الوزاني: الإرث نظام رباني

نائبة رئيس المكتب الجهوي لنادي القضاة بفاس قالت إن هناك ضرورة لوضع إطار قانوني للوساطة الأسرية قالت حفيظة الوزاني، نائبة رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بفاس، إن أهم النقاط الواجب معالجتها من خلال التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة هو التفكير في إعادة الاعتبار لمؤسسة الزواج، وإيلاؤها من الأهمية ما تستحقه، باعتبارها أساس الأسرة. وأضافت في حوار مع "الصباح" أن أهم المعيقات التي تواجهها هي غياب اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح تنطلق من وجود بيئة ملائمة لنص تشريعي يجب أن تتوفر في المخاطبين به القدرة على استشراف أهدافه وروح نصوصه، بالإضافة إلى ضرورة الاعتناء بتوفير البيئة الاقتصادية الملائمة، والتوعية بأهمية الدور التربوي للأسرة والمدرسة والمجتمع. أجرت الحوار: كريمة مصلي - تصوير (أحمد العلوي لمراني) شرعت لجنة تعديل المدونة مباشرة في عملها بعد الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس، في نظركم ما هي الدلالات التي تستشف من هذه الرسالة؟ > كانت الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة الثلاثاء 26 شتنبر الماضي، حاسمة في تحديدها لإطار إعادة النظر في مدونة الأسرة، من خلالها تم التشديد من قبل جلالته، على أن هذا التعديل يجب أن يتم في إطار مقاصد الشريعة وخصوصيات المجتمع المغربي، وأن يتم اعتماد ميزان الاعتدال والاجتهاد المنفتح والمشاورة والأخذ والرد في الحوار، والكل وفق مقاربة تشاركية تجمع بين المؤسسات والفعاليات المعنية، وأكد جلالته بأنه لا يمكنه أن يحل ما حرم الله ولا أن يحرم ما أحله جل وعلا... يعني هذا أن عمل لجنة إصلاح المدونة له حدود ومرجعيات.. > أكبر دلالة خطتها الرسالة الملكية هي أن المرجعيات والمرتكزات –قيم العدل والمساواة والتضامن والانسجام- ظلت وستظل دون تغيير، وهي مرتكزات نابعة من ديننا الحنيف والقيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وإعمال الاجتهاد البناء الذي هو السبيل الذي يجب سلوكه لتحقيق هذه الموازنة والملاءمة بين المرجعية الدينية ومقاصدها المثلى وبين المستجدات الحقوقية الكونية التي صادق عليها المغرب، تماشيا مع ما طرأ على المجتمع المغربي من متغيرات. وثاني أهم دلالة للرسالة الملكية، هو أن التأهيل المنشود يجب أن يقتصر على إصلاح الاختلالات التي اظهرها التطبيق القضائي لمدونة الأسرة على مدى حوالي 20 سنة أولا، وثانيا على تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي. كثر الحديث عن ضرورة إعادة النظر في قضايا الإرث والمطالبة بالمناصفة، هل ترون أن ذلك يتناقض مع الحدود التي رسمها خطاب العرش في شان النقاط التي لا يمكن تجاوزها في التعديل ؟ > تعديلات مدونة الأسرة هي نتاج ورش ملكي، وما تضمنه خطاب الملك في هذا الإطار كان واضحا بأنه "لن يحل ما حرم الله ولن يحرم ما احل الله " الأمر الذي يؤكد على استبعاد تضمين مثل هذه المقترحات في تعديل مدونة الاسرة. وهنا أستحضر القاعدة الفقهية القائلة "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص"، والنقاش المجتمعي حول التعديلات المزمع ادخالها على مدونة الأسرة هو ظاهرة صحية، لها أكثر من دلالة على أن المجتمع في حيوية وتفاعل مستمرين في الزمن، ومدونة الأسرة هي نتاج فكري إنساني يعتريه ما يعتري كل الاجتهادات الفكرية البشرية عبر كل العصور وفي جميع المجتمعات. ويعتبر فقه النوازل في الفقه الاسلامي هو جهد الفقهاء في فهم النص الشرعي وتنزيله على الواقع المتغير، وهو جهد يحتاج الى مراجعة دائمة وفق أحكام الشريعة الكلية المتضمنة في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والتي لا تتغير ولا يمكن تبديلها أو الاجتهاد فيها إذا كانت قطعية الدلالة، كالنصوص المتعلقة بالزواج باعتباره عقدا شرعيا بين رجل وامرأة غايته الإحصان والعفاف القائم على التراضي والمكارمة بين الزوجين وليس على الإجبار والمشاحنة، ومن ذلك كذلك النصوص المتعلقة بالإرث، ونظام الإرث هو نظام رباني لا يمكن تغييره أو تبديله أو الاجتهاد فيه، لأن من تولى التشريع في تركة الميت هو الله عز وجل بنص قرآني قطعي الدلالة لا مجال لطرق باب التغيير أو التعديل فيه. يجب تدارك الثغرات القانونية قال الملك إن مدونة الأسرة أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة، في نظركم ما هي هذه العوائق ؟ > أولا، يجب أن نسلم أن النص القانوني وحده ليس بقادر على أن يؤلف بين أطراف العلاقة الأسرية، لكن وضوحه وبعده عن الغموض الذي تترتب عنه الكثير من التأويلات المغلوطة يظل مكسبا بيد الطرف المطالب بحقه داخل العلاقة الزوجية، زوجا كان أو زوجة أو طفلا. ومن جهة ثانية، التطبيق القضائي وحده آلية ستعجز عن حل الإشكاليات التي طفت على أرض الواقع، مهما ارتقى في وسائله البشرية واللوجستيكية في غياب معطيات وخلفيات أخرى يجب توافرها لإنجاح تجسيد مقتضيات المدونة على أرض الواقع. كما أن المناهج التعليمية والإعلام الرصين بشتى أنواعه يتحمل مسؤولية كبرى في تجسيد أهداف المدونة وروحها، وسيجد نفسه أمام تحديات كبرى لغرس القيم الدينية والأخلاقية واختراق الموروث الثقافي وتحديات العصر في غياب الوعي العام بحقوق الإنسان، وضعف التشبث بقيم الإنسانية والتسامح والمعاشرة بالمعروف. وإجمالا، أول المعيقات هي غياب اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح تنطلق من وجود بيئة ملائمة لنص تشريعي يجب أن تتوفر في المخاطبين به القدرة على استشراف أهدافه وروح نصوصه، بالإضافة إلى ضرورة الاعتناء بتوفير البيئة الاقتصادية الملائمة، والتوعية بأهمية الدور التربوي للأسرة والمدرسة والمجتمع، وتحسيس جميع الجهات والمتدخلين والمهتمين بالشأن الأسري بفلسفة النص ومقاصده الأساسية التي تستهدف تماسك الأسرة واستقرارها، لا العمل على التفرقة والتفكك، هذا من جهة، ومن جهة ثانية عدم فهم مضامين المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة وتشويه روح نصوصها بالتأويلات المغلوطة، سواء من قبل المخاطبين بها أو من بعض من يتحملون عبء دور التوعية والتحسيس والإصلاح بين مكونات الأسرة، مما أدى إلى اتهام المدونة بأنها السبب في عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق والتطليق، وأنها تشكل تمييزا واضحا للمرأة على حساب كرامة الرجل... إلى غير ذلك من التأويلات المغلوطة التي جعلت من المدونة مشجبا تعلق عليه كل المشاكل الأسرية... وأخيرا، وليس بآخر يجب تدارك الثغرات القانونية، وهذا يتطلب أن يخطو المشرع خطوة أكثر جرأة، لتجسيد بعض المفاهيم الأساسية التي تصدرت المدونة دون وجود إطار قانوني لها، مما جعل منها نوعا من النصوص والمواد المعنوية الظرفية التي لا تتمتع بالقوة الإلزامية في التطبيق، فضلا عن تدارك ما أظهره التطبيق العملي من هفوات وثغرات صعب معها بلوغ الغاية المنشودة من هذا القانون تماشيا مع التطورات التي عرفتها الأسرة المغربية. إعادة الاعتبار لمؤسسة الزواج في نظركم ما هي النقاط التي تتطلب معالجة ضرورية وإعادة النظر بشكل مستعجل في التعديلات المرتقبة؟ > قبل الخوض في ماهية أهم النقاط الواجب معالجتها من خلال التعديلات المرتقبة، يجب أولا التفكير في إعادة الاعتبار لمؤسسة الزواج، وإيلائها من الأهمية ما تستحقه كلبنة أساس، والتي تعتبر أول نظام اجتماعي عرفته الإنسانية منذ فجر التاريخ ووصفه الشارع الحكيم بالميثاق الغليظ لعظمة أهميته، باعتباره المدخل الوحيد والأوحد لبناء الأسرة التي هي الخلية الأساس في المجتمع. أما بخصوص النقاط الواجب معالجتها، أولا : ضرورة إعادة النظر في مفهوم الشقاق وغاياته الشرعية كما وردت في الآية الكريمة *فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما *، فالغاية من التطليق للشقاق في الآية الكريمة محاولة الحكمين إصلاح بينهما إذا بدت بوادر الشقاق أو خيف حدوثه، فأين نحن من هذه الحكمة في الإصلاح ورأب الصدع، بعد أن تحولت مسطرة التطليق للشقاق إلى مسطرة فراق مؤكد إلا ما ندر، وصارت قناة وممرا سحريا للعديد من صور التطليق الأخرى، ما يفسر ارتفاع حالات الطلاق والإحصائيات الأخيرة خير دليل على ذلك، خصوصا أن التجربة أبانت عن صعوبة التفعيل الجدي لآليات الصلح الموجودة الآن، بل وتغيب بعضها كمجلس العائلة. ثانيا : إعادة النظر في مسطرة الصلح، رغم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة بهدف تفعيل مسطرة الصلح عن طريق الدور الذي يمكن ان يلعبه القاضي الأسري في النزاعات الزوجية، إلا أن هناك عدة عوامل تؤثر على نجاح هذه المسطرة، من بينها قلة القضاة، وما يوازيه من كثرة الملفات المعروضة للبت على أقسام قضاء الأسرة، وازدواجية المهام التي تقع على عاتق قاضي الأسرة المكلف بالصلح –قاضي الصلح هو نفسه من يبت في القضية -، أثار المتخيل الشعبي لدى المتقاضين على نجاح محاولة الصلح، التي تتم داخل أسوار المحاكم بواسطة قاض، بالإضافة إلى غياب التكوين التخصصي للقضاة المكلفين بإجراء محاولة الصلح. مع العمل على نهج سياسة التخفيف من أعباء القاضي الأسري بإشاعة تفافة التسامح والتصالح، عن طريق وضع إطار قانوني للوساطة الأسرية التي أصبحت الضرورة ملحة الآن، من أجل اتخاذ تدابير وخطوات أكثر جرأة نحو تبني هاته الآلية كإجراء قبل قضائي وبشكل إلزامي، خاصة في قضايا الطلاق والتطليق. عقد العمرى هل ترون أن التعصيب يشكل عائقا في المدونة؟ > هناك من يتحدث عن أن هذا النظام، نظام التعصيب، يظلم المرأة، خصوصا البنات مع إخوة وإخوان الميت داعين إلى إلغائه، والحقيقة أن هؤلاء تغيب عنهم الكثير من الجزئيات حول هذا الموضوع، فنظام الإرث في الإسلام انطلاقا من النص القرآني المؤطر له من خلال الآيتين 11 و 12 وآخر آية من سورة النساء، هو نظام محكم قطعي الدلالة، وكل دعوة لإلغائه تعتبر إخلالا بنظام شرعي محكم ونسفا لركن من أركانه الأساسية، وهنا لابد من التوضيح أن الأبناء إذا اجتمعوا ذكورا وإناثا يرثون بالتعصيب، والأب إذا كان وحيدا يرث بالتعصيب، والأخ الشقيق أو الأب كذلك إذا كان وحيدا أو صاحب فرض، كالزوج أو الزوجة أو الأم يرث بالتعصيب والعم إذا كان وحده أو معه صاحب فرض يرث بالتعصيب وأخت الهالك ترث بالتعصيب مع البنت أو البنات، بعدما تأخذ البنت أو البنات نصيبهن كاملا. ودون الإخلال بنظام التعصيب، بإمكان صاحب المال أن يهب لزوجته أو لبناته أو أن يعمر لهن، عقد عمرى، بأن يوثق معهن عقد عمرى التي تبيح للزوجة والبنات بعد وفاة معيلهن الاستمرار في السكن مدى حياتهن ولا يأخذ باقي الورثة حقهم إلا بعد وفاة المعمر لهن. إعادة النظر في الإذن بالتعدد يرى البعض أن رسم حدود التعديل قد يشكل تراجعا عما تضمنته المدونة الحالية في بعض النقاط والحديث هنا عن التعدد، هل يمكن ذلك ؟ > حيثما وجد نص قانوني وجدت بالموازاة معه العديد من التحايلات، فقيود التعدد دفعت كثيرا من الراغبين فيه إلى تجاوز الإذن القضائي باستغلال المادتين 156 و 16 ، عندما كانت هي الأخرى تشكل بابا للتحايل على سلوك مسطرة الإذن بالتعدد ، وبذلك يتم الالتفاف على القانون لخرق هذه المسطرة تعديا على حقوق الزوجة الاولى باستعمال القانون لغير غاياته وأهدافه. لذلك يبقى من الضروري إعادة النظر في مسطرة الإذن بالتعدد في عدد من المناحي، أولها فرض المزيد من القيود عليها، من أجل محاولة ضمان العدل ما بعد الحصول على الإذن بالتعدد، والمقصود هنا ضمان حقوق الزوجة الأولى وأبنائها إن وجدوا، خاصة أن التجربة العملية أبانت أن هاته الزوجة غالبا ما يتم إهمالها رفقة أبنائها بعد الزواج من ثانية وتصبح معه مضطرة إلى دخول دهاليز المحاكم، إما من أجل المطالبة بالالتزامات المالية للزوج أو من أجل سلوك مسطرة التطليق للشقاق. ثانيا: تجريم إخفاء باقي الزوجات المراد التزوج عليهن وعدم إظهارهن للمحكمة، إذ غالبا ما يتم إظهار واحدة فقط للمحكمة وغالبا ما تكون هي التي توافق له على التعدد، وثالثا التنصيص على كيفية ضمان تنفيذ شروط الزوجة الأولى في حال موافقتها للزوج على التعدد عليها مقابل شروط معينة، والتي تحظى بموافقة الزوج عليها. وأخيرا إعادة النظر في مسألة السلوك التلقائي لمسطرة التطليق للشقاق، أثناء سريان مسطرة التعدد. تدخل المشرع أضحى ضرورة أثيرت بالساحة القانونية مناقشات فقهية وقانونية في أعقاب صدور القرار 123 بتاريخ 21/09/2011 ، الصادر عن محكمة النقض، والذي يخلص إلى عدم تمتيع كل امرأة طالبت بالتطليق للشقاق، بحجة أن المادة 97 من مدونة الأسرة التي تتكلم عن التطليق للشقاق، تحيل بشان المستحقات المترتبة للزوجة عند انفصام الزوجية إلى المواد 83 و84 و85، المتعلقة بالطلاق لا التطليق، مع أن الإحالة المذكورة وردت دون تحديد أو تخصيص، لذا أصبح من الضروري أن يتدخل المشرع بنص واضح يفسر مفهوم الإحالة في المواد المذكورة أعلاه لوضع حد للفتنة، التي نجمت عن القرار المذكور.

الوزاني: الإرث نظام رباني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السجن لأمنيين ضمن عصابة ملثمين

صفقات العطش أمام جرائم الأموال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات