سبات ثقافي يخيم على الجديدة

غياب مهرجانات كبيرة وإقبار أخرى والحاجة ملحة إلى مسؤولين بحمولة ثقافية وفنية كبيرة أجمعت فعاليات بالجديدة على أن المدينة باتت في أمس الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى مسؤولين بحمولة ثقافية وفنية كبيرة، من أجل إنقاذ المدينة، من السبات العميق الذي اجتاحها على المستوى الثقافي والفني، وأضر بمصلحتها على المستوى الاقتصادي. ولعل الاستغراب الكبير الذي يضع مدبري الشأن المحلي في الواجهة، هو الدور المنوط بهم في هذا المجال، وما خلفه هذا الركود من استياء وسط سكان المدينة، خصوصا زوارها خلال فترة الاصطياف الأخيرة، التي جعلت المدينة وكأنها بدون هوية ثقافية وبدون مبدعين. إنجاز: أحمد سكاب (الجديدة) تبقى بعض المبادرات من فعاليات مدنية محتشمة، نوعا ما، رغم أنها سلطت، في بعض منها، الضوء على هذا الركود، وحاولت تجاوز الميوعة، التي اجتاحت الفضاءات المخصصة للحس الثقافي الرفيع. كما تم استحضار مفهوم ثقافة القرب، التي غابت منذ سنوات، رغم أن المدينة كانت سباقة في هذا الباب، بفضل الحس الثقافي لمسؤولين كانت لهم الغيرة عليها، وترسيخ المفهوم الحقيقي للثقافة على أرض الواقع، من خلال عدد من البرامج الثقافية على طول السنة، خصوصا خلال فترة الاصطياف، التي تعرف توافد عدد كبير من السياح لقضاء العطلة الصيفية. مديرية الثقافة... أي دخول ثقافي؟ سبق لمديرية الثقافة بالجديدة أن أعلنت عن افتتاح موسمها الثقافي باستضافة الشاعر والروائي محمد الأشعري، شهر أكتوبر الماضي. وكانت المناسبة فرصة للإجابة على عدد من الأسئلة التي تهم الشأن الثقافي والأدبي بالمغرب. إلا أن افتتاح باب الموسم الثقافي بالجديدة لدى مديرية الثقافة ظل دون أي مواعيد جادة، وذات إشعاع حقيقي يعود بالنفع على الإنسان المثقف أو على المدينة لاستقطاب زوار جدد. وخلص حينها محمد الأشعري إلى أن الاهتمام بافتتاح الموسم الثقافي يجب أن يكون واسعا، ويهم كل شرائح المجتمع، وأن يصبح تقليدا حقيقيا، وليس فقط نوعا من المظاهر الخارجية. فضاءات مغلقة يقف مدبرو الشأن الثقافي والمحلي بالجديدة عاجزين عن الإجابة على أسئلة المثقفين والمبدعين، خصوصا الفنانين التشكيليين منهم، حول مآل فضاءات العروض المغلقة بالمدينة، ومنها على وجه الخصوص قاعتا العروض الشعيبية طلال وعبد الكبير الخطيبي بالحي البرتغالي، إذ أغلقت أبوابهما في وجه الفنانين منذ جائحة كورونا، وتم الإعلان بعدها عن إعادة تأهيلهما وإصلاحهما بتكفل من وزارة الثقافة، غير أن لا شيء من ذلك حصل، وبقيت الأبواب موصدة في وجه أصحاب الريشة والفن الجميل. إلى جانب قاعتي العروض طلال والخطيبي، يجد زوار المدينة أنفسهم مضطرين، في كثير من الأحايين، إلى مغادرة المدينة، بعد اكتشاف أن باب المسقاة البرتغالية مازال موصدا، وهو ما يضيع على المدينة عددا كبيرا من الزوار، خصوصا منهم السياح الأجانب الذي يقصدون المدينة من أجل اكتشاف معالمها الأثرية، ومنها صهريج القلعة البرتغالية. مجهودات في غياب الدعم تعاني العديد من الجمعيات المحلية غياب الدعم لتنظيم تظاهرات فنية جادة، ما يجعلها عاجزة، أحيانا، عن تقديم منتوج بمستوى جيد، أمام عدد من العراقيل التي تضعها في موقف حرج. كما أن عددا من الفنانين والمثقفين والمبدعين المحليين، يجدون أنفسهم مضطرين لطبع إنتاجاتهم بإمكانياتهم الذاتية، دون أن تقدم لهم الجهات المسؤولة على الشأن الثقافي مساعدات في هذا الباب، وهو ما يجعل أغلبهم ينسحبون في صمت دون تقديم إبداعات جديدة. إحداث معاهد موسيقية ومتاحف دعت فعاليات بالمدينة إلى تنفيذ بعض المقترحات التي بإمكانها إعادة الروح للمكون الثقافي للجديدة، التي أنجبت العديد من الأسماء في مختلف المجالات الفنية والثقافية، واستعادة مكانتها بتظافر كل الجهود. ومن أهم المقترحات التي جادت بها قريحة عدد من الأسماء التي تؤرخ للتاريخ الثقافي للمدينة، إحداث معاهد موسيقية ومتاحف تجمع أصنافا إبداعية مختلفة، وإحداث فرق إقليمية للموسيقى والمسرح، وأرشفة التاريخ الثقافي للمدينة، واستثمار الموروث الثقافي الذي تزخر به. إقبار مهرجانات كبيرة ظلت الجديدة، منذ إقبار مهرجان «جوهرة»، وكأنها مدينة ميتة، وتذمر زوارها، خلال موسم الصيف الماضي، بسبب تدهورها فنيا، دون أن تقدم لهم ما كان مرجوا على مستوى التنشيط الفني الصيفي، إذ بات ليلها هادئا. وتساءلت العديد من الفعاليات عن غياب وإقبار مهرجان «جوهرة»، الذي كان له وقع خاص على تحريك عجلة الاقتصاد المحلي للمدينة، والترويج السياحي، بعدما كان يستضيف عددا من الأسماء الفنية ذات الصيت العالمي. وطالبت الفعاليات ذاتها بتحرك المسؤولين، وإنقاذ المدينة من الشلل السياحي، والدعوة إلى تنميتها على جميع المستويات لإعادة الاعتبار إليها، بعدما أصبحت مدينة أشبه بسوق عشوائية. البيدوري: تحديات وعراقيل دعا عبد اللطيف البيدوري، رئيس الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية بالجديدة، إلى ضرورة إعادة النظر في المسألة الثقافية بالإقليم، والجماعة الترابية للجديدة على الخصوص، من زاوية الإستراتيجيات والبرامج المستقبلية، والانفتاح الثقافي بفضل التطور الحاصل في وسائل الاتصال والتواصل لتحقيق التبادل الثقافي على المستوى الجهوي والوطني والدولي. وأضاف البيدوري، أنه تم تشخيص التحديات والعراقيل التي تواجه العمل الثقافي بالجديدة في العديد من المرات، ومن أبرز هذه التحديات تلك التشوهات التي أصابت الثقافة خلال مراحل معينة. وزاد "للتاريخ، فالجديدة عرفت حركة ثقافية بصمتها لقاءات ثقافية كبيرة، وتم تأسيس مهرجانات أبرزها المهرجان الدولي "ملحونيات"، ومهرجان "جوهرة"، ومهرجان "الصقر"، وتم تطوير موسم "مولاي عبد الله"، وغيرها من المحطات الثقافية، لكن هذه السياسة ارتبطت بمسؤولين كانت لهم نظرة مغايرة للسياسة الثقافية السائدة، وانخراط مؤسسات مواطنة وقليل من الجمعيات الجادة، ومثقفين انخرطوا بشكل محدود، كان همهم الأساسي هو تنوير الفكر وتنمية الحس النقدي". وأضاف البيدوري أنه كان من نتائج هذه الحركية بناء المركب الثقافي عبد الحق القادري بالجديدة، ودار الملحون بأزمور، من قبل أشخاص ذاتيين أضافوا تجربة للمشهد الثقافي الذي هو في حاجة لهذه المبادرات النبيلة، دون نسيان أن العديد من المثقفين هم أبناء الجديدة وأزمور. وقال رئيس الجمعية الإقليمية للشؤون الثقافية إن ما يعاش اليوم في الجديدة، بآفاقها المنعدمة، وبجامعاتها، هو البؤس الثقافي نتيجة التقلبات السياسية والاقتصادية وابتعاد المثقف عن الدور المنوط به، وانسحابه من الحياة العامة، مما ترك الباب مفتوحا لتبخيس الشأن الثقافي بالمدينة. ومما زاد في هزالة المشهد الثقافي هو المكون السياسي للجماعة الترابية بالجديدة التي لا تعرف لكلمة الثقافة موضعا في برامج الجماعة، وبالأحرى أن تعرف معنى التشكيل والتأليف والنحت والموسيقى والمسرح والسينما وغيرها من الأشكال الثقافية. وأوضح البيدوري أن الجماعة الترابية للجديدة غيبت في دوراتها واجتماعاتها السؤال الثقافي، وهو ما جعل الفعل الثقافي غائبا ومغيبا، وطبيعي حين تغيب الإستراتيجية المرتبطة بالعمل اليومي وبالأوراش التنموية الكبرى يغيب معها الفعل الثقافي، مشيرا أن الجديدة في حاجة اليوم إلى ثقافة تعتني بالتراث وربطه بالحاضر والتفكير في المستقبل الذي يراعي الأولويات والتشبث بالهوية وتأسيس وعي نقدي بناء على المواطنة وحقوق الإنسان. مع العلم أن هناك استثناءات لبعض الفاعلين والجمعيات المنخرطين في قيم الحداثة والقطع مع الميوعة التي أصبحت ظاهرة عامة مست حتى الجانب الثقافي، وهناك أنشطة ثقافية وفنية وتشكيلية تمت بمجهودات الأشخاص وبعض جمعيات المجتمع المدني من أجل الحفاظ على الجانب المشع لتاريخ "البريجة".

سبات ثقافي يخيم على الجديدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أهمية التنافس لتجاوز الصعاب

مملحات بالتونة والفلافل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات