انتحار السجناء…”النفسية في الميزان”

الظاهرة اتخذت أشكالا جديدة تكتسي طابعا دراميا ومطالب بوضع حد للمعضلة قبل فوات الأوان أعادت أحداث انتحار السجناء التي شهدتها عدد من المؤسسات السجنية خلال هذا الأسبوع، بعد تسجيل حالتين في ظرف يومين، (أعادت) ظاهرة انتحار المعتقلين احتياطيا والمدانين إلى الواجهة، وأثارت النقاش حول أسباب تكرار هذه الممارسات التي تجاوزت حالة معزولة لتصبح شبه ظاهرة، تستدعي التحليل والتفاعل معها بحثا عن الأسباب والحلول لمحاصرتها، قبل أن تتطور إلى أفعال خطيرة، تثير الرعب والخوف في نفوس باقي النزلاء وعائلاتهم وتقوض جهود إدماج السجين وتهذيبه. إنجاز: محمد بها اهتزت العديد من المدن على واقعة انتحار سجناء، بعدما عثر على عدد منهم بشكل متفرق وفي أيام مختلفة جثثا هامدة داخل السجن، الأمر الذي استنفر المصالح الأمنية والقضائية وإدارة السجون لكشف ملابسات القضية، وفي الوقت نفسه شكل مادة دسمة لوسائل الإعلام وأثار انتباه الباحثين في علم الاجتماع وعلماء النفس وتفاعل معه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بعدما تحولت الوقائع إلى قضية رأي عام. وفي ظل توالي حالات الانتحار داخل السجون، تحولت الأنظار نحو المؤسسات السجنية، لاستقراء الوقائع التي تختلف في الطرق وتتوحد في نهاية مأساوية، في محاولة للبحث عن أجوبة شافية عن سلوكات تتداخل فيها عوامل نفسية حادة وخلفيات مجهولة، وهو ما تفاعلت معه "الصباح" التي قررت المساهمة في النقاش لإثرائه سعيا لمحاصرة المعضلة وبحثا عن حلول جماعية. قاتل أسرته ينتحر بمرحاض السجن من بين الوقائع التي جعلت موضوع انتحار السجناء يدخل ضمن حدث الأسبوع، قرار نزيل بالسجن المحلي سيدي موسى بالجديدة، في الساعات الأولى من صباح الاثنين الماضي وضع حد لحياته شنقا، بعدما تورط في ارتكاب مجزرة في حق أسرته. وعثر على جثة الهالك الذي يوجد ضمن المعتقلين الاحتياطيين معلقة بمرحاض غرفة السجن، وهي الواقعة التي استنفرت مسؤولي سجن سيدي موسى الذين أشعروا ممثل النيابة العامة وأسرة الهالك بالحادث المؤلم، في حين تقرر نقل جثة الهالك إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بالجديدة من أجل إخضاعها للتشريح الطبي. وتوبع السجين الذي كان يعاني قيد حياته خللا عقليا قبل إزهاق أرواح عدد من أفراد أسرته، في حالة اعتقال احتياطي، إذ كان يعرض أمام القضاء في إطار محاكمته على خلفية تورطه في قضية إجرامية تتعلق بالقتل العمد، بعد أن ارتكب في غشت الماضي بدوار "أولاد العمري" التابع لجماعة سيدي علي بن حمدوش بأزمور، مجزرة بتصفيته ثلاثة من أفراد عائلته، ويتعلق الأمر بزوجته وفلذة كبده الرضيعة وعمه، بينما أصاب شقيقه بجروح خطيرة نقل إثرها إلى قسم العناية المركزة للإشراف على حالته الحرجة آنذاك، قبل أن يتماثل للشفاء لينجو من الموت، وهي الواقعة المأساوية التي هزت الرأي العام آنذاك وطرحت تساؤلات عريضة حول ترك المختلين عقليا دون علاج. متهم بالإرهاب ينهي حياته ارتباطا بحالات انتحار نزلاء السجن، كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أن سجينا مدانا في قضية تتعلق بالتطرف والإرهاب أجهز على نفسه بالانتحار في السجن المحلي العرائش 2. وأعلنت إدارة السجن المحلي العرائش 2 أن السجين "م.ص"، المعتقل بتلك المؤسسة، والمحكوم عليه نهائيا بتهمة تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية، انتحر الخميس الماضي شنقا، وذلك عبر لف سرواله الداخلي بعنقه وربطه إلى نافذة مرحاض الغرفة. وأضافت إدارة السجن المحلي العرائش 2، في بلاغ لها، أنه فور اكتشاف الحادث تم إبلاغ النيابة العامة وعائلة السجين الهالك بالوفاة، وفقا لما ينص عليه القانون المنظم للمؤسسات السجنية. مسؤولية مجتمع بكامله قال علي الشعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، إن الظاهرة تفرض نفسها، لأن الأمر مرتبط بالسجين الذي يبقى معتقلا وراء القضبان، ثم إن المعني بالأمر محكوم بمدة طويلة قد تكون 30 سنة أو مؤبدا أو إعداما. وشدد الشعباني في حديث مع "الصباح"، على أن الشخص المنتحر قد يكون في سن متقدمة من عمره، إذ عندما يرى استحالة استفادته من حكم آخر قد يعيد إليه حريته والعيش بشكل عاد وسط المجتمع، تسود الحياة أمام عينيه، وهو ما يدفعه للانتحار، إثر فقدانه الأمل في العيش بشكل عاد. وأضاف الباحث في علم الاجتماع، أن السجين الذي انتحر في السجن إما قد عاش مضايقات أو إهانات من قبل زملائه النزلاء أو من قبل بعض السجانين، إضافة إلى طول المدة المحكوم بها عليه وكذا إصابته بأمراض، إذ بمجرد تراكم هذه العوامل لا يبقى أمام الشخص إلا التفكير في الانتحار أو القيام به. وحول ما إن كان توالي انتحار السجناء خاصة أولئك المرتكبين لجرائم فظيعة في حق عائلاتهم أو قضايا إرهابية أو قتل وحشي لضحاياهم من مختلف فئات المجتمع، تعبيرا عن إحساس المنتحر بالذنب ورغبته في إنهاء تعذيب الضمير، كشف الباحث في علم الاجتماع أن إنهاء السجين لحياته قد يكون إحساسا بالذنب أو عوامل أخرى تعود إلى نفسية المُنتحر. وأوضح المتحدث نفسه، أن المشكل الخطير الذي حير جميع الباحثين والمتتبعين لظواهر الانتحار أنهم لا يضعون أيديهم على العوامل الحقيقية وراء إنهاء الشخص لحياته، لأن الهالك يذهب بأسراره والخلفيات الحقيقية وراء قرار وضع حد لحياته، مضيفا "كل المنتحرين ينقلون أسرارهم معهم، وتبقى تحليلات الباحثين مجرد قراءات وإرهاصات لربط الأحداث مع بعضها لاستخلاص النتائج، التي من ضمنها تأنيب الضمير والعقاب النفسي وأشياء من هذا القبيل التي تكون حاضرة في مثل هذه الحالات، ولكن لا يمكن أن نؤكد أنها السبب الحقيقي في الانتحار لأن الهالك لم يفصح عن الأمر قبل وفاته، ولكن نحن نقرأ بعض الأحداث التي تعرض لها عندما دخل السجن لربطها بالواقعة". وشدد الشعباني على أن كل الباحثين في حقول علم الاجتماع وعلم النفس والطب أو القضاء من الصعب عليهم جدا أن يضعوا أيديهم على العوامل الحقيقية التي تدفع المنتحر لإنهاء حياته، إذ يكتفون بربط الأحداث مع بعضها ويحاولون استخلاص بعض النتائج والأحكام على مثل هذه الحالات. وفي ما يتعلق بسؤال عما إذا كان توالي حالات الانتحار وسط السجناء يعتبر ناقوس خطر بالنسبة لإدارات المؤسسات السجنية للتعامل مع هذا المعطى بحثا عن حلول ناجعة من أجل محاصرة عوامل الإجهاز على النفس، كشف الباحث في علم الاجتماع