المقاربة الصدامية خطر على المدونة

رحاب نفت أن يكون هناك تعارض بين المرأة والرجل وطالبت بإنصاف كل مكونات الأسرة نبهت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، إلى خطورة المقاربة الصدامية على مشروع مراجعة أحكام المدونة، لأنها تنطلق من تعارض وهمي بين المرأة والرجل، مطالبة بإعمال مبدأ إنصاف كل مكونات الأسرة، بما يحفظ توازنها وقوتها، وتقديم مصلحة الأبناء. وشددت القيادية في حزب “الوردة” على أن المنظمة التي ترأسها تعطي الأولوية لاستقرار الأسرة، التي لا يمكن بناؤها بطريقة سليمة انطلاقا من وجود مقتضيات قانونية تؤبد استضعاف النساء. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: ياسين قُطيب/ تصوير (عبد المجيد بزيوات) تتواصل مسطرة المصادقة على قانون المالية بالبرلمان، كيف تقيمين مساهمة الحكومة في دعم النساء المنتخبات؟ > لا أعتقد أن الحكومة تمتلك رؤية لدعم النساء المنتخبات، أو لدعم التمكين السياسي والاقتصادي للنساء عموما، وقبل ذلك لا أعتقد أنها تمتلك إرادة ذلك، والدليل هي تمثيلية النساء داخل الحكومة، وحتى تلك الحقائب الوزارية المسندة لهن، قياسا لتلك المسندة للوزراء، ولكن للإنصاف، فالأمر غير مرتبط بالحكومة ورئيسها والتشكيلات الحزبية المؤلفة لها، وإن كانت مسؤوليتها واضحة، باعتبار أنهم رفعوا شعار الحداثة في حملاتهم الانتخابية في مقابل ما كانوا يعتبرونه تدبيرا محافظا في الحكومتين السابقتين، بل الأمر أعمق من ذلك، ومرتبط بطبيعة النسق الحزبي عموما، الذي مازالت تهيمن عليه العقلية الذكورية. ألا تعتبرين بأن هناك تقدما عما كان عليه الحال في السابق؟ > إن الاختراقات التي حصلت في النسق الحزبي كانت بفعل نضالات التنظيمات النسائية المنتمية لها، وكفاح النساء داخل الأحزاب، ولا يمكن أن تتصوروا المجهود الذي على المرأة المناضلة أن تبذله داخل الحزب حتى يتم الاعتراف بها، أما على صعيد المؤسسات، بما فيها المنتخبة، فلولا الدعم الملكي للتمكين السياسي للنساء، ولولا بعض أنظمة “كوطا”، لكانت التمثيلية النسائية أضعف مما نشاهده اليوم، ودليلنا على ذلك، هو أنه قد مرت 12 سنة على وضع دستور 2011 دون أن يتحقق المبدأ الدستوري المتمثل في المناصفة، رغم أننا في الولاية الحكومية الثالثة بعد إقرار هذه الوثيقة الدستورية، والتي أهميتها ليست من النص فقط، بل من الإجماع الشعبي عليها، الذي عكسه التصويت لصالحه في استفتاء نزيه، وبالتالي تصبح مقتضياته خصوصا في الجانب المتعلق بالحقوق والحريات، ليست فقط مبادئ دستورية ملزمة قانونيا فقط، بل كذلك تمثل مطالب شعبية. ارتفعت بعض الأصوات النسائية تستغيث من سطوة الذكورية على المجالس المنتخبة، كيف تعلقين على ذلك؟ > لقد سبق أن أثرنا هذا الأمر في بلاغ، بعد الاستماع لمجموعة من المنتخبات اللواتي ينتمين لمنظمة النساء الاتحاديات، واللواتي نعتز بمساهمتهن النوعية سواء في المؤسسات المنتخبة، أو في الواجهة الحزبية والمدنية، وقد سجلنا كيف تتواتر عمليات السطو على اختصاصات المنتخبات خصوصا اللواتي يترأسن لجانا داخل هذه المجالس، وكيف يتعرضن لأشكال من العنف الرمزي واللفظي، والمنطلق من تمثلات ذكورية بئيسة مغرقة في الماضوية، وأحيانا يتطور الأمر إلى عنف بدني، وسجلنا مجموعة من الحالات، ومنها التي تروج أمام القضاء، ومن الأمور التي لا يتم الانتباه لها أن الكثير من دورات المجالس المنتخبة، خصوصا الجماعات المحلية، يتم الحسم في مخرجاتها قبل انعقادها عن طريق الكولسة، حيث يتم تهريب النقاشات نحو فضاءات خارج قاعات الاجتماع، وفي أوقات غالبا ما تكون متأخرة ليلا، وبالتالي يتم تغييب النساء عن الحسم في القرارات التي سترهن تلك المجالس، وأعتقد أنه لا بديل عن التنصيص القانوني على إلزامية المناصفة في مثل هذه المجالس. كيف هي وضعيات النساء داخل الأحزاب؟ > للموضوعية، لا يمكن أن نعمم حكما على كل الأحزاب، فالأحزاب الوطنية الديموقراطية رغم كل الملاحظات التي نسجلها، حتى في نقاشاتنا الداخلية، والتي نعبر من خلالها عن رفضنا لبعض الممارسات العرضية، فإنها تبقى متقدمة على باقي الأحزاب في ما يخص إشراك النساء سواء في القرار الحزبي، أو في الترشيحات للمجالس المنتخبة، أو في الأنشطة الحزبية، ونجد حضورا مقبولا مقارنة بباقي الأحزاب في الأجهزة الحزبية، بينما في أحزاب أخرى، ومنها أحزاب تحصل على نتائج انتخابية مهمة، وشاركت في حكومات مختلفة، نجد أنه حتى التنظيمات النسائية الموازية التابعة لها شبه مجمدة، وعموما فإن وضع النساء داخل الأحزاب غير مرض لحدود الآن، فعدد المنتميات للأحزاب ضعيف جدا، ووجودهن في الأجهزة المسيرة للأحزاب يتراوح بين التمثيلية الشكلية، وبين التمثيلية المحاصرة، فقليلات هن رئيسات الأحزاب أو المجالس الوطنية لها. هذا دون أن نغفل بعض الظواهر التي تجعل النساء ينفرن من العمل الحزبي، من مثل اعتبارهن واجهة شكلية، وبالتالي منحهن أدوارا شكلية فقط، أو عدم الاعتراف بمجهوداتهن، أو تحويل بعض الأحزاب هياكلها لخدمة مطامح قريبات القادة، ولو على حساب الكفاءة والعمل الميداني الحزبي. إعادة تموقع الحزب لقد كان من حظنا أن تزامن عقد المؤتمر الثامن للمنظمة، واستكمال تجديد هياكل المنظمة مع الدعوة الملكية لتعديل بعض مقتضيات المدونة الحالية، وبالتالي كان انخراط المنظمة قويا في هذه الدينامية، خصوصا أن الأوراق المصادق عليها في المؤتمر الأخير كانت تطالب بتعديل الكثير من بنود المدونة، ولن أكون مدعية إذا قلت إن منظمة النساء الاتحاديات كانت في طليعة كل التعبيرات المدنية أو الحزبية في تنظيم فعاليات ترافعية ومطلبية وتوعوية بخصوص هذا الملف، وهي مناسبة لأجدد امتناني لكل أخواتي في المنظمة، وخصوصا الموجودات في نقط جغرافية بعيدة عن المركز، على كل المجهودات التي بذلنها، والتي لم تعط زخما للمنظمة فقط، بل أعادت تموقع الحزب في صلب المطالب النسائية، وتوجنا هذه الفعاليات بصياغة مذكرة مطلبية سنرفعها للجنة المكلفة بتدبير هذا الملف. ودون الخوض في التفاصيل، فمطالبنا ترتكز على ملاءمة أحكام المدونة مع النص الدستوري في متنه وروحه، وخصوصا في المبادئ الدستورية المتعلقة بالمساواة والمناصفة والإنصاف، ثم ملاءمة أحكام المدونة كذلك مع المرجعيات الحقوقية الكونية، التي صادق عليها المغرب، وأصبحت بالتالي جزءا من تشريعه الوطني، وثالثا الانفتاح على الاجتهادات الدينية التنويرية المعاصرة، التي تتجاوز المقولة الأصولية "لا اجتهاد مع وجود النص" إلى المقولات التي تنطلق من أن الأحكام مرتبطة بالمقاصد وليس بحرفية النصوص، وفي المذكرة أجرأة لهذه المنطلقات في قضايا وتفصيلات واقعية، من مثل المواريث، والطلاق، وسن الزواج، والولاية على الأبناء، والنفقة، وغيرها. تراجع الفكرة الحزبية في الاتحاد الاشتراكي لدينا مشاكل كما باقي الأحزاب ليس في المغرب فقط، بل في العالم كله، مرتبطة بتراجع صورة الفكرة الحزبية عند المجتمع، ولكن في ما يخص الحضور النسائي في أجهزة الحزب، فأعتقد أننا متقدمون قياسا للأحزاب الأخرى. صحيح أننا نسعى للوصول إلى المناصفة الكاملة، ولكن أعتقد أننا في الطريق لذلك، وهنا يجب أن نعرف أن ما يميز الاتحاد الاشتراكي في ما يخص القضية النسائية والتمثيل النسائي داخل أجهزة الحزب، هو أنه مرتبط بتاريخ الحزب، وبأدبياته المؤسسة، وتاريخيا كان معبرا أساسيا لعديد من النساء اللواتي كن يرغبن في ممارسة السياسة. فهذا الإرث يصعب تجاوزه ومحوه، بل لا سبيل سوى تطوير هذا التراكم، بغض النظر عن أي قيادة أو مكتب سياسي سيقود الحزب. ويمكنكم الرجوع مثلا لآخر مؤتمر للحزب، والذي بين أن النساء الاتحاديات لم يكن مؤثثات في المؤتمر، بل كان لهن دور أساس في نتائج المؤتمر التنظيمية، وفي صياغة أوراقه والمصادقة عليها. نحن متفائلات نعتقد أن التحولات المجتمعية تسير في الاتجاه الإيجابي، لذلك نحن متفائلات، لأن المجتمع أصبح مهيئا لتقبل تعديلات منصفة للنساء والأبناء، ولا تضر بأدوار الرجل داخل الأسرة، وأن من واجب النخب التي ستتم استشارتها، والمشرعين/ات الذين سيصادقون على التعديلات النهائية أن يكونوا عند حسن ظن جلالة الملك الداعي للإنصاف، وفي مستوى انتظارات المجتمع واحتياجاته. ونحمد الله على وجود مؤسسة إمارة المؤمنين، وبالتالي أتمنى من بعض القوى المحافظة أن تدافع عن اختياراتها بعيدا عن الزج بالورقة الدينية لخلق استقطاب مفتعل، فالملك بصفته أمير المؤمنين هو الضامن لحفظ مقاصد الشريعة في هذا البلد، وفي المغرب لدينا إرث ديني معتبر في فقه النوازل، ولذلك لا أعتقد أن الاجتهادات الدينية ستكون قاصرة على إنصاف النساء. وفي ما يتعلق بالمواريث، أعتقد وانطلاقا من اللقاءات التي عقدناها، أنه إذا تم استبعاد بعض الأحكام الفقهية التي لا يوجد نص صريح عليها، بل هي أحكام فقهية تعبر عن اجتهادات وتأويل بشري، وتم إخضاع النصوص الصريحة إلى استنباط أحكام منها بناء على مقتضيات المقاصد المتمثلة في المساواة والعدل، فإنه يمكن الوصول إلى نتائج مرضية للجميع، ومفيدة لتطور المجتمع، فمثلا نحن نعتقد أن قاعدة التعصيب، لم يعد لها أي مبرر شرعي أو واقعي أو أخلاقي. مصلحة الأطفال أولا مقاربتنا ليست صدامية، تنطلق من تعارض وهمي بين المرأة والرجل، بل ننطلق من مقاربة إنصاف كل مكونات الأسرة، بما يحفظ توازنها وقوتها، مع تقديم المصلحة الفضلى للأبناء، ومطالبنا المتعلقة بإنصاف النساء في المدونة، هي مطالب لاستقرار الأسرة، التي لا يمكن بناؤها بطريقة سليمة، انطلاقا من وجود مقتضيات قانونية تسمح بإهانتهن وتأبيد استضعافهن، وبالتالي فإن الحضانة يجب أن تستحضر مصلحة الطفل في وجود بيئة حاضنة معنويا وماديا تقلل من آثار الطلاق النفسية، وتسمح بالرعاية المشتركية للأب والأم، وفق اتفاقات واضحة وملزمة، وإصلاح مقتضيات النفقة، بما يجعلها تسمح بتوفير أساسيات الأبناء، وفي المذكرة تفصيل لمقترحاتنا في هذه القضية، وجعل الولاية كذلك مشتركة، ولا تسقط عن الأم أو الأب إلا بحكم قضائي، بناء على إخلال أحد الطرفين بمقتضياتها، أما في ما يخص تدبير الممتلكات بعد انقضاء العلاقة الزوجية، فنشدد أولا على منع طرد الزوجة الحاضن من بيت الزوجية، وعلى تثمين العمل المنزلي واحتسابه، وعلى مراعاة مصلحة الأبناء إلى أن يصلوا سن الرشد القانوني، بجعل كل الممتلكات الخاصة بهم أو التي يحتاجونها من نصيب الحاضن، وتبعا لذلك يجب إخراجها من عملية التقسيم باعتبارها حقا للأبناء، إلى أن يستقلوا عن الأسرة ببلوغهم سن الرشد القانونية، باستثناء الأطفال في وضعية إعاقة الذين لا يجب أن يترتب عن اقتسام الممتلكات أي ضرر على احتياجاتهم. الخبرة الجينية محسومة علميا إذا لم يتم الإقرار بالخبرة الجينية دليلا نهائيا على ثبوت النسب، فأعتقد أننا سنكون وكأننا لم نقم بأي شيء ذي أهمية، وسيعني أن باقي المطالب لن تشهد تعديلات جوهرية، لأن موضوع الخبرة الجينية محسوم علميا، وبالتالي أي محاولة للرجوع إلى قاعدة " الولد للفراش وللعاهر الحجر" فيها إساءة للإسلام أولا، لأن الإسلام هو دين العقل والعلم، والتي يعبر عنها القرآن الكريم بمصطلح "سنة الله في الكون"، نحن لا نطالب فقط بالخبرة الجينية، بل نطالب بأن تكون حقوق الأطفال الناتجين عن علاقة خارج مؤسسة الزواج، كحقوق الأطفال الآخرين نفسها بعد إثبات النسب بالخبرة الجينية، هذا الموضوع، وموضوع تجريم زواج القاصرات والقاصرين سيكون من المخجل تضارب الآراء فيهما، سواء أثناء الاستشارة مع اللجنة، أو أثناء المصادقة في البرلمان. ثقتنا كاملة في اللجنة لنا الثقة الكاملة في اللجنة، وعبرنا عن ذلك في بيان، ولكن هذا لا يعني أننا سنركن للانتظارية في انتظار خلاصاتها، بل سنستمر في الترافع، وشرح وجهات نظرنا، ومرافقة عمل اللجنة دعما لها، وكذلك تصويبا وانتقادا إذا اقتضى الأمر ذلك، خصوصا إذا لمسنا انزياحا عن المنهجية الملكية المقترحة، والتي نعتبرها ضمانة لعبور آمن نحو مدونة أكثر إنصافا، كما ينتظرنا عمل ترافعي آخر مع الفرق البرلمانية حين ستعرض التعديلات للمصادقة، وحتى بعض خروج النص النهائي ونشره في الجريدة الرسمية، سنستمر في فعل مرافقته، شرحا لمضامينه ودفاعا عنها إذا لبت مطالبنا، أو الاستمرار كما فعلنا مع المدونة الحالية في انتقاد ما نراه سلبيا، لأن أي نص بشري لا يمتلك أي قدسية، كما أن الواقع دائما يتطور في اتجاهات تستدعي التعديل والتصويب. في سطور -- الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات - عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية - نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية - برلمانية سابقة

المقاربة الصدامية خطر على المدونة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تزوير يهز بلدية الخميسات

مقدمات السكري... الحذر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات