شوارعها مختنقة بالباعة والسكان غاضبون على تردي البنيات ومظاهر الفوضى والتلوث لو عايش المولى إدريس الثاني زماننا، ربما لن يتلفظ بقولته الشهيرة „سأسافر من مدينة صفرو إلى قرية فاس“ المفتخر بها الصفريويون، بعدما أضحت المدينة قرية والقرية دوارا، لترييفهما وزحف العشوائية ومظاهر الفوضى على النسيج العتيق والعصري فيهما نتيجة توالي سنوات تهميش طال وربما سيزيد في انتظار قلوب رحيمة ترأف لحالهما المؤلم. زائر عاصمة فاكهة حب الملوك قد لا يرتاح في تجواله في شوارع وأحياء بعضها غارق في تسيبه بما فيها المدينة القديمة المتخلصة من دعارة رثة قتلت الأمل في حي ومدينة، والمبتلية بعشوائية تترعرع تدريجيا بانتشار يتوسع لباعة جائلين لم ينفع سوق بنو هلال في تثبيتهم واحتضانهم، لتبقى الظاهرة حبلا شنق أعناق مدينة حالمة تشوهت صورتها. حميد الأبيض (فاس) تغيرت المجالس وألوان وانتماءات من قادها عقودا، وظلت صفرو أو "أورشليم الصغيرة" كما سماها اليهود لما عاشوا فيها وتعايشوا مع مسلميها ومسيحييها، كما كانت رغم كل الجهود المبذولة ولا يمكن تبخيسها، لكنها لم ترق إلى مستوى تطلعات سكان حالمين بالأفضل وبمدينة جميلة ونظيفة وخالية من كل مظاهر الفوضى والتسيب المثيرة للاشمئزاز. بدا رصيف باب المربع ودرب الميتر في ذاك المساء البارد محررا من محتليه من باعة جائلين للخضر والفواكه أخلوا منه في حملات باشرها قائد بالنيابة ابن صفرو، في فترة وجود زميله في مهمة بالحوز. سير راجلين وعربات بدا سلسا عكس المألوف فيهما. الارتياح واضح على وجوه أصحاب محلات تجارية تنفسوا الصعداء بتحرير نقطتين سوداوين. رصيف محرر قرب باب الجمعية الخيرية الإسلامية بدرب الميتر وقف صاحبا عربتين لبيع التفاح والبرتقال، في انتظار زبناء لم يتيسر لهما مساومتهم بعدما باغتهما القائد بالنيابة ومن معه. حاول أحدهما إجراء اتصال هاتفي لم يمنع حجز بضاعته وزميله وشحنهما على متن سيارة الجماعة في مهمة تولاها مستخدم شاهد في ملف سرقة كراسي وثلاجة البلدية. غير بعيد بأمتار فر بائع آخر للفواكه بين الدروب بعد تلقيه مكالمة هاتفية وحده العارف بهوية المتصل، في درب شكل تاريخيا بؤرة لانتشار الظاهرة، كما تواصل في جولة اللجنة حجز خضر معروضة في غير المساحة المحددة لباعة متراصة خيامهم عند مدخل المدينة القديمة، حيث بدت الحركة سلسة وغير مختنقة انطلاقا من القنطرة. السير في الطريق من القنطرة توغلا في اتجاه ستي مسعودة، ممكن ولو اصطف الباعة في جانبيها. لكن عنوان الفوضى يبرز من جديد ببابي دار الشباب ووكالة بنكية حولهما باعة سوقا مفتوحة توسعت في حديقة صغيرة وامتدادا إلى شوارع وأزقة أخرى في اتجاه سوق بني هلال العاجز الجميع عن ترحيل الباعة إليه رغم ما كلفه بناؤه من ميزانية. "سبع أيام د الباكور" لم تدم إلا أسابيع ليعود الرصيف لسابق عهده على الفوضى وتسيب جر عون سلطة للمساءلة والتوقيف شهرين ونقله لستي مسعودة، في انتظار من سيتحمل مسؤولية مقاطعة قائدها العائد أو ذاك بالنيابة، وما سيعاينه سكان أحياء المدينة القديمة من حرص على محاربة احتلال الملك العمومي من الباعة وغيرهم، من عدمه. عنوان الفوضى بدت فضاءات درب الميتر وباب المربع وشارع مقابل للسجن المحلي، محررة والحركة والسير سلسين فيها، عكس مواقع أخرى بمقاطعات حبونة وستي مسعودة وبنصفار، اختنقت فيها ممرات وحدائق طالتها الفوضى والتسيب لأسباب وحدهم المكلفون بتحريرها، يعلمون أسباب ذلك، خاصة في السلاوي و"الشعبة" وقرب المستشفى ومؤسسة تعليمية. تحول مركز للتشخيص تابع لمستشفى محمد الخامس قريب افتتاحه بعد انتهاء أشغال بنائه، لفضاء آمن لعرض سلع مختلفة بعضها نشر على سوره وبابه أو قبالته على سور وبباب ثانوية عبد الكريم الخطابي، وحده طاقمها التربوي والإداري وتلاميذها يتجرعون مرارة فوضى وضجيج يؤثر على سير الدراسة دون أن يحرك أحد ساكن المسؤولية. فوضى مماثلة تعرفها حبونة وقرب السجن تحولت فضاءات تؤثثها الأشغال وعربات باعة يعرقلون السير والجولان، في مشاهد تصور المدينة كما لو أن "ليس فيها غير عربات الخضر والفواكه والملابس المستعملة" وكأن "بحال يلا الناس غير كتاكل فالخضرة والديسير، صفرو كلها مجلطة بالكرارس" يقول مواطن تعليقا على عرقلة سيره قرب مسجد. ويزيد بنبرة غاضبة "حتى شارع ما خاوي من الخضارة، ولا شارع زوين يغريك بالمسارية بلا مضايقات"، مؤكدا أن "حتى حديقة البلدية كتلقى فيها فالصيف كرارس الذرة"، مستغربا تحويل حديقة في شارع السلاوي مكانا يحتضن عربات الحلزون "ببوش" بعدما تعرض الفضاء الأخضر للإتلاف، متسائلا "علاش ولا واحد ما كيتحرك ويحرك الماء الراكد؟". ليست السلطة وحدها مسؤولة عن تحرير الملك العام من الباعة الجائلين وكل من يحتله، فالمجلس مسؤول بدوره ومفروض أن يخطط لإحداث أسواق نموذجية وبمواقع إستراتيجية تمتص مئات منهم وتعيد تثبيتهم بشكل منظم بعد تحرير شوارع المدينة منهم، وضمان انسيابية السير والجولان دون عرقلة ولا مناوشات أو اصطدامات محتملة. حملات ظرفية استمرار الفوضى لا ينفي وجود حملات لتحرير الملك العام ولو أنها ظرفية وغير شاملة لكل المواقع، بما في ذلك تدبير مشكل الباعة قرب مسجد السلاوي وإعادة تنظيمهم وتنظيم لقاءات تواصلية وزيارات مشتركة بين السلطة والمجلس في عهد رئيس مستقيل، لإعادة إيواء الباعة بستي مسعودة بسوق بني هلال الذي بقي أطلالا خاويا على عروشه. هذا السوق يجاور براريك عشوائية للملابس المستعملة توجد على مقربة من قنطرة فاصلة على وادي أكاي. صرفت لبنائه ملايين الدراهم ونظف وجهز لاحتضان باعة الخضر والأسماك بستي مسعودة، لكنه بقي فضاء خاويا وموحشا، ما يطرح علامات استفهام تسائل السلطة والمجلس حول سر تأخر ترحيل المستفيدين المفترضين، إليه وتثبيتهم. السلطات سبق أن أخبرتهم بذلك وبضرورة الالتزام بالقوانين، لكن الأمر بقي عالقا ليستمر واقع الاكتظاظ والازدحام والعشوائية بسوق ستي مسعودة ودروبها وأزقتها وشوارعها، ما أثار حنق فعاليات المدينة طالما نبهت ل"تناقض تعرفه المدينة بسبب احتلال الملك العام من قبل المقاهي والمتاجر مقابل محاربة احتلال الباعة المتجولين للملك العام. هذا التناقض يؤرق الائتلاف المحلي لجمعيات المدينة، تحدث عن غياب أي حل جذري لمشكل السوق الأسبوعي الذي يلعب دورا محوريا في الرواج الاقتصادي بالمدينة، مطالبا السلطات المحلية والجماعة "بالقيام بتدبير ملف احتلال الملك العام بعقلانية وألا يقتصر على الباعة المتجولين" يقول في بيان له سرد فيه المشاكل التي تتخبط فيها صفرو. الائتلاف دعا السلطة والمجلس، لفتح حوار جاد مع المجتمع المدني لحل كل إشكالات الشأن المحلي بما في ذلك اهتراء الطرق وتردي المرافق الترفيهية والرياضية والثقافية، وكل المشاكل البيئية المرتبطة بانتشار المقالع و"كوشات" الجير في محيط المدينة وتلوث وادي أكاي الذي يقسم صفرو لجزءين متماثلين تصلهما جسور أشبه بجسور نهر تايمز بلندن. تلوث رئة المدينة لم يعد نهر أكاي كما كان رئة يتنفس منها سكان صفرو، بأشجاره الوارفة وجداول المياه النقية والباردة والمنعشة، المارة وسطه بين الأحياء، بل تحول مفرغا للأزبال والقاذورات المؤثثة لجزء كبير من مساحته سيما بين حديقة على مشارف قصر البلدية في اتجاه ستي مسعودة، في صورة تشوه سمعته ومدينة سماها الفرنسيون بـ "حديقة المغرب". "أمام الوضع المتردي والمؤسف لحالة وادي أكاي من عاليته لسافلته، وهو المهيكل الأساسي لحديقة المغرب، يبدو أنه ومن الملحاحية بحدة اعتباره شأنا عاما لا يمكن التدخل فيه إلا بمقاربة تشاركية، واعتماده مشروعا أساسيا لكل تنمية مندمجة محتملة تلبي حاجيات المواطنين وتسهم في تحقيق وجودهم" يقول الحقوقي محمد كمال المريني. ويؤكد أن دور الوادي تشوه في حياة المدينة بشكل نتجت عنه اختلالات في تعاطي السكان معه، إذ "لم يعد في وعي الناس إلا مشكلة بيئية ومسببا للمشاكل... لا خير يرجى منه ولا جمال إلا في "جردة لابيسين" و"عوينة الدندان" وموقع الشلالات رغم أن العالية أجمل وأبهى"، مؤكدا انفصال وظيفة الواد عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية. ويشير إلى التلوث النسبي في عالية هذا الواد وتحوله في جزئه المخترق للمدينة القديمة، لـ "مطرح نفايات" فـ "بدءا من قنطرة رحبة العواد، هناك قناة رئيسية للصرف الصحي، ومجالا يتخلص فيه "الفراشة" من نفايات عرباتهم وما تخلف من تجارتهم المختلفة، أما في أسفل المدينة فحدث ولا حرج"، ما يحتاج تكثيف جهود إنقاذه وتنظيفه. وراسل الائتلاف المدني، رئيس الجماعة قبل سنة ونصف، طلبا لإنقاذ الواد في "غياب أي أفق إستراتيجي لديها لتدبير ملف مياهه" لـ "تعرضه لضغط كبير، سيما خلال فصل الصيف بسبب التوافد الكبير للزوار من المدن القريبة بسبب جفاف المنابع والبحيرات بالأطلس المتوسط"، مطالبا بتشكيل لجنة لإنقاذه وتأهيله لجعله معلمة بيئية سياحية. هشاشة البنيات وقفت "الصباح" في جولتها بالمدينة، على صور مقززة للبنية التحتية قرب السجن وبمواقع مختلفة، انطلاقا من مقر المحكمة في اتجاه طريق فاس وما بينهما من شوارع تآكل إسفلتها بأحياء سيدي أحمد التدلاوي والبساتين، وفي اتجاه الخاينة، حيث تحول موقع معملا لصنع "الطوبية" وحدهم بعض الأعضاء عارفون بصاحبه وظروف إنباته. اهتراء عدد من الطرقات والمرافق الأساسية ومحو صباغة جل علامات التشوير الخاصة بالراجلين، أغضبا الائتلاف المدني كما تردي مرافق رياضية وثقافية وترفيهية سيما المخيم البلدي وحديقة القناطر الخيرية وحدائق أخرى، متحدثا عن تأخر في إخراج مركب ثقافي وغياب مركز استقبال وقلة ملاعب القرب في مدينة فاكهة الكرز. وتحدث الائتلاف عن غياب الأولوية في برامج الجماعة، إذ "بدل اقتناء آليات في أشد الحاجة إليها من قبيل الكاسحة وشاحنة صهريجية لسقي الحدائق، وبدل التعجيل بصباغة علامات التشوير خاصة ممرات الراجلين، قام المجلس باقتناء سيارة جديدة وتنظيم مهرجان أهازيج"، مؤكدا إقصاء جمعيات من منحة الجماعة بداعي ضعف الميزانية. هذا القلق وتراجع جودة الحياة العامة بالمدينة، يشغلان أيضا بال الجمعوي حميد بوشطاطب المشير إلى أنه "لا يمكن تقييم الحصيلة إلا بعد 3 سنوات من إعداد برنامج العمل"، ما لم يمر من عمر المجلس الذي تغيرت رئاسته بعد سنة من انتخابها، متحدثا عن محاولة ركوب على مشاريع برمجت في عهد سابق ضمن برنامج التأهيل الحضري. كل ذلك وتردي الخدمات ينضاف للمشاكل البيئية المؤرقة لسكان "حديقة المغرب"، في ظل واقع "الجمود وغياب الأفق في ما يتعلق بنقل المطرح العمومي، من حي بودرهم إلى المطرح المراقب الجديد، ومشاكل مقالع الرمال وشاحناتها وانتشار "كوشات" الجير التي تحاصر صفرو وتسبب تلوثا خطيرا بسبب أدخنتها، خاصة في طريق بولمان. الشيكات والسرقات تفجرت فضيحتان في عهد المجلس الحالي بتشكيلتيه للرئيس المستقيل وخلفه الحالي ومن معهما، نشر غسيلهما علنا في مقر المحكمة الابتدائية بالمدينة في انتظار طبيعة الحكم الذي قد يصدر في حق الموظفة المتهمة المعتقلة بسرقة الثلاجة والكراسي وشريكها المتقاعد المسرح، وانتهاء التحقيق التفصيلي مع مستشارين في قضية الشيكات البنكية. رئيس الجماعة اشتكى الموظفة إلى القضاء بعدما طلبت ترقيتها. والأمن حجز ما شك في أنه مسروق من قاعة الاجتماعات، وشاهد تراجع عن تصريحاته التمهيدية بتنفيذه أمر الموظفة بنقل الكراسي، موردا رواية جديدة لم ينكر فيها نقله الكراسي، مدعيا تركها بباب مقهى في ملكية الجماعة، في انتظار شهادة شاهدين تخلفا وأعيد استدعاؤهما. وفي انتظار اتضاح الرؤية وظهور الحقيقة، قال دفاع الموظفة في التماسه تسريحها بأي ضمانة، إن الرئيس "تماطل في ترقيتها"، وقدم "شكاية مفبركة". وركز على شهادة المستخدم الشاهد الحاضر ونفيه وجودها لحظة نقل الكراسي، وإنكاره التصريح بعكس ذلك أمام الشرطة القضائية، وأشار إلى أن للشاهدين اللذين استدعيا، عداوة مع موكلته. محاكمة هذه الموظفة أمام غرفة الجنح التلبسية بابتدائية صفرو، بجنحة السرقة، سبقت مثول مقاول ومستشارين منهم امرأة وأعضاء من المعارضة، الأربعاء الماضي، أمام قاضي التحقيق بالمحكمة نفسها، على خلفية قضية الشيكات التي تفجرت قبل أشهر، وما زالت تعد بتطورات جديدة ومثيرة بتعميق البحث معهم ومع كل من استدعاه القاضي. الأمر قد تكون له علاقة بشيكات ضمانة للحفاظ على "تحالف" المعارضة في عهد الرئيس المستقيل، وتفجرت بعدما فوجئ مستشار بتقديم شيك بنكي قيمته 40 مليونا، باسم زوجته، من قبل مقاول يتحدر من منطقة ميسور في بولمان، رغم أنه ظل يؤكد ألا علاقة تجارية ربطتهما بمقدم هذا الشيك الذي سارع الزمن لتوفير قيمته. البحث في ظروف تحوز المقاول بالشيك، كشف حقائق صادمة عن الجهة التي تحوزت به وظروف ذلك، إذ ربطته المصادر بضمانات مالية بين الأعضاء للحفاظ على اصطفافهم في المعارضة أثناء تشكيل المكتب المسير للجماعة بعد استقالة رئيسها السابق البرلماني التجمعي الذي لم يقض على رأسها إلا أسابيع معدودات ليخلفه الرئيس الحالي.