أن قتل السجين لنفسه لا يهم المؤسسة السجنية أو وزارة العدل فحسب، بل هو إنذار للمجتمع برمته، لأن ارتفاع نسبة الانتحار كارثة بالنسبة لأي مجتمع كان، لأنها تضعه في قفص الاتهام بسبب فشله في احتواء بعض الظواهر ومعالجتها نتيجة أخطاء متعددة، تسائل الأسرة والمدرسة والمؤسسات العامة والجهات المسؤولة. الظاهرة تحت مجهر "فيسبوكيين" تفاعلا مع قضية توالي انتحار السجناء، بعد تفجرها إثر توالي حالات الإجهاز على النفس في صفوف عدد من نزلاء المؤسسات السجنية، آخرها واقعة سجن سيدي موسى بالجديدة التي انتحر فيها متهم يتابع في حالة اعتقال بعد ارتكابه مجزرة في حق زوجته وابنته، تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام انتقلت صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وتوحد نشطاء العالم الأزرق في بسط حوادث الانتحار وراء القضبان المرتكبة من قبل النزلاء وتسليط الضوء على خطورة التسرع في معالجة سلوكات وأخطاء الماضي، التي يمكن أن تتحول إلى مأساة في حال عدم استحضار العقل وضبط النفس، متسائلين في الوقت نفسه عن دور المواكبة النفسية لحماية السجناء سواء المعتقلين احتياطيا أو المدانين بصفة نهائية من ارتكاب جرائم مرعبة في حق أنفسهم. وفي هذا الصدد اختارت "الصباح" عددا من التدوينات التي حفل بها الفضاء الأزرق. «انتحار السجناء داخل مؤسسات يفترض فيها إدماجهم نفسيا ومجتمعيا، يطرح تساؤلت عريضة تنبغي الإجابة عنها حتى لا تفقد مؤسسة التهذيب والإصلاح هيبتها ورمزيتها، لأن توالي حالات الانتحار يمكن أن يحولها إلى مقبرة للجناة أو فضاء للمنتحرين احتياطيا». «هذه نتيجة تراكم عوامل نفسية، تكشف اللثام عن الجرح الذي يسكن داخل السجين، إذ رغم ظهوره بوجه الجاني، إلا أن بداخله إحساسا رهيبا يؤكد أنه ضحية هو الآخر لسلوكاته غير السوية وكذا لآفات اجتماعية واقتصادية ونفسية مرتبطة بواقع صعب، وهو ما ينبغي على المؤسسات السجنية التفاعل معه بالمواكبة والدعم النفسي للمعتقلين لإنجاح جهود التهذيب والإصلاح». «أعتقد أنه آن الأوان لإعادة النظر في التربية بشكل صحيح، داخل مجتمعنا المغربي، بالقطع مع حصر دور الآباء في الرعاية بتوفير المبيت والمأكل والملبس والدراسة والزجر عند ملاحظة سلوكات غير سوية. الأبوة تتجاوز ذلك، فالتربية يجب أن تشمل تلقين الأبناء المبادئ الحسنة والتقرب منهم بإنشاء علاقة صداقة معهم، من أجل تحصينهم من تداعيات المراهقة ومختلف الشوائب التي تظهر في الحياة اليومية، دون نسيان دور المدرسة والإعلام والحكومة في تحصين أبناء الوطن من عقد تتحول إلى قنبلة موقوتة». «واقعة انتحار مرتكب المجزرة في حق أسرته الصغيرة، خلفت عدة ضحايا، فإذا كان الأب والزوج وابن الأخ المنتحر ضحية هو الآخر، فإن عائلته هي الأخرى ستكون سلسلة لسلوكاته غير السوية بعد أن ضاعت في واحد من أفرادها الذي فقد حريته ومستقبله، قبل أن يضيع حياته في رمشة عين».

انتحار السجناء…”النفسية في الميزان”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغاربة والبنوك ... اختطاف سيارات بذريعة الحجز

قرى الصيد بالداخلة... مستوطنات التهريب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات