جابر: الأمن القضائي أولوية

رئيس المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء قال إن المرأة القاضية تفوقت على زميلها في إدارة الجلسات قال حسن جابر، رئيس المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء، والعضو السابق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن الأمن القضائي وتطبيقه على أرض الواقع كان الهاجس الأول الذي رافقه منذ توليه رئاسة المحكمة، وهو ما بلوره من خلال اعتماد جلسات متخصصة. وأضاف جابر في حوار مع «الصباح»، أن المحكمة أنتجت نسبة كبيرة من الأحكام رغم قلة القضاة والموظفين، واستطاعت أن تقضي على تراكمات الملفات عن السنوات الماضية بسبب جائحة كورونا. وفي ما يلي نص الحوار: أجرت الحوار: كريمة مصلي/ تصوير (عبد اللطيف مفيق) بعد سنة وأربعة أشهر من وجودكم على رأس المحكمة الزجرية الابتدائية بالبيضاء، ما هي المعقيات التي واجهتكم؟ > التحقت بهذه المحكمة في بداية نونبر 2022، ونلت شرف المسؤولية داخل هذه المؤسسة المتخصصة في البت في القضايا الزجرية. وفي إطار العدالة الجنائية بين الإكراهات والتحديات، أذكر أنه من بين الإيجابيات التي صادفتي في البداية، أني عملت بها قاضيا في وقت سابق، وخبرتها جيدا، إذ ترأست هذا القسم لما كان تابعا إلى المحكمة الابتدائية الكبرى، إذ كانت ساعتها مقسمة إلى قسم مدني وقسم جنحي لمدة سبع سنوات، وبعد ذلك سيتم تقسيمها إلى محاكم مصنفة قائمة الذات لتسع سنوات أخرى، فالعمل بهذه المحكمة له طبيعة خاصة، إذ منذ التحاقي بها كان لدي تصور كنت أؤمن به لما كنت رئيسا للقسم الجنحي. ماهي الخطوط العريضة لهذا التصور؟ > التصور يقوم على تقسيم العمل بهذه المحكمة إلى شعب، شعبة خاصة بالسير وأخرى خاصة بالتلبس معتقلين، وشعبة الجنحي العادي، ثم شعبة خاصة بقضاء الأحداث، وكان لدي تصور أن أضع على رأس كل شعبة نائبا للرئيس، باعتباره امتدادا لمؤسسة الرئيس داخل تلك الشعبة، ولضبط العمل داخل المحكمة وضعت مخططا استراتيجيا، بعد اجتماع مع مختلف القضاة لمعرفة الإشكالات المطروحة داخل كل شعبة، وحرصت ألا تنبثق عن تلك الاجتماعات قرارات تنظيمية وإنما مجرد محضر بتوافق مع القضاة يتضمن الإشكالات والمعيقات والبحث عن حلول مشتركة. كل تلك المعطيات دفعتني إلى التفكير في برمجة جلسات متخصصة، مثل الجرائم الجمركية التي وجدت اختلافا كبيرا في طريقة بت القضاة فيها، وهو ما دفعني إلى اعتماد جلسة متخصصة لهذه الجرائم. < بالفعل، وحتى في النقاشات مع القضاة، تبين أن لكل واحد تصورا مختلفا في تدبير هذا النوع من الملفات، هذا مع استحضار أن القانون الجمركي له طبيعة خاصة، ويجب على من يمارس هذه المادة أن يكون على اطلاع جيد على هذه القوانين، شأنها شأن بعض القضايا المتخصصة، مثل جلسة قضايا التعمير، وجلسة قضايا الشيكات بدون مؤونة، ثم جلسة جرائم العنف ضد النساء والأطفال، وقضايا الصحافة. وامتد هذا التفكير في التخصص ببلورته خلال السنة الجارية، خاصة بالنسبة إلى قضايا المعتقلين، إذ كانت تنعقد يوميا ثلاث جلسات، حاولت تقسيمها مع مكتب المحكمة إلى قضايا تهم جرائم ضد الأشخاص، وقضايا تهم جرائم ضد الأموال، وقضايا تهم المؤثرات العقلية، هذا الأمر كان نتاج الاطلاع على الأحكام التي تصدر في هذه القضايا والتي تبين من خلالها أن هناك ملفات لها موضوع واحد، إلا أن كل هيأة تصدر عقوبة تختلف عن الهيأة الأخرى. لكن ألا تظن أن الإجراء سينتج عنه نمطية في تدبير الملفات، ما يمس بالسلطة التقديرية وقناعة القاضي؟ > أبدا. الهدف أسمى على الأقل تحقق الأمن القضائي بالنسبة إلى المواطن، إذ لا تفسير لوجود ثلاثة أشخاص في المؤسسة السجنية بالتهمة نفسها وباختلاف المدد المحكوم بها، وهو ما قد يولد شعورا باللاأمن، وفي الوقت الذي يسند فيه النظر في مثل هذه القضايا إلى هيأة واحدة لا يكون اختلاف كبير في الأحكام التي تصدرها، مع مراعاة ظروف كل متهم، حتى لا يوجد أي تفاوت يمكن أن ينتج شبهة. نحن نفترض حسن النية في القاضي الذي يبت في الملفات، لكن المتقاضي، حينما يجد هذا التفاوت في الأحكام ينعدم عنده الأمن القضائي، فتحقيق توازن ومساواة وأمن داخلي وفي الوقت نفسه إحداث هيآت متخصصة، يفسح المجال للبحث بالنسبة إلى القاضي المتخصص. سبق للرئيس المنتدب أن أصدر دورية في شأن الآجال الاسترشادية. إلى أي حد احترمت تلك المدد في التدبير اليومي للملفات بالمحكمة الزجرية؟ > لابد من استحضار نقطة مهمة هي أن الآجالات الاسترشادية منصوص عليها في الدستور للبت في القضايا في أجل معقول، ثم في القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة، وهو ما دفع المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى إصدار قرار بشأن الآجالات الاسترشادية، بناء على لقاءات مع المسؤولين القضائيين، للوصول إلى آجالات معينة بالنسبة لكل ملف على حدة. وبطبيعة الحال وضعت آجالات من خلال قرار للمجلس في شخص الرئيس المنتدب، وهذا لا يمس باستقلالية القضاة، ولكن يحثهم على تجهيز الملفات في وقت معين والحرص على تنفيذ القرارات التي يصدرونها. صفينا الملفات المزمنة يروج بزجرية البيضاء عدد مهم من القضايا يفوق أربعمائة ألف قضية، حسب الإحصائيات الأخيرة، إلى ماذا يرجح هذا الارتفاع ؟ > صحيح أن الرقم وصل إلى 414840، وهو رقم قياسي يشكل ضعف إنتاج 2022، ويمثل نسبة تقترب من عشرة في المائة من الإنتاج الوطني ككل، هذا يظهر أن هذه المحكمة أنتجت نسبة كبيرة من الأحكام رغم قلة القضاة والموظفين، واستطاعت أن تقضي على تراكمات الملفات عن السنوات الماضية والتي جاءت نتيجة جائحة كورونا، بالإضافة إلى دور النيابة العامة التي أحالت عدد مهما من القضايا على المحاكمة، هذا بالإضافة إلى توجه جديد نهجته منذ تولي الإشراف على هذه المحكمة، وهو القضاء على الملفات المزمنة والتي ترجع إلى سنوات، بعضها منذ 2014، واعتبرنا أن ملفات 2021 هي الأخرى مزمنة وحاولنا القضاء عليها، كذلك الملفات التي كانت عالقة بقسم الخبرة، إذ حاولنا تصفيتها ووضعنا قاضيا متخصصا يتتبع إجراءات الخبرة ويشرف على تنفيذها، هذه كلها عناصر مكنت من الوصول إلى هذا الرقم القياسي لهذه المحكمة التي لم يسبق لها أن وصلته من قبل. الحديث عن الرقم القياسي، يدفع إلى مسألة تدبير الموارد البشرية القليلة، خاصة أن عدد القضاة في تناقص.. > عند التحاقي بهذه المحكمة كان عدد القضاة 64 والآن 58 قاضيا، علما أن هناك قاضيين منتدبين لمحكمة الاستئناف في إطار الخصاص الذي كانت تعرفه محكمة الاستئناف، ورغم قلة العدد فإن طريقة توزيع العمل على القضاة، وزرع الطاقة الإيجابية لإنتاجية أكبر، ومراقبة قبلية وبعدية للملفات، بالإضافة إلى دور كتابة الضبط في تجهيز الملفات، كلها عوامل ساهمت في هذا الإنجاز، الذي هو مرتبط بفريق عمل وليس بشخص أو بالمسؤول القضائي، وهذه الإستراتيجية هي التي مكنت من الوصول إلى هذه النتائج. هذه خطتنا للقضاء على "السماسرة" دائما ما توجه أصابع الاتهام إلى وجود «سماسرة» داخل المحكمة الزجرية، بالنظر إلى طبيعة القضايا التي تروج بها، منذ توليكم المسؤولية، هل استطعتم الحد من الإشكال؟ > من بين التحديات التي كانت لدي، رفقة وكيل الملك بالمحكمة، القضاء على «السماسرة»، إذ أن العملية تبدأ من داخل مكتبي ومن خلال المراقبة بالكاميرات للمحكمة ومحيطها، إذ يظهر في حالات معينة توافد بعض الأشخاص بشكل ما على المحكمة، وباستمرار، وفي هذه الحالات يتم التنسيق مع وكيل الملك لمعرفة الغاية من هذا التوافد، وهي طريقة مكنت من القضاء على العديد من «السماسرة»، بالإضافة إلى سياسة الباب المفتوح للمسؤول القضائي، في وجه المتقاضين، للحد من الوسطاء، وهي استراتيجية أبانت عن نجاعتها في محاربة الظاهرة، ولم يعد الولوج إلى المحكمة سهلا، إذ أن المراقبة الأمنية في بابها مشددة، وأي شخص يتبين أنه يحاول ولوج المحكمة دون مصلحة واتضح أنه يقوم بـ»السمسرة» يتم التصدي له، سواء في شخص وكيل الملك الذي يحيله على الضابطة القضائية للبحث، أو الأحكام التي تكون رادعة. تجربتي بالمجلس كان لها أثر إيجابي حظيتم بشرف تمثيل القضاة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في الولاية الأولى كيف بلورتم، هذه التجربة خلال توليكم المسؤولية؟ > لا شك أن تجربتي عضوا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كان له الأثر الإيجابي على هذه المحكمة، فالمجلس سبق أن وضع مخططا إستراتيجيا ( 2021-2026 ) لعمله، وشاركنا في وضع هذا المخطط الذي حاولت تنزيله داخل المحكمة بعدما توليت المسؤولية بها، تأتي بعدها مسألة الملفات التأديبية التي كان يبت فيها المجلس الأعلى للسلطة القضائية عندما كنت عضوا به، إذ اتخذ فيها مجموعة من القرارات التي تم نشرها بموقع المجلس، وكان أول لقاء تواصلي تم عقده مع قضاة هذه المحكمة في إطار التكوين المستمر حول القواعد التأديبية مع وكيل الملك، وتم شرح قواعد مدونة الاخلاقيات والقرارات التأديبية التي اتخذت، وحاولنا إفادة القضاة من هذه التجربة، وبعد توصلهم بمدونة الأخلاقيات والاطلاع عليها، أضحوا يستفسرون عن بعض النقاط التي أحاول تزويدهم بخصوصها بالمفاهيم الصحيحة لبعض الممارسات التي يعتقد البعض أنها عادية، ولكن يمكن أن تكون مثار متابعة تأديبية، وبالتالي كانت مناسبة لي عضوا سابقا بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل نقل تلك التجربة إلى هذه المحكمة، فعلى الأقل فتلك الفترة داخل المجلس مكنتني من التعرف على توجهات المجلس في تدبير العمل القضائي وأحاول تجسيدها على أرض الواقع. دعم ومساعدة مستشاري الأخلاقيات كيف يتم تدبير الشكايات المتعلقة بإخلالات منسوبة إلى قضاة بالمحكمة؟ > لابد من الإشارة إلى أن مدونة الأخلاقيات التي أصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حددت مستشاري الأخلاقيات بكل دائرة استئنافية، وهما الرئيس الأول والوكيل العام للملك لديها، ولكن هذا لا يمنعنا باعتبارنا مسؤولين بالمحكمة الزجرية بمساعدة ذلك المستشار الأخلاقي من تخليق العمل القاضي وإيجاد بعض الحلول في بعض الإشكالات، التي ترتبط بعمله قاضيا، بالإضافة إلى اللجنة التي توجد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، خاصة بالأخلاقيات القضائية. عدم الإشراك أبعد القاضية عن التلبس على خلاف ماهو متعارف عليه استطعتم أن تدفعوا بالمرأة القاضية إلى ترؤس جلسات التلبس، ماهي الغاية التي تصبون لتحقيقها من وراء ذلك؟ > صحيح أن قضايا المعتقلين لم تكن متاحة للعنصر النسوي، لاعتقاد مسبق أن البت في هذه القضايا يتطلب وقتا ومجهودا أكبر، والحال أنه باستطاعتهن ممارسة هذا العمل، غير أن انعدام الإرادة في السابق والتخوف من الإشراك هو الذي كرس هذا التوجه. من ساعدني أكثر في منح النساء القاضيات هذه المسؤولية، هو التنظيم القضائي الجديد، الذي جعل البت في ملفات المعتقلين بهيأة جماعية، ما دفعني إلى التفكير بتزويد تلك الهيآت بالعنصر النسوي، للبت في هذه القضايا، وما يفرض علي إشراكهن في هذه القضايا هو عددهن، إذ يشكلن تقريبا نصف زملائهن الذكور داخل المحكمة، وبالعكس لاحظت تدبيرا جيدا من قبلهن لقضايا المعتقلين في التلبس، وأبلين البلاء الحسن من خلال أحكامهن الممتازة، شأنهن شأن زملائهن القضاة، والتخصص في بعض الشعب، إذ من الصعب استبدالهن بزملائهن الرجال، من ضمنها شعبة قضايا الأحداث. أولويات العمل أولويات العمل داخل المحكمة هو الاستمرار على النهج نفسه، من خلال تجهيز الملفات داخل الآجال الاسترشادية المحددة، من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقضاء على الملفات المزمنة 2022 وسابقاتها، بل إن هناك خطة باعتبار ملفات 2023 خلال يونيو المقبل هي أيضا ضمن هذه الخانة، التي تجب تصفيتها دون المساس باستقلال القضاة في أحكامهم وتحقيق المحاكمة العادلة والسير على نهج الجلسات التخصصية في جميع الشعب لتحقيق الأمن القضائي للمتقاضي، والنجاعة القضائية في الأحكام لمحكمة متخصصة تصبح نموذجا لمحاكم المملكة، لأن هذا النوع من المحاكم أي محكمة زجرية موجود فقط في البيضاء، بالإضافة إلى تنزيل جميع الدوريات الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية. جودة العمل هي التي تؤكد أهمية التحقيق عندما توليت المسؤولية وضعت امرأة في شعبة التحقيق وحققت نتائج جيدة، من خلال البحث في الملفات التي أحيلت عليها، رغم أنها حديثة الالتحاق بهذه المهمة، وبالنسبة للتحقيق بصفة عامة في المحاكم الابتدائية، فمن الصعب أن أدلي برأيي بتقييم مدى جدواه، ولكن على العموم، فإن الإرادة بإحداث مؤسسة التحقيق في المحاكم الابتدائية هي إرادة نبيلة، ولكن يجب على قضاة التحقيق أن يعطوا قيمة للعمل الذي يقومون به، في بعض الحالات يحال الملف على التحقيق، ويعتقد البعض أنه لا داعي له، لكن في الواقع فإن النيابة العامة عندما تحيل الملف على التحقيق، تكون الغاية منه هو البحث بشكل مفصل بناء على تصور معين والوصول إلى حقائق معينة.

جابر: الأمن القضائي أولوية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار الصباح

ارتفاع الأسعار مرتبط بالطلب والعرض

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات