أحزابنا مجسمات مصغرة لذكورية المجتمع

شرفات أفيلال قالت إن مراجعة المدونة مناسبة للانفتاح والإنصات إلى جميع الآراء وصفت شرفات أفيلال، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ورئيسة ذراعه النسائي منتدى المناصفة والمساواة، الأحزاب بأنها مجسمات صغيرة، لما يقع في المجتمع في ما يتعلق بوضعية النساء، وأن ظواهر الحيف الذكوري التي تقع المغربيات ضحية لها في معاشهن اليومي لها امتداد في الطبقة السياسية، وفي ما يلي نص الحوار الذي تطرق إلى مسألة التمثيلية السياسية للنساء و مراجعة مدونة الأسرة. أجرى الحوار: ياسين قُطيب كيف تقيمين مساهمة الحكومة الحالية في دعم التمثيلية السياسية للنساء ؟ > قبل الحديث عن التمثيلية السياسية للنساء لابد من تقييم الورش الدستوري المتعلق بالمساواة وإرادة السعي قدما نحو تحقيق المناصفة في تدبير الشأن العام، على اعتبار أن ذلك سيكون مؤشرا أوليا يمهد للتطرق لمشاركة النساء في السياسة، وباعتباري فاعلة سياسية وناشطة في مجال حقوق النساء أيضا أظن بأن ورش المناصفة لا يعد من أولويات الجهاز التنفيذي والأجندة الحكومية لأن كل المؤشرات تدل على موضوع حقوق النساء بصفة عامة، وموضوع الرفع من تمثيلياتهن داخل مراكز القرار وداخل المؤسسات والهيآت المؤطرة لصناعة السياسات العمومية مغيب، فباستثناء قطاع وزاري يتيم يشتغل في حدود الإمكانيات المتاحة وفي متاهة الإكراهات المطروحة في محاولة لتنزيل مشاريع للحكومات السابقة، فليس هناك أي مبادرة جديدة على هذا الصعيد من قبل الحكومة الحالية، تتعلق بتكريس مبدأ المساواة والمناصفة في السياسات العمومية والرفع من التمثيلية السياسية للنساء، ماعدا الخطة الحكومية للمساواة التي تعد امتدادا لخطط الحكومات السابقة والتي لم يضف إليها أي جديد باستثناء بعض "الرتوشات" الخفيفة، إضافة إلى الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد النساء. ماعدا ذلك ليس هناك إلا إشارات سطحية لا وقع لها على أرض الواقع تتعلق بالنهوض بالحقوق الإنسانية للنساء. أضف إلى ذلك تدني غير مسبوق في منسوب نشاط النساء كما تؤكد أرقام المندوبية السامية للتخطيط التي وضعتها بين 18 و 19 في المائة، في حين أن البرنامج الحكومي تعهد بالوصول إلى 30 في المائة، ولا أدري كيف يمكن تحقيق ذلك ونحن في منتصف الولاية الحكومية أليس هناك تقدم عما كان عليه الحال في السابق؟ > أعتبر أن أرقام المندوبية السامية للتخطيط مؤشرات دالة وناطقة عن تراجع مستوى تمكين المرأة، أضف إلى ذلك نسبة التعيينات في المناصب السامية بنسبة 19 في المائة، وهي نسبة متدنية في إطار السعي نحو المناصفة و تعكس طبيعة الإرادة السياسية بهذا الخصوص، علما أن عمر الحكومة يشرف على الثلاث سنوات. والأمر يتعلق بتنزيل ورش دستوري يعد من الاختصاصات الحصرية للحكومة، وهو تنزيل مبدأ المساواة في أفق المناصفة، أما في ما يتعلق بالمشاركة السياسية فإن ما تم تحقيقه في الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية الأخيرة إنما كان بفضل مطالب الحركة النسائية والأحزاب السياسية وتنظيماتها الموازية، لكن بعد الانتخابات وتعيين الحكومة الحالية لم يظهر أي مؤشر ناطق وحقيقي عن الاهتمام بمسألة التقدم في مسار المساواة والتطلع إلى المناصفة. الأولويات الموضوعة من قبل الحكومة