الملاريا… مشاغب “الكان”

أصاب مشجعين مغاربة وتحداه آخرون ليشجعوا الأسود في كوت ديفوار سان بيدرو، مدينة ساحلية، اجتمع فيها ما تفرق في غيرها. تقع في جهة ساساندرا السفلى، ويبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة. توجد سان بيدرو، أو عاصمة "الكاكاو"، لقبها المحبب، على بضع كيلومترات قليلة من منتزه "تاي الوطني"، المحمية الطبيعية لفرس النهر، المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لـ"اليونيسكو». أما اقتصاديا، فتعتبر ثاني قطب حيوي في كوت ديفوار، بعد أبيدجان، لمساهمتها في الناتج المحلي والإجمالي، بالملايين من الدولارات، وقطاعها الفلاحي يعتمد أساسا على زراعة "الكاكاو" "هيفيا» ونخيل الزيت والصيد البحري، إذ يصنف ميناء سان بيدرو الأول عالميا في تصدير "الكاكاو». كل هذه المؤهلات جعلت من هذه المدينة الساحلية منطقة جذب بامتياز، رغم نقاطها السوداء المتعددة وهشاشة بنياتها التحتية، والفقر المدقع، الذي يظهر على ملامح وسحنات وجوه سكانها، فضلا عن انتشار الأمراض الفتاكة، حتى إنها تصنف ضمن المدن الإيفوارية الأكثر تضررا من مرض المالاريا، حسب أرقام وإحصائيات منظمة الصحة العالمية. بؤرة الحديث عن سان بيدرو، وواقع معيشها الهش، ومؤهلاتها الطبيعية وثرواتها البحرية، التي لا تبدو آثارها واضحة، وشغف أهاليها بكرة القدم والمنتخب الوطني...، يجرك للحديث عن مرض الملاريا، الذي ينخر جسد أطفالها ونسائها وشيوخها. ولسائل أن يتساءل كيف لهذه المدينة، ذات كثافة سكان لا تتجاوز 400 ألف نسمة، أن تصبح بؤرة لمرض إفريقي فتاك، يحصد الضحايا تلو الأخرى. وغالبا ما يلجأ سكان عاصمة "الكاكاو" للعلاج التقليدي والأعشاب الطبية، التي تلقى رواجا في المجتمع الإيفواري ككل، لكن ليس كذلك بالنسبة إلى المشجعين المغاربة، الذين بدؤوا يطرقون أبواب مركزها الصحي، بعد تسجيل حالات مقلقة في صفوفهم، رغم تلقيهم اللقاح ضد الأمراض الفتاكة المنتشرة في القارة الإفريقية، باعتباره شرطا أساسيا قبل السفر إلى كوت ديفوار، لمؤازرة الأسود في بطولة كأس أمم إفريقيا. يعتبر البروفيسور غرا أوكوهافي، رئيس هيأة الأطباء بسان بيدرو، أن هذه المدينة تعد بؤرة المالاريا في كوت ديفوار، ومنتشرة بكثرة في منطقة المشجعين المغاربة، محذرا من مغبة الاستهانة بخطورة هذا المرض، وبخاصة في مراحله الأولى. الأعراض حديث الساعة ما أن انتزع المنتخب الوطني تأهله إلى ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب زامبيا، حتى ترك المشجعون والصحافيون جانبا الحديث عن أداء اللاعبين وحظوظ الأسود في هذه البطولة، ومشكلة الركراكي مع "الكاف"، لينشغلوا أكثر بمرض المالاريا، الذي تسلل إلى أجساد بعضهم، وأصبح الحديث عن أعراضه، أكثر من اهتمامهم بتشكيلة المنتخب المحتملة، ونظام اللعب الذي سيعتمده المدرب أمام منتخب جنوب إفريقيا. كثر الحديث، منذ أسبوع، عن أعراض المالاريا، وخبث هذا المرض اللعين، ويكاد يجمعون، وفقا لما قدم إليهم من نصائح طبية، أنه نتيجة تسلل طفيلي قاتل عن طريق لدغات إناث البعوض، الحاملة للعدوى. وفسر طبيا بأن المالاريا تحدث بعد لدغ بعوضة الأنوفيلية المصابة بطفيل المتصورة، أو البلازمبديوم، التي تنقل الطفيل من شخص إلى آخر، وبالتالي تحصل عدوى جرثومية. ولأن كوت ديفوار بلد موبوء حسب منظمة الصحة العالمية، وتنتشر به أمراض فتاكة أخرى مثل التهاب السحايا، المرض البكتيري القاتل، والحمى الصفراء وغيرها، فإن مرض المالاريا صار أكثر تداولا بين المشجعين، وصاروا أكثر حذرا منه. تراهم يستعملون بخاخات ورشاشات أو زيوتا طاردة للبعوض، ومبيدات كهربائية، وأدوية مضادة، عساها تقيهم من شر هذا المرض اللعين. كلما اقتربت من مشجع أصيب قبل أن يشفى إلا ويحكي معاناته مع المالاريا، وكيف نجا منه، بعد تناول الدواء، ومن "لطف" هذا المرض الخبيث أنه غير معد، ولا ينتقل من شخص إلى آخر مثل الزكام أو الأنفلونزا، كما لا يمكن الإصابة به عبر الاتصال العرضي مع الأشخاص المصابين بالمالاريا، مثل مصافحة شخص مصاب، أو الجلوس بجانبه. تحدي اللقاحات أصيب عدد من مشجعي المنتخب الوطني بمرض المالاريا خلال وجودهم في سان بيدرو، منذ انطلاق منافسات دور المجموعات لكأس أمم إفريقيا، المقامة حاليا في كوت ديفوار إلى غاية 11 فبراير المقبل. ورغم تلقي الجميع اللقاح ضد الأمراض الفتاكة، المنتشرة في سان بيدرو، باعتباره شرطا أساسيا قبل السفر إلى كوت ديفوار، فإن ذلك لم يمنع من تسلل هذا المرض الطفيلي القاتل، عن طريق لدغات البعوض، إلى أجساد بعض المشجعين، الذين يواصلون العلاج، وبينهم صانع المحتوى المغربي خالد الطلبة، الذي كان سباقا إلى نشر رسالة مؤثرة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، لمشاركة معجبيه تفاصيل معاناته الصحية مع المالاريا، ثم تبعه آخرون تجرعوا مرارة المرض، ليسقط الواحد تلو الآخر، ما استدعى دخول القنصلية المغربية في سان بيدرو وسلطاتها المحلية، التي فتحت أبواب المستشفى المركزي المتخصص، لاستقبال المشجعين المغاربة. ذعر مشجعين خلفت حالات سجلت في صفوف مناصري الأسود ذعرا وهلعا وسط المشجعين المغاربة، سواء الموجودين حاليا في سان بيدرو، أو أولئك الذين يستعدون للمجيء إليها، من أجل تشجيع المنتخب الوطني ضد جنوب إفريقيا، غدا (الثلاثاء) بملعب "لوران بوكو»، في ثمن نهائي كأس أمم أفريقيا. ورغم أن الجمهور المغربي تلقى علاجا وقائيا ضد المالاريا، وغيره من الأمراض، عبر تناول الأدوية المضادة قبل وأثناء وبعد "كان 2023"، إلا أن ذلك لم يكن كافيا كي يتجنب مشجعون الإصابة بالمرض، طالما أن ذلك مرتبط بتفاعل الجهاز المناعي لأي شخص مع اللقاح ضد الأمراض الفتاكة. وتسبب هذا الهلع في مغادرة مشجعين مدينة سان بيدرو، خوفا من العدوى، وتراجع آخرون عن المجيء إليها في آخر لحظة لمؤازرة الأسود أمام منتخب "بافانا بافانا»، تجنبا للإصابة بمرض قد يكون مميتا. أما فئة ثالثة، فتحدت مرض المالاريا، وأعلنت مواجهته والتصدي له، مهما كان خبثه ومكره، لتواصل رحلة مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكنها تشكل الاستثناء المغربي في إيمانه بقضاء الله وقدره، وحبا في بلد يحظى بمكانة استثنائية، وملك يعتبر رمزا ومثالا يحتذى به في القارة السمراء. مغاربة هزموا الفيروس في شاطئ سان بيدرو، نصبت خيم صغيرة لإيواء مشجعين مغاربة، خصوصا أولئك الذين قدموا إلى هذه المدينة الساحلية منذ أربعة أشهر مشيا، أو على متن الدراجات الهوائية، ومنهم من غادر المغرب بصفر درهم، حين ظل يشتغل بالدول التي مر منها، من أجل توفير مصاريف مغامرته، التي تشكل الاستثناء في كل شيء. في هذا المخيم أصيب عدد من المشجعين بالملاريا، سواء أثناء رحلتهم البرية، أو لمجرد مقامهم في عاصمة الكاكاو. ويشترك هؤلاء في حبهم للمغامرة، مهما كانت عواقبها، ومعاناتهم اليومية في توفير لقمة العيش لعدد آخر وسط مخاوف من انتشار المالاريا. والملفت للانتباه أن من بينهم من أصيب بالمرض القاتل، قبل أن يشفى منه. يقول (خ.م) من البيضاء «عانيت المرض لمدة طويلة، وبلغ تفشيه نسبة كبيرة في جسدي، إلا أنني شفيت تماما، بعد تناول الدواء وأخذ قسط من الراحة». أما "ع.ف»، القادم من أزيلال، فقال "لم أسلم بدوري من هذه العدوى، وتصديت لها بكل قوة وعزيمة، ولن تجبرنا على التراجع عن حبنا للمغامرة، في سبيل تشجيع المنتخب الوطني". كم هم مغامرون استثنائيون... هؤلاء الذين قطعوا كيلومترات مشيا، أو على متن دراجات هوائية ونارية، رغبة منهم في مساندة المنتخب الوطني، الذي أبهر العالم في مونديال قطر 2022، حين بلغ المربع الذهبي، في إنجاز استثنائي لم يحققه قبله أي بلد عربي وإفريقي. نصائح للمشجعين وجه البروفيسور غرا نصائح كثيرة للمشجعين المغاربة، عبر "الصباح"، من ضمنها تناول الأدوية المضادة قبل المجيء إلى سان بيدرو، ومواصلتهم ذلك بعد العودة إلى المغرب لفترة معينة، كما دعا المشجعين إلى زيارة المركز الصحي، الذي فتح أبوابه مجانا أمامهم طيلة أيام "الكان"، كلما شعروا بارتفاع درجة حرارة أجسامهم وصداع في الرأس "الشقيقة"، والغثيان والإسهال. هكذا يحذر البروفيسور "المرض يصبح قاتلا بعد اكتشافه متأخرا، وأكثر خطورة على الوافدين من بلدان شمال إفريقيا، حيث المالاريا غير منتشرة فيها، وحين يأتون يصيرون مهددين أكثر من غيرهم، لأن أجسادهم ليست معتادة على مثل هذه الأمراض الخطيرة، وعليه فتناول الدواء قبل المجيء ب15 يوما يكون أفيد، حتى لا يستفحل علاجه، ويصيب أعضاء أخرى من جسم الإنسان مثل الكبد والكلي». وقدم البروفيسور خدمات للمشجعين المغاربة مجانا في مركز صحي مختص، سواء بعلاج المصابين وتتبع حالتهم الصحية، أو إخضاع المحتمل إصابتهم بالعدوى لاختبارات مسحة الدم، باعتبارها أكثر دقة، للتأكد من وجود طفيليات الملاريا في جسم المريض أثناء التشخيص، قبل أن يختتم حديثه لـ"الصباح" أن السلطات الإيفوارية وضعت المركز الاستشفائي بسان بيدرو رهن إشارة المشجعين المغاربة، لإجراء الاختبارات على الحالات المصابة، أو المشكوك فيها، مجانا، وتقديم بعض النصائح للمعنيين، للوقاية من هذا المرض الفتاك، قبل أن يقدم أسماء الأطباء المكلفين بعملية التتبع والمراقبة والسهر على علاج المصابين. إنجاز: عيسى الكامحي (موفد "الصباح" إلى كوت ديفوار)

الملاريا… مشاغب “الكان”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيـران: أنـا أو لا أحـد

برشيد يجتاز مباراة الجمع العام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات