ادعى امتلاكه "بركة" ومعرفة الغيب فعجز عن كشف ما يخبئه القاضي في يده توهم مشعوذ أثناء محاكمته بالمحكمة الابتدائية ببني ملال بتهمتي النصب والاحتيال، أن حيله ستنطلي على رئيس الجلسة، للحكم ببراءته، إذ شرع بكلامه المعسول، وهو يدافع عن نفسه، يتحدث عن «بركاته» وامتلاكه قوة خارقة تمكنه من معرفة الغيب وعلاج الأمراض المستعصية، الأمر الذي أثارحفيظة القاضي، فوضعه أمام اختبار للتأكد من صحة ادعائه، فشل في حله، فأدين بالحبس النافذ. كان يوم محاكمة المشعوذ، حدثا بارزا ببني ملال. كانت وجهة أغلب سكان المدينة، المحكمة الابتدائية لمتابعة فصول قضية المتهم الذي ذاع صيته فجأة في هذه المدينة الصغيرة. انتشر خبر «بركاته» انتشار النار في الهشيم، وأصبح قبلة للعديد من الزوار الذين يقصدون بيته، من أجل نيل بركته لطرد النحس الذي بات يلازمهم ويحول دون بلوغهم مقاصدهم.قبل انطلاق المحاكمة، عم ضجيج داخل القاعة. انقسم الحضور بين من يتوقع إدانة المتهم لأنه ببساطة دجال ومشعوذ، في حين يتمسك آخرون ببراءته لأنه رجل «بركة»، متحججين بروايات أقارب لهم، زاروه ونالوا بركته، وتحولت حياتهم إلى الأفضل، وصار الحظ يلازمهم.سادت قاعة المحكمة جلبة وضوضاء كبيران، لم يكسرهما إلا دخول رئيس الجلسة رفقة ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط. وقف الجميع احترما لهم. حث رئيس الجلسة كل الحاضرين على التزام الصمت ضمانا لمحاكمة نزيهة، ولفسح المجال أمام الظنين للدفاع عن نفسه ودحض كل الاتهامات الموجهة إليه في صك الاتهام. بعد تأكيد هوية الظنين، انطلقت فصول المحاكمة.أول من شرع في الحديث خلال الجلسة، ضحايا المشعوذ الذين يتهمونه بالنصب والاحتيال، قدموا وثائق تؤكد تورط المتهم، وسردوا تفاصيل النصب ممن كانوا يعتقدون أنه «مول البركة».أجمع الضحايا أمام رئيس الجلسة أن المتهم أسقطهم في شراكه، بادعاءاته المتمثلة في قدرته على إسعادهم، وتزويج بناتهم، فضلا عن امتلاكه ترياقا يشفيهم من كل الأمراض الخطيرة، وتوفره على أحجبة ضد السحر، إضافة أنه يعلم مصائر الأشخاص، وبالتالي فهو يمتلك القدرة على إبعاد كل الشرور عنهم.وأضاف الضحايا في تصريحاتهم، أنهم سلموا المتهم مبالغ مالية مهمة، بل منهم من أقنع أقاربه بزيارة المتهم أملا في تحقيق أمانيه، لكن، كما يقول المثل العربي، لا تسلم الجرة كل مرة، أدركوا بعد فوات الأوان حقيقة أمره المزعومة، فتقدموا بشكايات ضده إلى المصالح الأمنية التي سارعت إلى إيقافه والاستماع إليه، علما أنه حاول نفي التهم الموجهة إليه، معتبرا الاتهامات شكايات كيدية، تريد النيل من «كرامته».أما ممثل النيابة العامة، فكشف أن المتهم «المدعي» بامتلاكه قدرات غيبية، ليس سوى رجل يحترف النصب والاحتيال بعد أن عاش تجارب فاشلة، تنقل إثرها بين عدة مدن، وعندما انكشف أمره بين ضحاياه الذين وقفوا على حقيقة أمره وطويته، وطالبوه باستعادة أموالهم التي سلبها منهم عن طريق الحيلة، ونظرا لأن المبالغ المالية التي كان يتحصلها من ضحاياه كانت كبيرة، كان يتسلل ليلا تحت جنح الظلام إلى وجهات مجهولة، هروبا من المترصدين له، ليستقر ببني ملال لنسج علاقات أخرى، بعد تصيده ضحايا لا يكتشفون حقيقة أمره إلا بعد فوات الأوان.وأضاف ممثل النيابة العامة أن مواهب المدعي، كانت تتفتق في كل تجربة جديدة، ليخرج من قبعته السحرية، مقالب ومصائد لا يترك فيها لضحاياه الذين يزداد عددهم مع مرور الأيام، أي فرصة لسلبهم الأموال بعد الاحتيال عليهم.وبعد كلمة الضحايا وممثل النيابة العامة، أعطى رئيس الجلسة للمشتكى به، الذي رفض الاستعانة بمحام، فرصة الحديث لإبراز ما يشد الناس إليه.لم يتراجع الظنين عن ادعاءاته الكاذبة التي تبشر بامتلاكه قدرات خارقة، وقدرته على معرفة مصائر الناس، رغم أن قاضي الجلسة حاول إقناعه بالتراجع عن أقواله، واعتبار أن ما كان يقوم به من أفعال، لم تكن سوى نزوات شيطانية ألمت به، لكن الظنين وفي محاولة يائسة منه لإقناع القاضي، استمر في تعداد «بركته» التي طال خيرها العديد من المرضى والمصابين بكل أنواع « العكس» ما أقلق القاضي الذي أخرج من جيبه ، ورقة نقدية، ثم وضعها في قبضة يده، وأمر الظنين بالكشف عن حقيقة قيمتها المالية « إن كان يعلم الغيب» كما يدعي دون خجل.أصيب الظنين بصدمة مفاجئة، وران على القاعة صمت ثقيل، وتوجهت الأنظار نحو المدعي الذي جحظت عيناه من هول الصدمة، إذ ابتلع لسانه ولم ينبس ببنت شفة، بعدها انفجرت القاعة بالضحك، وانطلقت القهقهات بين صفوف الحاضرين، ولم تسترجع القاعة هدوءها إلا بعد أن تدخل القاضي الذي أمر برفع الجلسة من أجل المداولة، وبعدها أدانه بعقوبة حبسية وغرامة مالية لفائدة الضحايا.سعيد فالق (بني ملال)