الحالية خارج ورش المساواة والوضعية الحقوقية للنساء، ولولا المبادرة الملكية الداعية إلى إعادة فتح ورش مراجعة مدونة الأسرة لما كان هناك أدنى انشغال حكومي بهذا الملف، باستثناء مبادرات فردية لوزير العدل وسط تغييب شبه تام للمطالب النسائية في خطاب وممارسة الحكومة الحالية، اللهم ذلك الاستمرار المحتشم لأوراش الحكومات السابقة، إذ لم نسمع أي مبادرة أو حلولا مبتكرة من قبل القطاعات الحكومية ذات الصلة يمكن أن تشكل خطوة إضافية في اتجاه استكمال إقرار منظومة الحقوق وتوسيع دائرة الحضور في الشأن العام والرفع من التمثيلية. ضرورة قانونية لا أقل ولا أكثر ليست الأحزاب السياسية إلا مجسمات صغيرة لما يقع في المجتمع، في ما يتعلق بوضعية النساء، ونجد كل الظواهر السلبية التي تقع المغربيات ضحية لها في معاشهن اليومي لها امتداد في الطبقة السياسية وموجودة في أغلب التشكيلات السياسية وإن بشكل متفاوت، قد تختلف حدتها من حزب لآخر، وقد أكون خاطئة إذا قلت بأن أحزابنا متشبعة بالوعي السياسي إلى الدرجة التي تجعلها تتمثل القضية النسائية وتفتح المجال أمام المرأة بشكل متساو مع الرجل للترقي السياسي، لكن ذلك لا يمنع من الإقرار بأن هناك أحزابا تتعامل مع الموضوع بالجدية المطلوبة في إطار مشاريع مجتمعية تبلور أفكارها السياسية وتترجم إيديولوجياتها، وبالمقابل هناك من يتعاطى مع المسألة باعتبارها ضرورة قانونية لا أقل ولا أكثر، فقط لأنها مرغمة على ذلك حتى تكون مستجيبة لمقتضيات القانون التنظيمي للأحزاب السياسية كما هو الحال لما يقع في التعامل الذكوري في الحياة اليومية مع المقتضيات القانونية الموضوعة حماية لحقوق المرأة. قتل روح ديمقراطية القوانين كيف تعلقين على الأصوات النسائية المنددة بسطوة الذكورية على المجالس المنتخبة؟ > هذا واحد من أكبر الاختلالات التي تعرفها التجربة الديمقراطية المغربية، رغم أن النصوص التشريعية تشجع بشكل تدريجي على الرفع من نسبة النساء داخل المجالس المنتخبة الترابية وداخل المؤسسة التشريعية، هناك خلل كبير يسجل على هذا المستوى و المتعلق بما يمكن أن أسميه وضع اليد على المقتضيات والميكانيزمات المضمنة في مدونة الانتخابات بمستوياتها الثلاثة الجماعية والجهوية والتشريعية، إذ عادة ما يكون هناك استغلال ذكوري لآليات دعم النساء في معترك الانتخابات بشكل يقتل روح الديمقراطية للقوانين من خلال الضغط الذي يمارس داخل الأحزاب السياسية قصد الدفع بالزوجات والبنات والقريبات من أجل الولوج إلى المقاعد المخصصة للنساء، الأمر الذي يجعلهن مجرد أدوات في يد متحكمين فيها عن بعد. لذلك يمكن القول بأن الآليات الانتخابية المشجعة للتمثيلية النسائية يتم تحريفها وأحيانا تشويهها إلى درجة التسفيه، فغالبا ما تتعرض الأحزاب لضغوط كبيرة يمارسها المنتخبون من أجل السطو على المقاعد المخصصة للنساء بذريعة تخصيصها لقريباتهم، حتى يسهل التحكم في أصواتهن إلى درجة تصبح فيها تلك التمثيلية صورية بل وذكورية في أساسها، ويكفي أن نقوم باستجلاء أسماء المناضلات الحزبيات داخل البرلمان لنعرف بأن تلك الآليات لم تنفع في إحداث منصات نسائية حقيقية، تتجاوز عتبة التأثيث والملاءمة القانونية والتنزيل الشكلي لمقتضيات الدستور، لذلك وجب التنبيه إلى أن هناك تحريفا للقوانين في اتجاه منع النساء من تولي المسؤولية، الدليل على ذلك أعدادهن بين رؤساء الجماعات المحلية ومجالس العمالات والاقاليم والجهات، رغم أن المغرب أصبح يتوفر على طاقات نسائية يمكن أن تشارك في تدبير الشأن العام بتفوق ونزاهة واستقامة، لكن غالبا ما تغيب النساء في مرحلة ما بعد إعلان النتائج والبدء في تشكيل المجالس و توزيع الوظائف الانتخابية، بشكل يجعلهن تحت سلطة الرجال الذين مازالوا يحتكرون القدرة على التأثير في الكواليس، وذلك ما يعرقل إنتاج قرارات وتشريعات وسياسيات عمومية ومحلية عادلة تستجيب لشروط احترام النوع الاجتماعي وقادرة على تقديم إجابات شافية ورسم معالم سياسة عادلة ومنصفة تأخذ بعين الاعتبار الوضعيات الهشة للنساء والأطفال والفئات المحرومة على وجه الخصوص. انفتاح ملغوم سأقولها وسأتحمل وزر ما سأقول، هناك بعض النفحات من الفكر الذكوري في التقدم والاشتراكية كذلك، وإن كان بدرجة أقل. وأعتبر أن سبب ذلك يعود إلى سياسة الانفتاح التي نهجها الحزب. فالتحاق وجوه جديدة بالحزب قد تكون غير مقتنعة تماما بفكرة المساواة ولا تنهل من فكر الحزب ومبادئه، قد يفرز بعض التصرفات التي يمكن تكييفها بفكر ذكوري، لكن الحزب باعتباره مؤسسة لا يمكن أن تمسح القضية النسائية من جيناته، على اعتبار أن مشروعه السياسي ارتبط دائما بمطلب تحرر النساء ورفع الحيف الذي يطولهن جزءا لا يتجزأ من تركيبة نضاله الديمقراطي، سواء على المستوى الفكري أو على الصعيد المؤسساتي ويمكن أن أقول بأن التقدم والاشتراكية من بين أقلية من الأحزاب المغربية التي تنتصر لفكرة المساواة ولحقوق المرأة في الوقت الذي كان البعض يجد حرجا في ذلك، لكن وكباقي الأحزاب لا يخلو الأمر من بعض الأصوات التي لا تؤمن بالمبادئ المؤسسة للحزب والمرتبطة بالمساواة بين الجنسين، وبالتالي فهي ترفض تصورات وأفكارا منبثقة عن تلك المبادئ، كما هو الحال بباقي الأحزاب، لكن على الأقل فكريا ومؤسساتيا وبعيدا عن بعض الأصوات المعزولة، تبقى مواقف حزبنا واضحة من خلال أطروحته السياسية والأوراش التي يشتغل عليها، بما في ذلك الأوراش التشريعية، كمدونة الأسرة و القانون الجنائي. وتيرة تطور معقولة تجدر الإشارة إلى أن المجتمع المغربي لا يمكن أن يتطور إلا بوتيرة معقولة، فإذا كنا نحن الحداثيين نؤمن بمبدأ المساواة المطلقة بين الرجال والنساء، فإننا نعلم أن ذلك لا يمكن فرضه على المجتمع بين عشية وضحاها، وأنه يجب اعتماد وتيرة التطور التي تضمن الحفاظ على اللحمة والوحدة الوطنية دون إثارة جدال معرض للانحراف أو تقاطبات تهدد بالتصدع والانقسام أو شرخ يصعب تجاوزه، وتلك هي المقاربة التي نطمح إلى اعتمادها في موضوع مراجعة مدونة الأسرة. وهو ما يحتم علينا أيضا المساهمة في الرفع من الوعي المجتمعي حتى يتملك المجتمع أفكارنا وتصوراتنا، وهي العملية التي تتطلب منا تكثيف جهودنا من أجل التجذر داخل المجتمع، كمكون من مكونات الجبهة الحداثية، في محاولة لمقاومة التوجهات النكوصية التي تحاول جرنا إلى الوراء، وتعرقل مسيرة التوجه قدما وتعيق المجهودات الرامية إلى بلوغ مرحلة مجتمع تقدمي وحداثي، وذلك بتكثيف التواصل بمقاربة بيداغوجية لإثارة الانتباه إلى مجموعة من القضايا والمفاهيم التي لازالت تكرس دونية المرأة، وتقاوم الانفتاح على المنظومة الحقوقية الكونية المتضمنة في الاتفاقيات الدولية، وأيضا تملك المقتضيات الدستورية المرتبطة بالمساواة، أي أن لنا دورين أساسيين، مقاومة الرجعية والمساهمة في الرفع من الوعي المجتمعي، سواء أحزابا سياسية، وروافدها داخل المجتمع المدني، أو حركات حقوقية، بشكل يضمن وحدة المجتمع المغربي وتجنب مسببات أي شرخ يمكن أن يقع بين المغاربة. المصلحة الفضلى للطفل نحن نعتبر أن ورش مراجعة مدونة الأسرة أهم محطة لتكريس حقوق النساء والرجال، على قدم المساواة، ومراعاة المصلحة الفضلى للطفل. ونطمح من خلال هذه المحطة لأن نعطي صورة مشرفة جيدة لمغرب التعدد والديمقراطية من خلال إثراء المنافسة الفكرية والسياسية ومقارعة الأفكار ومواجهة بعضها البعض بالحجة، وأن تكون هذه المناسبة محطة للانفتاح على جميع الآراء والإنصات إليها وعدم الانجرار خلف طريقة البعض في تكفير المختلفين معها، ومصادرة آرائهم وتجريمها وذلك خطأ كبير، يهدد محاولات إنضاج التوافق المجتمعي المطلوب في مثل هذه المناسبات، التي تتطلب نقاشا رزينا ومنفتحا ومتنورا وإعطاء الكلمة لكل طرف للتعبير عن مختلف التصورات المطروحة والمقترحات الممكنة، دون تحقير أو تجريم أو مصادرة، لذلك سلكنا مناهج الانفتاح بما فيها تلك التي تنهل من داخل المنظومة الفقهية، والتيارات المحافظة المتنورة، من أجل تجميع الأفكار وبلورة التصورات التي يمكن تضمينها ضمن مذكرة الحزب، حيث قدمنا تفاصيلها أمام اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة ونتمنى أن تكون مناسبة لرفع الحيف عن النساء. وشخصيا أعتبر النص المتعلق بمدونة الأسرة نصا محوريا و مركزيا، له امتدادات وإسقاطات على نصوص قانونية أخرى وعلى سياسات عمومية أيضا، وإن كرست دونية المرأة في المدونة سيكون الوضع كذلك في التشريعات الأخرى، وإن تم الانتصار للمساواة فسيستمد تأثيرها على باقي القوانين، كما هو الحال بالنسبة للقانون الجنائي وقانون الجنسية والقوانين المتعلقة بالكفالة، على اعتبار أن مدونة الأسرة ليست مجرد قانون عاد بل هي قانون إطار مرجعي. كما ستكون هناك إسقاطات للمدونة الجديدة في السياسات العمومية المقبلة ، على اعتبار أن إدماج النوع الاجتماعي على مستوى السياسات العمومية لا زال في مرحلته الجنينية، وخير دليل على ذلك الحيف الذي كشفته أزمة "كوفيد" ضد النساء المعيلات للأسر في مسألة الاستفادة من الدعم الاجتماعي آنذاك. في سطور - من مواليد 1972 بتطوان - خريجة المدرسة المحمدية للمهندسين (فوج 1997) - مهندسة بالمكتب الوطني للماء الصالح للشرب - التحقت بشبيبة حزب التقدم والاشتراكية في مرحلة مبكرة من شبابها - عضو الديوان السياسي للحزب سنة 2000 - انتخبت بين 1994 و1999 عضوا بالمكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية - شغلت منصب كاتبة دولة ثم وزيرة منتدبة مكلفة بالماء. - انتخبت في 2011 نائبة برلمانية عن مجموعة التقدم الديمقراطي ونائبة ثامنة لرئيس مجلس النواب. - تشغل عضو مجلس إدارة عدد من المنظمات الدولية التي تشتغل في مجال الموارد المائية من قبيل الشراكة العالمية للماء ولجنة الماء التابعة للأمم المتحدة

أحزابنا مجسمات مصغرة لذكورية المجتمع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"حراك" اللاعبين... من المسؤول؟

الأنترنيت لتسويق المنتوجات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات