قريبة عائلة إجرامية تحصنت بعنفها وحولت مستشفيات "ضيعة" للكسب بتواطؤ مع موظفين وحراس أمن خاص لما يمتزج الجشع والتسيب باستغلال النفوذ، يسقط قناع الانضباط الأخلاقي وتتناسل ممارسات لامسؤولة تتسيد في غياب الضمير المهني وروح المسؤولية، لتعم فوضى تترعرع تدريجيا لحد الهيمنة وفرض الأمر الواقع بالابتزاز وغيره، ولو في إدارات عمومية مفروض تحصينها بالمراقبة والزجر قبل تفجر فضائح مدوية "تحرق" سمعتها. ما كان لشبكة الابتزاز والاتجار في الرضع بأكبر مستشفيات فاس، أن تنشأ وتترعرع لولا بيئة نبتتها والتقصير في المراقبة والمحاسبة. تركت ممارسات حراس الأمن الخاص ومن يدور في دائرة نفوذهم، على حبل اللامبالاة رغم صيحات الغضب، فتسيدوا وكبرت أطماعهم وتشعبت وتوسع انتشار "مرضياتهم" وامتد لحدود الاتجار بالبشر. إعداد: حميد الأبيض (فاس) - تصوير: أحمد العلوي لمراني تزاوج الجشع والفتوات فتشابكت مصالح تعددت وسائلها وساد التسيب الذي امتد من ابتزاز المرتفقين واستنزاف جيوبهم لأجل خدمة من حقهم، للاتجار برضع قدرهم الازدياد من علاقات غير شرعية. والنتيجة شبكة بعدد يتضاعف من المتهمين، تطلب تفكيكها شهورا من تقفي أثرها والتنصت على المكالمات الهاتفية والمراقبة. شبكة تترعرع تضاعف عدد أفراد الشبكة، باعتقال مستخدم بمستشفى ابن الخطيب )كوكار( وإحالته بشكل مباشر على غرفة الجنايات الابتدائية لجرائم الأموال باستئنافية فاس، في ملف ضم للأصلي المتابع فيه 33 متهما أحدهم طبيب صاحب عيادة وحده المسرح، انطلقت الثلاثاء الماضي أولى جلسات محاكمتهم التي تأجلت لإعداد الدفاع والاطلاع. الوكيل العام تابعه بتهم مختلفة منها جناية "الاتجار بالبشر" تتابع بها أيضا وبظرف الاقتران بالتعدد والاعتياد، امرأتان اعتبرتا عقلا مدبرا لهذه الشبكة وإحداهما من عائلة مشهور أفرادها بإجرامهم، وبإضافة تهمة "ارتكابها من قبل موظف" بالنسبة إلى ثلاثة حراس أمن خاص، أحدهم تابعه أيضا ب"الارتشاء" و"تزوير شهادات طبية". جميعهم وممرض وسائق سيارة إسعاف وعاطلون وبائع متجول وعامل بمستشفى ابن الخطيب و11 حارس أمن خاص استغلوا نفوذهم وعبثوا بالمرفق العمومي ومصالح المواطنين ولم يكتفوا بابتزازهم للعلاج والاستفادة من خدمات مختلفة، بل انتحل بعضهم صفة منظمة قانونيا وشاركوا في تزوير شهادات طبية وفي الاختلاس والتبديد. وما كان لهؤلاء وغيرهم ومنهم عاطلون، أن يتسيدوا وينجحوا عملياتهم، لولا وجود تواطؤ من داخل المستشفيات لموظفين منهم تقنيتان بالمستشفيين الجامعي والغساني، وممرضان أحدهما توبع أيضا لأجل الإجهاض، إضافة إلى طبيب عظام متهم بالارتشاء وتبديد أموال عامة واستغلال النفوذ وتمكين الغير من إعفاء رسم ضريبي". والطبيب من بين 33 متهما أودعوا بسجن بوركايز دون زميل له مسرح، فيما حفظت المسطرة في حق ممرضة قابلة لانعدام دليل تورطها بعد إيقافها وإياهم من طرف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية قبل إحالتهم بشكل مباشر على الغرفة بعدما أعمل الوكيل العام صلاحياته القانونية التي يخولها له الفصل 73 من المسطرة الجنائية. التقاط المكالمات سبق تفكيك هذه الشبكة، مجهود قضائي وأمني مكثف منذ تواترت الأخبار عن نشاطها وتوسعه وامتداده للاتجار بالرضع والتلاعب بالخدمات في مستشفيات فاس. ودامت الأبحاث نحو 5 أشهر، رافقها التقاط مكالمات هاتفية لأفرادها لفك خيوط متشابكة بين موظفين في قطاع الصحة وغرباء عنه تسيدوا بسلاح القوة والعضلات. التمس نائب الوكيل العام في شتنبر، التنصت على مكالمات ورسائل واردة وصادرة عن 9 أرقام هاتفية محددة يستعملها المتهمون الرئيسيون، ضمن تفريغها في تقرير فضح حقيقة نشاط أفرادها ممن ادعى أربعة منهم تعرضهم للتعذيب أثناء استنطاقهم تمهيديا، وكشفت المعاينات وفحوص طبية، عدم صحة كل ذلك. التفريغ ومضمون الرسائل والمكالمات، ساهمت في بحث دقيق واصلته باحترافية عناصر الفرقة التي وقفت على حقائق صادمة لـ"موت" ضمير الإنسان واستعداده للقيام بكل الممارسات لأجل المال دون اعتبار لكل القيم، خاصة من قبل متهمة رئيسة من عائلة إجرامية وابنتيها الموجودتين في حالة فرار، والبحث جار عنهما. جندت زعيمة الشبكة عدة أشخاص جلهم حراس أمن خاص تسيدوا بأبواب المستشفيات بقوة العضلات، دون أن تنفع صيحات مرتفقين في كبح جبروتهم وتسلطهم. ووسعت نشاطهم ليشمل استقطاب أمهات عازبات "حكمت عليهن" ظروف ليحملن سفاحا. أغروهن بالقليل من المال وكسبوا من بيع رضعهم، الكثير منه. لم يكتفوا بذلك، وتواصلوا مع راغبين في شراء رضع مهملين دون اتباع المساطر القانونية، مقابل عمولة لا تقل عن 500 درهم عن كل طفل يباع بثمن مضاعف مرتين، كما في حالة أحدهم توسط لزوجين لشراء رضيع من أم عازبة ب1000 درهم فقط، بعدما تحول الإنسان في "عرفهم"، بضاعة رائجة قابلة للبيع ومصدر الكسب. المقاربة الزجرية لا تكفي لاحظ خالد البقالي محام بهيأة فاس، تزايد عدد القضايا المتعلقة بجناية الاتجار بالبشر والمعروضة أمام القضاء ويتابع فيها موظفون ومسؤولون وأشخاص، مؤكدا أن هذه الجريمة ينظمها القانون الجنائي من خلال الفصول من 1-448 إلى 14-448، بعدما تم سنها بشكل استعجالي في شتنبر من سنة 2016. وأوضح أن سن هذه الجريمة جاء بعد انضمام المغرب إلى البروتوكول الملحق للاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلقة بالاتجار بالبشر والتي ضم إليها كذلك بروتوكول ثان خلال سنة 2020 وخصص لحماية إضافية للنساء والأـطفال من مثل هذه الجرائم الخطيرة. إن أهم ما يميز هذه الجريمة، هو تعريض الأفراد للاستغلال لتحقيق مكاسب مالية، إذ تطرق لها المشرع المغربي من خلال الفصول المشار اليها وحدد حالاتها بشكل مفصل ونص على عقوبتها في جميع صورها، إذ حددها في الحالات العادية بالسجن من خمس لعشر سنوات مع تشديد العقوبة، كلما اقترن ارتكاب الجريمة بظرف من الظروف المشددة للعقوبة المنصوص عليها في الفصول 3-448 إلى 5-448 من القانون الجنائي. وقال إن نقاشا كبيرا يثار حول معرفة ما إن كان الأشخاص المرتبطون بهذه الجرائم، ضحايا أم مرتكبين لجرائم أخرى يعاقب عليها القانون، ما يجعل تحديد المركز القانوني للشخص إن كان ضحية في هذه الجناية أو مرتكبا لجريمة أخرى أو مشاركا فيها، غير هين. وأوضح المحامي البقالي أن عنصر استغلال الحاجة المتطلب في الجريمة وسلب إرادة شخص ما وإهدار كرامته الإنسانية، صعب الإثبات، سيما إن كان هذا الأخير صاحب المبادرة، ما يجعل جريمة الاتجار بالبشر معقدة، بالنظر لقيام أركانها وتشابهها إن لم نقل تداخلها مع جرائم أخرى . ومهما كان الوضع وفي ظل حماية حقوق الإنسان، يقول "لا بد من الموازنة بين حماية ضحايا هذه الجريمة وبين استفادة مقترفيها من ضمانات المحاكمة العادلة، كما أنه لا تكفي المقاربة القضائية أو الزجرية وحدها لمحاربتها والحد منها، بل يجب إيجاد الوقاية الفعالة والحماية الكافية لتحقيق ردع حقيقي بتظافر مختلف الجهود للحد من انتشار هذه الجريمة، خاصة حينما يتعلق الأمر بضحايا قاصرين أو أطفال رضع". دعوة لتعميم عملية اليد النظيفة شدد متفاعلون مع خبر تفكيك شبكة الابتزاز والاتجار بالرضع بمستشفيات فاس على ضرورة تشديد عقاب كل المتورطين فيها، تحقيقا للردع الخاص والعام، متمنين إطلاق حملة مماثلة بكل ربوع الوطن، مستغلين الفرصة للتذكير بممارسات مماثلة بمدن أخرى تحولت فيها مستشفيات إلى فضاء مهيمن عليه من طرف حراس أمن خاص. وقالت حسناء "الله يعز الحكام، حتى واحد ما خصو يهرب من القانون"، سيما أن "حراس الأمن دايرين ما بغاو"، فيما أكد محمد أن "المغرب بدأ عملية اليد النظيفة"، لترد عليه لبنى بقولها "الله يبين الحق ويفضح كل غشاش. فالحقيقة خرجوا على هذا البلد العزيز"، متمنية أن تكون مثل هذه الحملات شاملة لكل المرافق والإدارات. وتزكي ذلك شهادة أحمد التي أكد فيها أن "الفساد بفاس عم في عدة مؤسسات إدارية وصحية، ووصل الأمر لحد أن حارس الأمن الخاص يتدخل ويتحكم في عمل الطبيب ومسؤولي الصحة، والدليل حجز الأدوية ومستلزمات بمنازل بعضهم"، متسائلا "إلى متى ستظل مستشفياتنا ضيعات يكسب منها الغرباء؟". وقال السالمي إن "قطاع الصحة يخفي الكثير من المآسي"، والمؤسف أن "نترك سيول المشاكل والمافيات، تجرفنا إلى مزيد من التهميش أكثر مما نحن عليه" يقول امحمد في تفاعله مع الخبر في صفحة فيسبوكية، مضيفا "القضية سايبة، وغياب المراقبة كيزيد فالتسيب"، لكن "إن الله يمهل ولا يهمل" و"باش درتي يا يدي تودي". ودعا عبد القادر إلى "إنزال أقصى عقوبة على كل من يثبت اتجاره بالرضع"، فيما تساءل رفيقه يوسف "واش هد الرضع ولاو فلالس، غير لي بغا يبيعهم. هؤلاء الرضع، ملائكة قبل ما يكونو أطفال؟"، و"أين جمعيات المجتمع المدني وفين كانت ناعسة؟"، مؤكدا أن المسؤولية مشتركة بين إدارة المستشفى والمجتمع المدني والدولة.