمة الشبكة، خوفا من أفراد عائلتها. التهديد طال أيضا أطباء وممرضين من قبل بعض أفراد هذه العائلة الإجرامية المعروفة بمقاطعة المرينيين، لضمان استفادتهم أو من يتدخلون لفائدتهم، من العلاجات والأدوية دون احترام للمواعيد وللنظام المعمول به خاصة في مستشفى الغساني، بل لا يتوانون في اختلاق نزاعات فيه مع مرتفقين والاعتداء عليهم بالضرب. وفسحت هذه الفوضى المجال لسلوكيات غير قانونية من قبيل استفادة أشخاص من علاجات دون تسجيلهم في السجلات الممسوكة لدى الإدارة، ليس فقط بتدخل من أفراد هذه العائلة الإجرامية، بل أيضا من جمعويات. لكن نشاطهن لم يكن بخطورة ما قامت به المتهمة الرئيسية وابنتاها، وامتد إلى الاتجار في الرضع. واستغللن الهشاشة الاجتماعية لأمهات عازبات سخرن حراس أمن خاص لاستقطابهن وإقناعهن ببيع رضعهن من علاقات غير شرعية، نظير مبالغ مالية أقل أحيانا مما يستلمه الوسيط من نصيبه مما يدفعه كل راغب في اقتناء طفل لتربيته دون اتباع المساطر القانونية المعمول بها، أحدهم من تاونات اشترى طفلة ب1500 درهم. حقائق صادمة كشفها متهمون وشهود استمع إليهم لعلاقتهم بالاتجار في الرضع، أثناء مناقشة الملف أمام غرفة الجنايات الابتدائية لجرائم الأموال التي أجلت البت في ملف جنائي ضخم ارتفع عدد المتابعين فيه تدريجيا إلى 35 متهما أحدهم فقط مسرح، إلى صباح 28 ماي الجاري لاستكمال المرافعات التي وزعت على جلستين. اختلاس أموال لم تقتصر الاختلالات على مستشفى الغساني واستشرت أيضا في المستشفى الجامعي ومستشفى ابن الخطيب المعروف ب"كوكار". وكشف بحث الفرقة الجهوية للشرطة القضائية وجود نقص مهم في مداخيل مستشفى "كوكار" قدرت بنحو 164 ألف درهم استولى عليها الموظف باستخلاصها عبر مراحل. المتهم أقر بالاستيلاء على المبلغ وأرجع بعضه قبل اعتقاله وإيداعه سجن بوركايز تزامنا مع إيقاف ابنة المتهمة الرئيسية في ملف الاتجار في الرضع. وأثناء محاكمته تحجج بمرضه وحاجته إلى العلاج لتبرير اختلاسه، ولم تنفع محاولات الصلح بينه والخزينة العامة التي انتصبت طرفا مدنيا وحكم لها ب15 ألف درهم تعويضا مدنيا. غرفة الجنايات قضت بإرجاعه للخزينة العامة 134 ألف درهم المتبقية، وحكمت عليه بسنة واحدة حبسا نافذا ومليون سنتيم غرامة لأجل "اختلاس أموال عمومية" تابعه بها الوكيل العام بعدما أحاله بشكل مباشر على الغرفة، كما شبكة التلاعب في الخدمات والاتجار في الرضع المفككة قبل شهور في ثالث أكبر فضائح مستشفيات فاس. تفكيكها جاء بعد شهور من تفكيك شبكة سرقة أدوية وتجهيزات المستشفى الجامعي الحسن الثاني، إثر وشاية من مجهول أمر الوكيل العام بالتحقيق فيها أطاح برؤوس ومسؤولين عوقبوا بأحكام مختلفة تراوحت بين السجن النافذ والموقوف، وبعضهم برئ بعد متابعتهم في ملف أصلي وملفات أخرى فتحت لاحقا بعد إيقاف متابعين. ولم يقف النزيف عند ذلك الحد وتفجرت فضيحة أخرى قبل أيام بهذا المستشفى، بعدما اكتشف أب أن ابنه في عقده الأول ويعاني مرضا وراثيا عضالا، ما زال على قيد الحياة ويتنفس وقلبه نابض بالحياة، بعدما أعلن الطاقم الطبي عن وفاته، قبل أن يخبر مسؤولي مستودع الأموات بمستشفى الغساني ليعاد لقسم إنعاش الأطفال. مستشفى الطفل عاش مستشفى الأم والطفل في المستشفى الجامعي الحسن الثاني أسابيع من التوتر والاحتقان، على وقع تبادل الاتهامات بين إدارته ونقابة الممرضين بعد توقيف ممرضين، قبل أن تنفرج الأمور بينهما بعد اجتماع مع مسؤولين بوزارة الصحة سطرت خلاله الخطوط العريضة لحل مشاكل المستشفى بما فيها ملف الموقوفين. الهدنة والهدوء في هذا المستشفى لم يدوما طويلا، ليطفو على السطح ملف أكثر إثارة يتعلق بوفاة أطفال نتيجة الإهمال أثناء وجودهم قيد العلاج به. شكايات لذوي حقوق الهالكين وضحايا أخطاء، جرت بعض العاملين فيه للمساءلة القانونية في ملف جنحي محجوز للتأمل والنطق بالحكم في 20 ماي بعد استكمال المناقشة والمرافعة. ويوجد ثلاثة ممرضين بسجن بوركايز لاتهامهم بالإمساك العمدي عن تقديم مساعدة لأشخاص في خطر والتسبب في القتل غير العمدي نتيجة الإهمال وعدم مراعاة النظم. وليسوا وحدهم متابعين في الملف، بل متابع أيضا 11 متهما مسرحا بضمانات قانونية بعد إحالتهم على النيابة العامة في فبراير الماضي، بعد اعتقالهم من طرف الشرطة. ويتابع حارسان عامان و5 أطباء داخليين ومقيمين بتهم مختلفة في الملف نفسه الذي أخضع فيه أساتذة جامعيون للبحث قبل حفظ المسطرة في حقهم لانعدام وسائل الإثبات، كما في حق 5 موظفين آخرين في قطاع الصحة منهم طبيبان يتحدران من الكونغو. عملية الإيقاف وتحريك المتابعة القضائية في حق المتهمين، سبقتهما أبحاث تواصلت بشكل سري طيلة خمسة شهور أعقبت صدور قرار قضائي بالبحث في مضمون شكايات اتهمت عاملين في القسم بالتقصير في أداء واجبهم المهني، ما تسبب في وفاة أطفال نتيجة الإهمال أو أخطاء طبية أثناء خضوعهم للعلاج من الورم الخبيث. اختلالات التدبير لم تحسم المحاكم بعد في ثبوت الأفعال المنسوبة للمتهمين في ملفات اختلالات مستشفيات فاس، بعد متابعتهم بتهم جنائية وجنحية مختلفة أمام ابتدائية واستئنافية المدينة. لكن جلسات محاكمتهم حظيت باهتمام زملائهم الذين حضروها بأعداد مهمة لحد احتقان القاعتين الحاضنتين لها. وأكد الأطباء والمكتب الجامعي للمركز الاستشفائي الحسن الثاني التابع للنقابة المستقلة للممرضين بعد متابعة زملائهم ثقتهم في القضاء وفي قرينة البراءة، متمنين أن يستفيد منها الجميع وأن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي. وأكدت النقابة أنها ستدافع عن الممرضين "بكل السبل المتاحة قانونا لإعلاء كلمة الحق" حسب بلاغ لها. وتمنت نقابة الممرضين ألا يتم الزج بالمتهمين في متاهة سوء التسيير والتدبير بمستشفى الأم والطفل، وألا يقدم الممرضون "قربانا لتغطية الفشل التدبيري لإدارته"، محملة الإدارة العامة للمستشفى الجامعي "مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع به بصفتها المدبر الأول والأخير لهذا المرفق العام" وما عاش من احتقان كبير قبل هذه الاعتقالات. وتحدثت نقابة الممرضين عن اختلالات يعرفها مستشفى الأم والطفل في ظل "العشوائية في تدبيره وتسييره"، و"التضييق على الممرضين وتقنيي الصحة" و"إصدار الإدارة قرارات جائرة وغير مسؤولة" في إشارة إلى توقيف ممرضين عن العمل، ما كان سببا في احتجاجات تواصلت أسابيع قبل هدنة مؤقتة أعقبت لقاء مع الوزارة. واستنكرت النقابة "الوضعية المضطربة والتسيير العشوائي للمصلحة" و"انعدام شروط العمل الأساسية من روافد المياه في قاعات العلاجات والمرافق الصحية للمرضى الأطفال وأمهاتهم وللأطر الطبية"، إذ "أصبح واضحا للعموم أنهم لا يهتمون لا بصورة المركز ولا بالأطر التمريضية المشتغلة داخله" بتعبير بيان لنقابة الممرضين. وراسل المكتب الجامعي للمركز الاستشفائي للنقابة المستقلة للممرضين بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني، في 9 ماي الجاري، المدير العام للمستشفى، مخبرا إياه بتذمر الأطر العاملة بنظام الحراسة، من حرمانها من الحق في تعويضات الحراسة خاصة مركز أمراض الدم والسرطان للكبار والصغار رغم اشتغالهم بنظام الحراسة 36/12.

الصحة بفاس… رقص على حبال الفضائح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحت الدف

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات