محلات عشوائية هيمنت على المشهد وتبذر شهريا أزيد من ثلاثة ملايين لتر من الماء الصالح للشرب أمام أنظار السلطات كانت الأمور عادية جدا بمحلات غسل السيارات بالبيضاء. إقبال كبير من قبل المواطنين، خصوصا في نهاية الأسبوع، لكن بعد صدور قرار السلطات بتقليص أيام العمل بسبب أزمة المياه نتيجة الجفاف الذي ضرب المغرب لست سنوات متتالية، طفت على السطح عيوب هذا النشاط، إذ سرعان ما تبادل أفراده الاتهامات بتعمد تبذير المياه في عملية الغسل لجلب الزبناء، قبل أن يثير بعضهم قنبلة كبيرة بأن 80 في المائة من المحلات تشتغل في "النوار". كان قرار السلطات إلزام مسيري محلات غسل السيارات بتوقيع التزام لاحترام مدة العمل الجديدة، والمحددة في أربعة أيام ابتداء من يوم الخميس، القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ رفض العديد التوقيع عليها، على أساس أنه في الوقت الذي كان على السلطات تحمل مسؤوليتها بالتغاضي عن نشاط محلات غير قانونية، تسعى من خلال هذه الخطوة، مساواتهم بالقانونية، استثمر فيها أصحابها الملايين، عبر تحميل الجميع مسؤولية تبذير الماء، في حين أن الحل، إعلان الحرب على المحلات العشوائية، ما سيوفر للعاصمة الاقتصادية، أزيد من ثلاثة ملايين لتر من الماء الصالح للشرب شهريا. إنجاز: مصطفى لطفي الاستثمار في قطاع غسل السيارات ليس بالهين كما يتوهم البعض، إذ حسب اعتقادهم، يكفي فقط التوفر على محل واقتناء آلات خاصة، وتشغيل شخصين أو ثلاثة، لمباشرة العمل في الحال، بل إن الحصول على الرخصة أشبه برحلة عذاب مادي ونفسي، بداية بزيارة العديد من المصالح الإدارية، وتفادي أي هفوة قد تكلف صاحبها الرفض. صرامة المساطر يتذكر مصطفى، اسم مستعار، مسير محل لغسل السيارات بمنطقة مولاي رشيد بالبيضاء، جيدا اليوم الذي قرر فيه الاستثمار في هذا المجال. يحكي معاناته للحصول على الرخصة بداية من ضرورة توفره على محل تجاري، وبعدها التوجه إلى دار الخدمات، التي تتشرط وضع تصميم للمحل، يؤكد توافقه مع طبيعة المشروع، ولانجاز هذا التصميم، طرق مصطفى باب مهندس ما كلفه أزيد من 15 ألف درهم، بعدما كانت قيمة إنجاز التصاميم في السنوات السابقة لا تتجاوز 8000 دهم، سيما بعد تفعيل نظام "الكوطا" لدى المهندسين. وواصل مصطفى الحديث، أنه بعد الحصول على التصميم، سارع إلى نشر خبر فتح محل لغسل السيارات بالجرائد الوطنية لفتح الباب للتعرض على القرار لمدة 15 يوما. يتذكر تلك الفترة بمرارة، سيما عندما حاول بعض الجيران، ابتزازه لتفادي تعرضهم، إذ لولا تدخل أصحاب النوايا الحسنة في الحي، لكان المشروع في خبر كان. بعدها تقدم بجميع الوثائق والتصميم المنجز ونسخ الإعلان بالجرائد لدار الخدمات من جديد، لدراسة الملف، وقتها عاش لحظات نفسية عصيبة، إلى أن أشعر بالموافقة على طلبه، ليجد نفسه وجها لوجه مع لجنة مختلطة، زارت محله لمعاينته والتأكد من مطابقته للمعايير القانونية والسلامة، وفي النهاية حصل على رخصة تحمل توقيع عمدة البيضاء. غبن وغضب في الوقت الذي عانى فيه مسيرو محلات غسل السيارات القانونية كثيرا للحصول على الرخصة، وتسديدهم تكاليف مالية كبيرة، بداية بأجر المهندس والتي تصل إلى 20 ألف درهم واقتناء آلات متطورة، من أبرز شروطها تقليل استهلاك الماء، فتحت بالقرب منهم محلات منافسة بشكل غير قانوني، يؤكد مصطفى، بل حتى تجهيزات العمل اقتنوها مستعملة ومن "ماركات" قديمة تبذر الماء بكميات كبيرة. ورغم هذا الغبن، التزم مسيرو المحلات القانونية الصمت، خصوصا بعد أن أشعروا السلطات المختصة بالأمر، لكنها لم تتدخل، حينها أدركوا وجود تواطؤ، سيما أن منافسيهم غير القانونيين يشتغلون علانية وأمام أنظار رجال السلطة. لكن مع مرور الوقت، وبسبب الإقبال الكبير على محلات غسل السيارات، تناسلت محلات عشوائية بشكل كبير، إلى درجة أنه من أصل 16 محلا بمنطقة معينة بالبيضاء، اثنان فقط أو ثلاثة يتوفرون على الترخيص القانوني. الخطير في الأمر، يؤكد الغاضبون، أن أغلب هذه المحلات لا تتطابق مع التصاميم المخصصة لهذه المهنة، أبرزها أن يكون المحل قادرا على استيعاب سيارتين، بل إن بعض المتطفلين اكتفوا بمحلات صغيرة جدا، خصصوها لوضع الآلات، في حين تتم عملية غسل السيارات قرب المحل أو بالشارع العام في خرق كبير للقانون. ولم تقتصر الصدمة عند هذا الحد، بل عندما عمدت محلات عشوائية إلى تقديم عروض مغرية لجلب عدد أكبر من الزبناء، وقتها وجد مسيرو المحلات القانونية أنفسهم أمام منافسة غير شريفة، وعندما تحروا في الأمر، وقفوا على أمر خطير يستوجب فتح تحقيق، حسب قولهم، فبعض منافسيهم غير القانونيين متورطون في سرقة المياه. أضرار العشوائي ضرر المحلات العشوائية لم يكتو به فقط مسيرو المحلات القانونية بسبب المنافسة غير المشروعة، بل حتى الثروة المائية التي تستنزف بطرق غير قانونية، والفظيع أنها تقدر بملايين اللترات شهريا. وكشف عبد العالي (اسم مستعار)، مسير محل لغسل السيارات بمنطقة البرنوصي، بعض المستور في هذا القطاع من حيث تدبير المياه، إذ يؤكد أنه بالبيضاء نادرا ما يتوفر محل على بئر خاص به، وبالتالي فالأغلبية لها عقدة تزود بالماء مع شركة "ليدك"، إذ خلال العمل العادي غالبا ما يصل الاستهلاك إلى الشطر السادس، بتكلفة شهرية تتراوح ما بين ألف درهم و1500. إلا أن الأمر يختلف لدى المحلات العشوائية، التي تبذر كميات كبيرة من الماء لسبب واحد، حسب الغاضبين، وهو أنهم يتوفرون على خبرة وتكوين كبير في التعامل مع آلات ضخ المياه خلال غسل السيارات، إضافة إلى رهانهم على "ماركات" عالمية تقتصد في استهلاك الماء، في حين أن العاملين في المحلات العشوائية بحكم أن "كولشي رباح"، يستعملون آلات قديمة، ثم بسبب عدم الخبرة، يستنزفون كمية من الماء لغسل سيارة، كافية لغسل ثلاث سيارات. وأضاف عبد العالي أن غسل السيارات تتحكم فيه معطيات عديدة منها مثلا، حجم السيارة ومدى اتساخها، وإن كانت تستعمل في التنقل وسط المدينة أو في الضواحي وداخل الضيعات، وقتها تختلف الكميات المستعملة في التنظيف، وهو الأمر الذي يزيد من تبذير المياه بشكل كبير جدا. أرقام صادمة يستهلك كل محل لغسل السيارات شهريا، حسب الفاعلين في القطاع، على الأقل 20 مترا مكعبا من المياه الصالحة للشرب، أي تقريبا 20 ألف لتر من الماء شهريا، وإذ كان ما يدعيه أصحاب المحلات القانونية صحيحا، رغم يقينهم التام بذلك، بأن كل منطقة بالبيضاء تتوفر على أزيد من 16 محلا عشوائيا، فهذا يعني أن هذه المحلات لوحدها تستهلك بلغة الأرقام، شهريا 320 ألف لتر من الماء الصالح للشرب، ويصل الرقم في السنة إلى ثلاثة ملايين و840 ألف لتر. رقم كبير جدا وصادم، يستدعي، حسب الفاعلين في القطاع، تدخل السلطات المختصة لوقف هذا النزيف، عبر شن حملات على المحلات لفرز القانونية عن العشوائية وإغلاقها في الحال، بدل تحميل الجميع المسؤولية، وإلزامهم بأيام عمل محددة، والتي يرتفع فيها استهلاك الماء بشكل قياسي، مقارنة مع الأيام العادية. يحكي مصطفى، مسير محل لغسل السيارات بعمالة مولاي رشيد، أنه حاول في البداية تنبيه المسؤولين للأمر، وأشعر أعوان سلطة بضرورة التصدي للمحلات العشوائية في حال هناك نوايا حقيقية منهم للحفاظ على الماء في هذه الفترة الحرجة، لكن كمن يحدث أصناما. حاول بعدها الرهان على تأسيس تكتل أو إطار نقابي أو جمعوي خاص بمسيري محلات غسل السيارات القانونيين، للدفاع عن مصالحهم والتصدي للمتطفلين عن المهنة، إلا أنه وجد نفسه وحيدا، إذ لم يستطع بدوره التمييز بين من يعمل وفقا للقانون أو خارجه، فقرر في النهاية التزام الصمت، إلى حين ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. معاناة قرار الإغلاق المؤقت نزل قرار السلطات بتحديد أيام عمل محلات غسل السيارات في أربعة، بدل طيلة الأسبوع، قطعة ثلج باردة على عدد من العاملين فيه، فأغلبهم يعد هذا النشاط المصدر الوحيد لعيشهم، وبالتالي في حال استمر لأشهر عديدة قد ينتهي بهم إلى الإفلاس، وبالتالي البحث عن نشاط تجاري آخر، وهو ما يرفضونه بشكل كبير. ومن أكبر المتضررين من هذا القرار، حسين، مسير محل لغسل السيارات، إذ أول إكراه واجهه بعد تفعيل القرار، تمرد بعض مستخدميه، وتهديدهم له بالمغادرة، بعد تراجع مداخيلهم اليومية والتي تتكون حصصها الأكبر من إكراميات الزبناء، وهو ما ينذر بوقف محله بشكل تام، ما يؤثر على وضع أسرته والمستقبل الدراسي لأبنائه الذين يدرسون بمؤسسات خاصة. وحسب عرف المهنة، فأجرة المستخدمين إما أسبوعية أو 10 دراهم للسيارة الواحدة، وبالتالي تفعيل هذا القرار يحرمهم من مداخيل ثلاثة أيام دون إغفال إكراميات الزبناء، وبعبارة أخرى فالمستخدمون بناء على هذا القرار سيجدون أنفسهم يشتغلون تقريبا 16 يوما في الشهر فقط، وقد تتقلص المدة إلى 12 يوما في حال كان الطقس ممطرا، حيث يتوقفون عن العمل. لهذا ناشد حسين السلطات بوضع بديل، أوله إعلان الحرب على المحلات العشوائية، وتقديم دعم مالي للمحلات القانونية لاقتناء آلات ضخ مياه معروفة باقتصادها الكبير للماء، بحكم أن ثمنها مرتفع جدا، وبالتالي الحفاظ على القطاع من الانقراض وعلى الثروة المائية بأكبر مدينة بالمغرب.