الأديب عبد السميع بنصابر قال إن السخرية وسيلة فعالة لمواجهة الصدمات والنكسات توج الكاتب والقاص عبد السميع بنصابر، أخيرا بجائزة المغرب للكتاب في صنف أدب الطفل. في هذا الحوار يتحدث صاحب "الرقص مع الأموات" عن تجربة الكتابة للطفل والجوائز الأدبية، وأيضا عن جوانب من سيرته ومنجزه السردي، وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب توجت أخيرا بجائزة المغرب، في صنف أدب الطفل، ماذا يعني لك هذا التتويج ورمزيته؟ طبعا، سعدت كثيرا بالتتويج بجائزة المغرب للكتاب، ومن دواعي الفخر أن يحظى كتابي "الألوان المشاكسة" بثقة لجنة التحكيم لهذه الدورة، سيما إذا استحضرنا الرمزية التي تكتسيها جائزة المغرب للكتاب بالتحديد. فكلنا نعلم أنها أرفع وأعرق جائزة أدبية في المغرب. وكما أقول دائما، فالتتويج بالجوائز، عموما، ليس هو الغاية من الكتابة. صحيح، أنها ضرورية من أجل توسيع نطاق القراء وزيادة الانتشار، لكن ينبغي أن نستحضر دائما سمو الإبداع، باعتباره مسألة وجودية، ووسيلة فنية للتعبير عن الأفكار والمواقف. وحينما نكتب، فنحن نكشف عن ذواتنا، ونطلع الآخرين على هذه الأفكار والآراء. ولعل مشكلة التوزيع أحد أبرز معيقات الصناعة الثقافية في بلادنا بعد مشكل النشر. إذن، وفي ظل البيئة الثقافية الراهنة، وما تعرفه من عزوف عن القراءة، إلى جانب تسيّد الصورة على حساب الكتاب الورقي، فمن الطبيعي أن يسعى الكاتب، بكل السبل، إلى مواكبة الوضع عبر استثمار المعطيات المتوفرة، من وسائل سمعية وبصرية وجوائز أدبية أيضا، لتوسيع دائرة قرائه. سبق لك أن توجت بجوائز عديدة.. ماذا تعني الجوائز بالنسبة للكاتب أو الأديب؟ كما سبق أن ذكرت، فالجوائز إحدى أهم الوسائل لترسيخ الاسم وتكريس التجربة على الصعيدين الوطني والدولي. فواقع الكتاب والنشر يرخي بظلاله على الساحة الأدبية شئنا أم أبينا. وغالبا ما يجد المبدع نفسه في مواجهة العديد من التحديات، التي قد تصيبه بالإحباط. فمعظم دور النشر المغربية لا تتعامل بالجدية المطلوبة مع الأسماء الجديدة. إنها مؤسسات تجارية في النهاية. لكنني لا أرى في الأمر مبررا لتهميش وإقصاء التجارب الشابة. فمن حقها أن تحظى بفرصة للتعريف بنفسها عبر إنتاجاتها الأدبية. وهنا تبرز مكانة الجوائز، باعتبارها نافذة أخرى، يطل المبدع من خلالها على القراء، دون إغفال الدور التحفيزي الذي تلعبه من أجل الاستمرار. رغم تألقك في أجناس سردية أخرى إلا أنك توجهت في الفترة الأخيرة إلى أدب الطفل. ما سر هذا التوجه؟ في الواقع، الكتابة الموجهة للطفل مشروع قديم، كنت قد بدأت الاشتغال عليه قبل سنوات. وربما قبل أن أصدر أي كتاب. وقد راكمت طيلة هذه السنوات مجموعة من النصوص المخصصة للأطفال، كنت أتقاسمها مع تلاميذي ضمن أنشطة الحياة المدرسية، وأيضا ضمن أنشطة نوادي الكتاب. ولعل اشتغالي في قطاع التعليم، أبقاني دائما مرتبطا بعالم الطفولة، وكنت دوما أرجئ نشر هذه النصوص إلى وقت لاحق. ورغم تنويع مجال الاشتغال بين أدب الطفل وأدب الكبار، إلا أنني، عموما، لم أبرح نطاق الأجناس السردية التي داومت الاشتغال عليها، باعتباري أكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية. ما هي مرجعيتك في أدب الطفل، وتصورك لما ينبغي أن يكون؟ إذا اضطررت إلى استحضار مرجعية ما، فلن تكون سوى طفولتي. فأنا مشبع بذكريات هذه المرحلة، بما تضمنته من مغامرات وعوالم ساحرة. حتى النصوص القرائية والحكايات التي طالعتها خلال تلك الفترة، كانت عاملا أساسا في تشكيل شخصيتي. وهذا معطى أتشاركه مع الكثير من أبناء جيلي. فمن منا لا يتذكر قصص محمد عطية الأبراشي، وسلسلة المكتبة الخضراء، وروايات أحمد عبد السلام البقالي؟ أما عن تصوري لأدب الطفل، فأنا أرى أنه فن أدبي قائم بذاته، لما يكتسيه من خصوصية، وما يستدعيه أيضا بما من لغة وأسلوب وتقنيات أدبية، توافق هذه المرحلة الحساسة. وقد أجزم أن الكتابة للأطفال أكثر صعوبة مقارنة مع غيرها. فالكاتب ملزم بتقمص شخصية الطفل، واستعارة رؤيته للعالم، ونقل تأويلاته وانفعالاته إزاء مختلف الظواهر والأحداث التي يصادفها. دون أن ننسى العناصر البصرية التي تلائم هذه المرحلة العمرية من صور ورسوم وغيرها. وأعتقد أن النصوص التي تستجيب لهذه الخصوصيات، تظل راسخة في ذهن الطفل، لأنها بوابته الأولى نحو عالم الكتب والمكتبات. وأعتقد أن هذه هي أسمى غاية يحققها أدب الأطفال. كيف تجد حضور هذا النوع من الأدب في النسق الثقافي المغربي؟ هناك دينامية كبيرة في كتابة الأدب الموجه للطفل، وهناك أقلام مغربية برعت كثيرا في هذا الفن، وأغنت الخزانة الأدبية بإصدارات نوعية في هذا المجال. لكن تبقى إشكالية الكم مطروحة دائما، فإذا قارنا أعداد الكتب التي تصدر سنويا في الأدب الموجه للكبار، سنستنتج أن أدب الطفل، فعلا، يشكو من قلة الإصدارات، رغم أهميته الكبيرة، لأنه الخطوة الأولى للطفل في درب القراءة والمعرفة. وإذا ألقينا نظرة على واقع النشر في أقطار أخرى، سنلاحظ أنها تولي اهتماما كبيرا لهذا الصنف الأدبي. وأعتقد أن المسؤولية لا تقتصر هنا على المبدعين فحسب، بل أيضا دور النشر، التي ينبغي أن توسع مجالات اشتغالها واهتمامها، من خلال الانفتاح على هذا الأدب، تحفيزا لكُتاب أدب الطفل على الإبداع. ويكفي أن نعلم أن الكثير من كُتاب أدب الطفل في رصيدهم مجموعة من الأعمال، لكنهم يقتصرون إما على النشر الالكتروني، أو يضطرون، في أحسن الأحوال، إلى تهريب نصوصهم نحو دور نشر خارج المغرب. الملاحظ أن عنصر السخرية قاسم مشترك في عدد من نصوصك. هل هو امتداد لشخصيتك أم هو اختيار أدبي محض؟ ربما قد يكون ذلك امتدادا لشخصيتي، لأنني أرى في السخرية وسيلة فعالة لمواجهة الصدمات والنكسات. وقد ينسحب هذا أيضا على اختياراتي القرائية. فقد كنت ومازالت شغوفا بالأدب الساخر. أما عن سر اختيار هذا النمط في الكتابة تحديدا، فربما ليقيني أن ما يصادف المرء من تناقضات غريبة في محيطه، لا يحسُن التعامل معه بغير السخرية كنوع من اللامبالاة. ليس في الأمر استهتار طبعا، إنما هو، كما قلت، طريقة ناجعة لامتصاص التوتر والتعب اليومي. لكن في النهاية، أقول، إن النصوص التي كتبتها بنفَس ساخر، تكاد تعد على رؤوس الأصابع، إذا ما نظرنا إلى المنجز الأدبي بأكمله. أستطيع أن أقول إن رواية "خلف السور بقليل"، ومجموعة "السكابندو" تمثلان بعضا من تشكيلات "الأدب الساخر" إن شئت. لكن ثمة نصوصا أخرى، في المقابل، يغلب عليها طابع القلق والشك والتساؤل. رغم نشأتك في مدينة الداخلة، وتشبعك بالبيئة الصحراوية وثقافتها، فإننا لا نجد لها أثرا في نصوصك.. هل تحضر مفاجآت أدبية في هذا السياق؟ ملاحظة مهمة، وأضيف أن هذا الملمح يكاد يشمل كل النصوص التي كتبتها. في الحقيقة، لم أفكر في الأمر يوما، بمعنى لم أتعمد ذلك، ولم يكن ضمن إستراتيجية اشتغالي. لكن يمكن أن أبرر الأمر بأني لم أقض طفولتي الأولى في الداخلة. لقد هاجرت أسرتي إلى هذه المدينة وسني لم يتجاوز الرابعة حينها. لقد كان الفضاء مختلفا تماما عن البيئة التي ولدت فيها. وحين بدأت خطواتي الأولي في الكتابة، كانت لذتي في استحضار تلك الفترة القصيرة التي كنت قد قضيتها بقريتي بنواحي مراكش، وكنت أغذيها بالخيال الطفولي. المكان، كما تعلم، يسكننا أكثر مما نسكنه. لقد كانت طفولتي خزانا لا ينضب من الذكريات. ولك أن تلاحظ هذا في إصداراتي الأولى على وجه الخصوص، سيما المجاميع القصصية، كـ"الرقص مع الأموات"، و"حب وبطاقة تعريف"، و"السكابندو". كما تحفل أيضا روايتي "خلف السور بقليل" بالعديد من الذكريات الطفولية. وتكاد رواية "ذيل الثعبان" أن تكون الاستثناء الأوحد في هذا الباب. وقد كتبتها تأثرا بقراءاتي المتنوعة في مجال التاريخ. جنس الرواية يتصدر المشهد الأدبي في نصوصك السردية، اخترت التنويع بين تجريب القصة والرواية.. أين تجد نفسك؟ أنا مقيم في الكتابة. والتنويع بين القصة والرواية ليس ضربا من التجريب. إنما هي إستراتيجية تروم انتداب الجنس الأدبي الذي سيمكنني من التعبير عن نفسي، إيمانا مني أن الفكرة هي التي تختار، في النهاية، شكلها الأدبي. صحيح أن القصة هي غوايتي الأولى، لكنني لا أنكر سحر الرواية أيضا. وأنا أعتز كثيرا بما بلغته روايتا "خلف السور بقليل" وذيل الثعبان" من انتشار داخل وخارج المغرب. وهنا، لا بد أن نستحضر معضلة أخرى، قد تقيد إنتاج المبدع. ذلك أن ثمة أجناسا أدبية لا تلقى ترحيبا كبيرا من لدن الناشرين، كالدواوين الشعرية والمجاميع القصصية. وبقراءة بسيطة لواقع التلقي في العالم العربي مثلا، سنجد أن جنس الرواية هو الذي يتصدر المشهد الأدبي، خاصة مع كثرة ملتقياتها، ووفرة جوائزها. ومع ذلك، لا تزال علاقتي وطيدة بفن القصة. وقبل أيام فقط، فرغت من كتابة مجموعة قصصية جديدة، سترى النور قريبا. أنا منحاز لتيار مغربة القصة ما هي الروافد التي خصبت نصوصك السردية، ومن أين تستمد عناصرها؟ من الصعب الإحاطة بكافة الخلفيات التي تشكل نصوص المبدع، لكنني أعتقد أن التجربة هي العنصر الأول الذي يتحكم في منجزي الأدبي. وكل كتاب أصدره، هو بمثابة توثيق لتجربة ذاتية ما، دون إغفال السياق أو الظرفية التي أكتب خلالها. أما عن الروافد الأدبية، فأنا منحاز إلى تيار الكُتاب الذين سعوا إلى مغربة القصة. فكلنا نعلم أن السرد المغربي مر بعدة فترات منذ مرحلة التأسيس. إلا أنني تأثرت بالمرحلة التي بدأت النصوص تنعتق فيها من الأجواء المشرقية. وأذكر هنا تلك النصوص التي أبدعها كل من الراحل محمد زفزاف، والأمين الخمليشي، ومصطفى المسناوي وأحمد بوزفور وغيرهم من الرواد. وقد ازدهر هذا النمط من الكتابة خلال فترتي الثمانينات والتسعينات. وحين اجترحت الكتابة السردية، وجدتني مأخوذا بأجواء الرواية المغربية، التي تستمد مقوماتها من تراثنا اللغوي وبيئتنا المحلية، من خلال الشخوص والفضاءات، والتي تنهض على الواقع الاجتماعي، بعيدا عن أي محاكاة. وقد كانت المحلية بوابة للعديد من الكتاب المغاربة نحو العالمية. ولا أعتقد أن الزمن سيتجاوز هذه النصوص، نظرا لارتباطها الوثيق بأصلها ومنشئها. فنصوص محمد شكري ومحمد خير الدين وإدريس خوري استطاعت أن تخلد في الزمن. الانفجار الإلكتروني والأدب كيف ترى انعكاس الثورة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي على المشهد الأدبي بشكل عام؟ > جرت العادة أن نتحامل على التكنولوجيا الرقمية، كلما خضنا في موضوع التلقي. وفي اعتقادي أن المعضلة غير مرتبطة، بالضرورة، بهذا الانفجار الالكتروني، الذي تحتمه المتغيرات والسياقات العالمية. أرى أنه يمكن استثمار المواقع والوسائط الالكترونية لتجاوز مشكلة القراءة. هذا إذا سلمنا طبعا، أن المقصود بالقراءة هو مطالعة النصوص، مهما اختلفت حواملها، ورقية كانت أم الكترونية. وإلا سنكون ملزمين بتحديد العامل الأساس في تراجع القراءة، ضمن المنظومة الرقمية ككل. أقصد مثلا سيادة الصورة ومقاطع الفيديو. آنذاك يمكن أن نقول نعم، ولو نسبيا على كل حال. أما أن نلقي بالمسؤولية كلها على الوسائط الالكترونية، فلا أتفق. فالمواقع الآن حافلة بالمكتبات الضخمة التي تتيح للقراء من جميع أنحاء العالم آلاف الكتب في شتى الأصناف. ولا ننسى أيضا دور المواقع الإلكترونية في الترويج للكتب الجديدة. فهي منصات تفاعلية متجددة، وقناة مهمة يطل عبرها الكاتب على القراء، في ظل التحديات المطروحة. فالكاتب لم يعد ملزما بنيل الاعتراف من مؤسسة ما حتى يبدع. أضف إلى ذلك تراجع الرقابة على النصوص، مع ظهور المنصات الإلكترونية، التي أضحت منابر أدبية رائدة، يتابعها آلاف القراء من كل البلدان. في سطور < من مواليد 1986 بنواحي مراكش ومقيم حاليا بالداخلة. < حصل على أزيد من عشر جوائز وطنية ودولية في مجال السرد. < من إصداراته: "حب وبطاقة تعريف" و"الرقص مع الأموات" و"خلف السور بقليل" و"ذيل الثعبان" وغيرها.